وثائقيات الآن 3-8-2018
لم يعد سرا التعاون العسكري بين النظام الكوري الشمالي والنظام السوري, وبدى ذلك جليا خلال الثورة السورية التي انطلقت في الخامس عشر من شهر آذار / مارس سنة ألفين وإحدى عشرة.
لم توفر بيونغ يانغ جهدا .. لمنع سقوط النظام ورئيسه بشار الأسد على يد المعارضة السورية, وقدمت له الدعم والمساندة في شتى المجالات, بإثبات الخبراء الذين قابلناهم, والمعلومات التي حصلنا عليها.
ولعل التقرير السري التابع للأمم المتحدة, بشأن اعتراض شحنتين كوريتين شماليتين, كانتا متوجهتين إلى وكالة تابعة للنظام السوري مسؤولة عن برنامج الأسلحة الكيميائية, دفعنا إلى البحث عن طبيعة العلاقة التي تربط النظامين, ما تاريخها وما نوعها? ونوع الدعم العسكري الذي قدمته بيونغ يانغ على صعيد الأسلحة الكيميائية? ودور الخبراء الذين استعان بهم النظام السوري في إخماد الثورة وقمع معارضيه.
سنة ألف وتسعمئة وأربع وسبعين, زار الرئيس السوري السابق حافظ الأسد كوريا الشمالية, بعد ثلاث سنوات من اعتلائه كرسي الحكم.
التقى مؤسس الدولة الأكثر شمولية وانغلاقا في العالم .. كيم إيل سونغ, والد الزعيم الحالي كيم جونغ أون.
أبدى الأسد إعجابه حينها وفق ما يقول كثيرون, بالنهج الذي يسير عليه نظام سونغ, واستنسخ أسس النظام الكوري وأركانه, بدءا من طلائع البعث, ومسيرات التأييد للقائد, مرورا بالأجهزة الأمنية التي سخرها لحماية نفسه وتصفية معارضيه, وليس انتهاء بتوريث الحكم.
ذهبت العلاقات بين النظامين إلى أبعد من ذلك, .. ففي سبعينات وثمانينات القرن الماضي, ساعد خبراء كوريون على تحديث مئات الأسلحة سوفييتية الصنع لدى النظام السوري.
ووفق تقرير للمعهد الكوري الجنوبي – الأمريكي, نشر سنة ألفين وثمان, فقد أرسلت بيونغ يانغ سنة ألف وتسعمئة وثمانين, قوات للعمليات الخاصة, لتدريب القوات السورية على مقاومة الشغب.
وفي سنة ألف وتسعمئة واثنتين وثمانين, شغل جنود كوريون شماليون قاذفات الصواريخ, عندما قمع النظام السوري المعارضة في مدينة حماة. وفي سنة ألف وتسعمئة وتسعين, أرسلت ثلاثين إلى خمسين مدربا عسكريا إلى سوريا.
لجأ النظام السوري في الحادي والعشرين من آب / أغسطس سنة ألفين وثلاث عشرة, إلى استخدام الأسلحة الكيميائية من أجل قمع معارضيه.
كان منعطفا تاريخيا من عمر الثورة .. مشاهد فظيعة التقطتها عدسات المصورين, وتداولتها بكثرة وسائل الإعلام العربية والعالمية. كانت البداية .. لاستخدام سلاح جديد, محرم دوليا، بل وتطويره.
آخر الهجمات الكيميائية التي نفذتها قوات النظام السوري, كانت في السابع من أبريل / نيسان سنة ألفين وثماني عشرة; استهدفت خلالها مدينة دوما .. وأودت بحياة ما لا يقل عن سبعين شخصا من سكانها.
لكن إن كانت الأسلحة التقليدية لدى النظام السوري هي من صناعة وتطوير كوريا الشمالية, فماذا عن الأسلحة الكيميائية، ومن البداهة، من لا يمكنه صناعة سلاح تقليدي, لا يمكنه صناعة سلاح كيميائي!
في كانون الثاني / يناير سنة ألفين وست عشرة, أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في بيان لها على موقعها الرسمي, تدمير آخر خمس وسبعين اسطوانة من “فلوريد الهيدروجين” وأنه بانتهاء تدميرها, يكون قد تم التخلص من الأسلحة الكيميائية التي أعلن عنها النظام السوري. لكن في حقيقة الأمر, كان للخبراء رأي آخر.
بينما كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية, تتخلص من ترسانة الأسد, كان الكوريون الشماليون في مراكز البحوث العلمية التابعة للنظام, يطورون الغازات السامة المحرمة دوليا, بغية استخدامها في قتل المدنيين السوريين.
وكان المنشقون العسكريون عن نظام الأسد, يؤكدون على أن النظام السوري, لا زال يخزن مئات الأطنان من هذه الأسلحة الفتاكة.
تواصلنا مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإجراء لقاء تلفزيوني مع مديرها أحمد أوزمجو, محاولين بذلك, معرفة ما إن كان الأسد يمتلك مخازن جديدة لم تطأها أقدام الخبراء واللجان الأممية, ومعرفة تفاصيل الشحنات الكورية الشمالية المتجهة إلى سوريا, لكنهم اعتذروا عن إجراء اللقاء.
تشير برقيات الحكومة الأمريكية إلى أن مسؤولين في إدارت جورج بوش الابن وأوباما, قد ذهلوا من شبكة الشركات التي استخدمتها بيونغ يانغ, واجهة لاستقدام تجهيزات لبرامج الصواريخ السورية.
وقام وسطاء من كوريا الشمالية بشراء الغرافيت, والفولاذ المتخصص, ومنافث محركات صاروخية, ومواد ذات صلة, لمساعدة سوريا على تطوير صواريخ “سكود” وغيرها من الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى.
– في سنة ألفين وخمس, اختبرت سوريا صواريخ سكود-دي, لكن الأختبار انتهى بالفشل.
– في سنة ألفين وسبع, نجح اختبار بفضل كوريا التي حسنت طراز سكود-دي ووسعت نطاقه.
– في أوائل التسعينات, ساعد الكوريون المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية في بناء مجمعات صاروخية في حلب وحماة.
– استخدمت منشأة حلب, في تركيب رؤوس حربية كيميائية على صواريخ سكود.
استمرت عمليات التهريب التي تقوم بها بيونغ يانغ لصالح الأسد; هذا إن لم تسرع على مر سنوات الثورة السورية.
كانت مراكز البحوث العلمية في سوريا هي حلقة الوصل مع نظام بيونغ يانغ. على رأسها مركز جمرايا, الذي يعده المسؤولون الأمريكيون والغربيون أساسا لبرامج الأسلحة غير التقليدية للنظام السوري.
لم يقتصر الأمر عند الدعم التقليدي, بل وصل إلى الدعم بالتكنولوجيا النووية وغرف العمليات الحديثة, وبدأ ذلك مع وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم بعد وفاة والده.
عزز المجتمع الدولي خلال السنوات الماضية جهوده, على خنق الشركات الكورية الشمالية في الخارج, وشبكات إنتشارها, عبر فرض عقوبات صارمة عليها.
ويشعر مسؤولون غربيون وأمريكيون بالقلق, من أن تكون كوريا قد اندمجت مع جماعات إرهابية في منطقة الشرق الأوسط. ويخشى البعض, من صعوبة تعقب ترسانة أسلحة بيونغ يانغ المتوسعة سريعا.
وهناك إجماع كبير على أن لكوريا الشمالية, التي تعاني ضائقة مالية, محفزات كثيرة لمحاولة بيع حتى أكثر أنظمة أسلحتها تطورا.
أدرج اسم مؤسسة تانغون الكورية للتجارة في قائمة العقوبات, في السادس عشر من تموز / يوليو سنة ألفين وتسع, لمشاركتها في برامج كوريا الشمالية النووية, وبرامجها الأخرى لأسلحة الدمار الشامل, بما في ذلك استخدامها سبلا أخرى غير مشروعة “.
ووفق تقرير الأمم المتحدة, فإن المؤسسة تتولى في المقام الأول مسؤولية شراء السلع والتقنيات, لدعم برامج البحوث والتطوير الدفاعي لكوريا الشمالية, والتي تشمل البرامج والمشتريات المتصلة بأسلحة الدمار الشامل.
وتضم قائمة الأمم المتحدة للعقوبات, أسماء ثمانين فردا و خمسة وسبعين كيانا, وفق قائمة الجزاءات ألف وسبعمئة وثماني عشرة.
وبالنظر إلى هذه القائمة, فإن المعلومات الواردة عن بعض من أدرجوا فيها .. زاروا سوريا.
بالرغم من البعد الجغرافي والتباعد بين طبيعة الدولتين وتركيبتهما الجيوسياسية, إلا أنهما يشتركان في نظام حكم الشعب, بالقوة والقمع.
تملك كل من كوريا الشمالية وسوريا كثيرا من القواسم المشتركة, فكلا النظامين يواجهان عقوبات اقتصادية تفرضها الولايات المتحدة, التي تعدهما دولتين راعيتين للإرهاب.
كما حافظ الرئيسان الحاليان بشار الأسد وكيم جونغ أون على العلاقات القوية بين بلديهما, والتي بناها والداهما الراحلان حافظ الأسد وكيم ايل سونغ.
ومما يثبت متانة العلاقة, رسالة التهنئة التي أرسلها نظام كيم للنظام السوري في ذكرى تأسيس حزب البعث الحاكم, والتي تزامنت مع غضب دولي بسبب الهجوم الكيميائي الذي نفذه النظام السوري على المدنيين.
وفي سنة ألفين وأربع عشرة, طلبت سوريا من كوريا الشمالية, المساعدة في مراقبة انتخاباتها الرئاسية.
وفي أواخر سنة ألفين وخمس عشرة, سمت سوريا حديقة في دمشق باسم الزعيم الكوري السابث كيم إيل سونغ.
أما في أوائل حزيران / يونيو سنة 2018 ذكرت وسائل إعلام كورية شمالية, أن رئيس النظام السوري بشار الأسد, أعرب عن رغبته في زيارة بيونغ يانغ, ولقاء زعيمها كيم جونغ أون.
يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة في تكساس أنغيلو الأمريكية, بروس بيكتول, إن “سوريا تعد منجم ذهب لكوريا الشمالية” ويضيف “هذا أفضل شيء حدث لبيونغ يانغ على الإطلاق, طالما لم يسقط النظام”.
وأشار بيكتول في ورقة بحثية صدرت سنة 2015, “أنه على المحللين الكوريين أن يحاطوا علما بكيفية استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب السورية, لأنه يرجح أن يكون هذا بمثابة اختبار لإجراءات كوريا الشمالية المستقبلية في نزاع من كوريا الجنوبية.
ويختتم استاذ العلوم السياسية بالقول: “إن كوريا الشمالية أصبحت تشكل جانبا رئيسا من الدعم الذي يحتاجه نظام الأسد للصمود, والتصدي لمعارضيه.
جميع الأمثلة التي ذكرها من قابلناهم في هذا الفيلم, تشير بوضوح إلى أن كوريا الشمالية ساعدت بطريقة غير مباشرة في قتل المدنيين السوريين من خلال دعم نظام الأسد.
لكن الأهم, الشواهد التي ذكرها العميد أسعد الزعبي, حول تورط كوريا الشمالية مباشرة في قتل السوريين.
تشير آخر الإحصاءات الأممية, أن عدد السوريين الذين لقوا حتفهم نتيجة الصراع, بلغ أكثر من 400 ألف شخص منذ سنة ألفين وإحدى عشرة, وحتى منتصف سنة ألفين وثماني عشرة، فضلا عن خمسة ملايين لاجئ, وأكثر من ستة ملايين نازح.
أرقام ليس المسؤول عنها فقط النظام السوري, بل أصابع الإتهام تتجه نحو النظام الكوري الشمالي, الذي قدم كل أشكال الدعم والمساندة, من أجل بقاء رئيس النظام بشار الأسد.
لم يعد هناك أدنى شك, أن كوريا الشمالية متورطة بقتل السوريين. وكان دعمها للنظام السوري بأسلحة الدمار الشامل, تكلفة بشرية باهظة. وقد يشهد السوريون يوما, محاكمة ضباط كوريين شماليين, تلطخت أيديهم بدماءهم.