تصاعد انتفاضة الحجاب في إيران
خلافا لتوقع كثيرين لم تتوقف الانتفاضة في إيران بل امتدت وتوسعت وشملت فئات جديدة وأخذت تنحو باتجاه التنظيم والتنسيق بين مختلف الجهات المشاركة فيها. فقد انكسر حاجز الخوف عند الإيرانيين وأصابوا الهدف بضرب مؤسستي الملالي والأمن مع بدء تحول الانتفاضة إلى ثورة ثقافية عميقة ستنضج نتائجها في الوقت المناسب. وقد كان من أبرز شعارات الانتفاضة إلى جانب الدعوة بسقوط الدكتاتور والمقصود به خامنئي شعار “لا تخافوا ..” وانكسار حاجز الخوف سيكون العامل الأقوى في الانتقال إلى حالة الثورة.
ما هو غريب حتى الآن عدم تدخل الحرس الثوري بقوة مميتة للقضاء على الاحتجاجات. عندما لم يتدخل الحرس منذ البداية كان التفسير أن إيران لا تريد إحراج رئيسها الذي كان في الأمم المتحدة بمناسبة اجتماعاتها السنوية. وعندما عاد الرئيس استمر الوضع على ما هو عليه الأمر الذي شجع المحتجين على مواصلة احتجاجهم وتصعيد مطالبهم وارتفاع سقفها. وتطورت إلى اشتباكات مع رجال الشرطة في معظم المدن الإيرانية وسقط العشرات من القتلى.
الحالة الصحية للمرشد الإيراني
أما الحالة الصحية للمرشد التي يقال أنها متدهورة فهي تساهم في تشجيع المحتجين لمواصلة احتجاجهم. وفي الوقت نفسه فإن هذا قد يكون من الأسباب العديدة التي تمنع النظام من استخدام القوة المميتة للقضاء على الانتفاضة خشية أن تغرق إيران في حمام دم بينما المرشد في أيامه الأخيرة. وإذا كانت وفاة المرشد في حال حدوثها أثناء الانتفاضة ستعطيها قوة إضافية فإنها ستوقع النظام في حرج الصراع على السلطة ما لم يكن قد تم ترتيب خلافته بصورة واضحة ودقيقة.
منذ منتصف سبتمبر الماضي والشارع الإيراني يغلي ويتحرك والنساء تقود الاحتجاجات بما رفع منسوب الرفض المجتمعي لنظام الحكم الذي يحاول فرض ايدلوجية أحادية لا يريدها الإيرانيون وإن ظلوا راضين بها على مضض منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل أكثر من أربعين عاما. في العديد من مدن إيران سارت الكثير من النساء وهن في هذه الانتفاضة عمادها وعمودها بدون حجاب تعبيرا عن رفض سياسة الجمهورية الإسلامية وأيدولوجيتها. وبما أن المرشد هو رمز الجمهورية فقد انصب الغضب عليه وتمحورت الشعارات باتجاه سقوطه.
اختلاط الظروف وقوة الانتفاضة والتأييد العالمي الذي بدأ يتجمع لدعم مطالب الشعب الإيراني أصاب النظام بحالة من الصدمة أدت إلى ارتباكه ومن ثم عجزه عن القيام بأي إجراء لإسكات الاحتجاجات وظهر الحرس الثوري مضطربا غير قادر على تكرار التجارب بالسابقة التي قمع فيها وبعنف شديد الانتفاضات التي حاولت التعبير عن مطالب الشعب الإيراني. صدم النظام بانفجار الاحتجاجات وحجمها ومدى انتشارها والزخم الذي اكتسبته في مدة قصيرة فارتبك لأنه لم يتوقع استمرار الاحتجاجات وعجز عن احتواء الموقف ومعالجته بالشكل الأمني الذي اعتاد عليه لأنه على ما يبدو قد دب الخلاف بين القيادات الأمنية العليا أو بين هذه القيادات والقيادات السياسية ولا شك أن صحة المرشد كانت عاملا مهما في نشوء هذه الخلافات. وهذا العجز أنشأ غضبا لدى بعض أركان القيادة العليا التي كانت تتوقع توقف الاحتجاجات.
من عادة الأنظمة الدكتاتورية والشمولية و إيران منها التدخل السريع وبقوة بطش هائلة لقمع أي احتجاج لكن ما يجري الآن في إيران من امتناع عن ذلك يثير التساؤلات. لا بد أن النظام الإيراني يتمثل التجربتين المصرية والتونسية التي انحاز فيهما جيشا البلدين إلى الشعب وتخلى عن النظام. والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هل كان هناك تنسيق أو حوار مع الجيش الذي ربما نصح بعدم استخدام القوة المفرطة لقمع الانتفاضة وانتظار هدوء عاصفتها حتى لا تنتقل الحال إلى ما هو أسوأ؟ أم هل هدد الجيش، مع أنه أضعف من أن يهدد الحرس الثوري، ولكن ربما هدد بالدفاع عن المحتجين؟ ومن هنا رفضت القيادة السياسية تدخل الحرس الثوري حتى لا يقع الصدام لأن أي صدام علني بين الحرس الثوري والجيش الإيراني سيعني نهاية الجمهورية الإسلامية.
النظام الإيراني لا يريد استخدام الجيش مباشرة لأنه يخشى أن يتعاطف الجيش مع المحتجين وهو المعروف عنه عدم وفاقه مع الحرس الثوري ويشعر أن الحرس أخذ منه دوره الوطني والتاريخي. كذلك لم يعط النظام الأوامر الصريحة للحرس بقمع الانتفاضة لأنه يتوقع تدخلا من الجيش إلى جانب المحتجين. وحتى إن لم يفعل الجيش هذا فإنه لن يساند الحرس ضد المواطنين وقد يظل محايدا أو ينقسم. وقد لا يكون الجيش راغبا في التورط للدفاع عن النظام في مواجهة المواطنين وسيفضل انهيار حكم الملالي على أن يلوث يديه بالدماء.
وهناك الآن في إيران صراعات بين أجنحة الحكم بانتظار مصير خامنئي وهذا الصراع من شأنه تعزيز الانتفاضة وتقوية موقف المحتجين. وكانت هناك تسريبات بأن أبناء مسؤولين في الدولة يشاركون في الانتفاضة. وقد بدأت تسري أنباء عن تململ في صفوف الأمن بعد أن حذر أحد أعضاء البرلمان وهو من القادة السابقين في الحرس الثوري بعض رجال السلطة من خطورة التعاطف مع المحتجين وهدد قوات الشرطة بضرورة تنفيذ الأوامر وتحمل المسؤولية.
تواصلت الاحتجاجات والتظاهرات في إيران
ما هي البدائل التي يمكن أن يلجأ إليها النظام إذا كان لا يريد استخدام القمع المميت ضد المحتجين؟ بالتأكيد لدى النظام عدة بدائل إلا إذا تزايد الدعم الدولي للانتفاضة وصدرت بيانات دولية تضغط على النظام لتحقيق مطالب المحتجين.
إذا تواصلت الاحتجاجات والتظاهرات واستمر سقوط الضحايا فقد تفقد السلطات زمام المبادرة وتغرق إيران في فوضى تؤدي إلى نتائج عكس ما تريد هذه السلطات. لكن لا يزال هناك احتمال بأن هذه الانتفاضة قد تدفع بعض العقلاء في النظام، إذا كان لا يزال منهم أحد، للضغط باتجاه قبول الاتفاق النووي والتوقيع عليه لكي تستعيد إيران أموالها المجمدة أو الجزء الأكبر منها لإنفاقها على مشروعات تنموية تعمل على تحسين الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطنين وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة للتهدئة.
لكن الانتفاضة ليست فقط لأجل مطالب تتعلق بالأحوال المعيشية بل هي انتفاضة فيها الكثير من الأهداف الثقافية والمجتمعية وأولها مسألة فرض أيديولوجية الجمهورية الإسلامية والتشدد في فرض اللباس الشرعي وهو الأمر الذي بدأت الانتفاضة ضده من الأساس. هي انتفاضة على الهوية التي يريد نظام الملالي فرضها على الإيرانيين. وما يريده الإيرانيون في هذه الانتفاضة هو فك ارتباط السلطة السياسية عن السلطة المجتمعية وترك الأعراف المجتمعية للمجتمع وليس للسلطة السياسية. ومعروف عن الإيرانيين أن لديهم قابلية ثقافية للتحرر من القيود الأيديولوجية والتحول إلى العلمانية واللبرالية.
فهل تستطيع احتجاجات سلمية إحداث التغيير المطلوب وإسقاط النظام الشمولي المستبد صاحب الاستعداد الدائم للقمع الدموي؟ من اجل نجاحها تحتاج الانتفاضة دعما داخليا قويا يتمثل في انحياز الجيش لها وانشقاق في القيادات العليا فهل هذا ممكن؟