من يخلف أيمن الظواهري؟
قد لا تبدو عملية اختيار خليفة لأمير تنظيم القاعدة المقتول أيمن الظواهري بذات الانسيابية في اختياره هو خلفاً لأسامة بن لادن الذي قُتل في ٢ أيار/ مايو ٢٠١١ في “آبوت أباد” شمال شرقي باكستان.
في 16 يونيو/ حزيران ٢٠١١، أي بعد 44 يوماً من قتل بن لادن، أعلن “مركز الفجر الإعلامي” تولي الظواهري إمارة الجماعة من قبل “القيادة العامة لجماعة قاعدة الجهاد”.
كان اختيار الظواهري أمراً مفروغاً منه بحكم الاندماج بين الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي المصرية بزعامتة في يونيو/ حزيران ٢٠٠١، وإعلان “جماعة قاعدة الجهاد.“ وبهذه الصفة، كان هو تالياً بعد بن لادن. كان ذلك قبل ثلاثة أشهر فقط من أحداث سبتمبر.
إذن، كانت التوقعات تشير حينذاك دون مزيد من النقاشات إلى أن الظواهري سيُعين خلفا لأسامة بن لادن، في حين لا تزال أسماء كثيرة تُطرح اليوم في أوساط المعنيين والمهتمين لمعرفة اسم أمير التنظيم المقبل.
زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي
ثمة مصادر داخل فرع القاعدة في الشام تقول لنا إنهم ”يضعون أبا عبيدة يوسف العنابي (زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي) على رأس قائمة الأسماء المرجح اختيارها وذلك في غضون أسابيع مقبلة.“
لا يُلزم التنظيم نفسه بسقف زمني لاختيار أمير جديد خلفاً للأمير المقتول أو المعتقل، أو المعزول بقرار من مجلس الشورى، أو ممن يختار إقالة نفسه — وهي حالات لم يشهدها التنظيم الذي تناوب على إمارته، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكلاهما قُتلا على يد الأمريكيين.
المصادر أعلاه تخبرنا أن ثمة نقاشات ومراسلات بين القيادة المركزية للتنظيم وقيادات فروع التنظيم الأخرى – ومنها حراس الدين الذي يمثل الفرع السوري، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
أحد المسؤولين الإداريين في فصيل حراس الدين، تحدث لنا شريطة عدم الإفصاح عن إسمه، وقال إن قيادة الفصيل تلقت بالفعل رسالة من قيادة تنظيم القاعدة ممهورة باسم “محمود” يستفتونهم فيها، حسب تعبيره، حول ترشيح من يرون أنه أهل لقيادة التنظيم، على أن يبينوا أسباب ذلك.
المصدر قال إنه لا يعرف الشخص الملقب ”محمود“ مؤكداً أن وسيلة التواصل بين الطرفين كانت سليمة وهي ذاتها المعتمدة بين القاعدة الأم وفرعها السوري.
وتكمن صعوبة اختيار خليفة للظواهري في غياب آليات اختيار الأمراء وعدم تعيين أحد من القيادات في منصب نائب له بعد قتل نوابه وكان آخرهم أبو محمد المصري في طهران في أغسطس ٢٠٢٠.
لذلك يبرز التحدي الأكبر في اختيار أمير جديد في ظل وجود قيادات “معتبرة” في إيران، أبرزها سيف العدل الأقرب لخلافة الظواهري وفق معايير تتعلق بنشاطات القيادات وتاريخها الجهادي والمواقع القيادية التي تسلمها، إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بالأهلية العلمية والشرعية.
إضافة إلى سيف العدل يبرز أبو عبد الرحمن المغربي من بين كبار القادة المرشحين لإمارة جماعة قاعدة الجهاد.
لكن يبقى القول الفصل لقرار مجلس الشورى الذي يضم القيادات الأساسية في الجماعة الذين ينسقون فيما بينهم عبر المراسلات مع فروع القاعدة لتبادل المعلومات حول المرشحين والاتفاق على أحد منهم، والذي سيكون عليه الحصول على “بيعة” جميع أعضاء مجلس الشورى لتسلم الإمارة.
سيف العدل أم أبو عبد الرحمن المغربي
سيف العدل، أو محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان، تولى إمارة القاعدة بالنيابة لمدة ستة أسابيع بعد قتل أسامة بن لادن في الفترة من ٢ أيار/ مايو إلى ١٦ يونيو/ حزيران من العام ٢٠٠١، قام خلالها بتأمين البيعات للظواهري.
كما وردت تقارير إخبارية أشارت إلى تعيين سيف العدل أميرا للتنظيم عقب أنباء عن وفاة الظواهري بسبب المرض في أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٠، وهي معطى آخر من المعطيات التي قادت إلى توقعات أو ترجيحات بخلافة سيف العدل لأميره المقتول الظواهري.
لكن تلك الترجيحات تغفل تطورات جديرة بالاهتمام في مسيرة الرجل المقيم طوعاً أو جبراً في إيران، وهو عامل غاية في الأهمية في حسابات قيادات التنظيم العليا التي لا تريد خسارة المزيد من قاعدتها الجماهيرية التي هي في واقعها تعاني من تراجع تدريجي في الإقبال على التجنيد في صفوفها.
سيف العدل هو صهر “أبي الوليد المصري” أو مصطفى حامد المعروف عنه بأنه مؤرخ تنظيم القاعدة، والمقيم هو الآخر في إيران، والذي يُنظر إليه بأنه عرّاب العلاقة بين إيران وكل من قادة حركة طالبان والجيل الأول من قيادات تنظيم القاعدة.
في التيار الجهادي من يرى أن سيف العدل بعلاقته الإيرانية هذه لا يمكن أن يكون أميراً للقاعدة. حساب “مزمجر الشام” المعروف عنه كشف خبايا التيار الجهادي كتب أنه في احدى الجلسات التي جمعته مع أبي خالد السوري، استبعد السوري أن يتولى سيف العدل إمارة التنظيم مستقبلاً، لأنه “رجل بسيط ولا يملك القدرة على إدارة شؤون التنظيم”، لكن “مزمجر الشام” وجد أن كلمات السوري كانت في ظرف آخر يختلف عن ظرف التنظيم الراهن بعد مقتل المصريين، أبي الخير وأبي محمد في إدلب في ٢٠١٧، وفي طهران في ٢٠٢٠ على التوالي.
في حوار آخر أجريناه مع قيادي منشق عن تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، اشترط عدم ذكر اسمه، قال إنه تناهت إلى سمعه من أحد “الإخوة الثقات” أن سيف العدل يعلم يقيناً أن حظوظه في إمارة التنظيم متدنية جداً في ظل واقع يقول إنه من غير المنطقي أو المعقول أن يبايع أعضاء مجلس الشورى قيادياً حريته تقيّدها إيران، ما جعله يدفع باتجاه اختيار أحد أقرب القيادات إليه، وهو خالد باطرفي، أمير الفرع اليمني للقاعدة.
سيف العدل يعلم يقيناً أن حظوظه في إمارة التنظيم متدنية جداً
لا يستبعد هذا القيادي المنشق تعيين باطرفي. يقول إنه من المحتمل أن تكون لتوجهات سيف العدل أثر في اختيار خليفة الظواهري لما يتمتع به الرجل من مكانة واحترام لدى القيادات المتقدمة التي ترى وجود ما يكفي من المبررات المقنعة لوجوده في إيران، على خلاف الأجيال المتأخرة، وهي أجيال من المهم لقيادات القاعدة العمل ما أمكن على كسب ودها وولائها لأنها عماد بقاء التنظيم ووجوده.
قيادي آخر ”منشق“ عن تنظيم القاعدة في اليمن قال لنا إنه لم تتضح بعد هوية الخليفة. يقول إنه ليس لديه ما يكفي من المعلومات عن “أي من الشخصيات التي تدور حولها نقاشات اختيار الأمير الجديد”، لكنه لا يزال على تواصل مع بعض ما قال إنهم “أخوة ثقات في التنظيم تربطني بهم أخوة الدين قبل أن تكون علاقة أعضاء في تنظيم واحد عشنا أيامه معاً”.
وقال إنه من الصعب “الجزم” بشخصية الأمير الجديد مع واقع بات معروفاً أن “الظواهري ظل طيلة العامين الأخيرين دون نائب له بعد قتل أبي محمد المصري في طهران”.
استبعد المصدر من اليمن أن يقع الاختيار على سيف العدل أو على “أبي عبد الرحمن المغربي”، لكنه عاد مستدركاً بالقول: ”مع هذا إذا ما رأى مجلس الشورى أن أياً منهما يصلح لقيادة التنظيم في مرحلة تراجعه الراهنة، وابتعاد قيادة التنظيم الأم عن معظم الشؤون المتعلقة بفروعها، فإن المجلس قد يختار أحدهما، ومن المعقول أن يكون المغربي هو الأقرب إلى ذلك”.
فالمغربي هو صهر الظواهري والمسؤول عن مؤسسة “السحاب” الجناح الإعلامي للقاعدة، وهو يرأس أيضاً مكتب الاتصالات الخارجية، كما أنه قيادي ضليع بالبرمجيات والإعلام، وهذه أصبحت أولويات في أهلية القيادات المتقدمة بعد أن كانت الأولويات للقيادات الشرعية.
ويضيف هذا المنشق أن التيار المصري الذي وصفه بـ “المهيمن” لم يبق منه أي من القيادات الفاعلة باستثناء سيف العدل. ”لذلك فالاتجاه نحو اختيار قيادات غير متقدمة في العمر ومن غير جيل المؤسسين، بات خياراً واقعياً.“
لكن تبقى مسألة وجود المغربي في إيران هو الآخر مسألة إشكالية في جوانب شرعية لدى أعضاء التنظيم من الأجيال الجديدة.
وحول الاختيار بين سيف العدل أو المغربي، أخبرنا مصدر في حراس الدين أن أياً منهما لم يطرح اسمه؛ واعتبر أن الأولى هو “أبو عبيدة يوسف العنابي” زعيم القاعدة في شمال إفريقيا. يقول: ”هذا لا يعني أن الفروع الأخرى للقاعدة تتبنى ذات وجهة نظر الفرع السوري، لأسباب منها أن عدم ترشيح سيف العدل أو المغربي يعود لحساسية بالغة تتعلق بإقامتهما في إيران، وهي مسألة جوهرية لدى حراس الدين الذين عايشوا الإجرام الإيراني بحق السوريين والعراقيين، بينما الفروع البعيدة مثل المغرب العربي أو الصومال قد لا تمتلك حساسية مماثلة. ”