واشنطن تصف مطالب إيران بأنها “غير منطقية”

 

في كل مرة تقترب فيها المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة والغرب بخصوص الاتفاق النووي من الوصول إلى حل يعيد الحياة إلى الاتفاق تعود إيران لتطرح مطالب تصفها واشنطن بأنها غير منطقية ولا تتعلق بالاتفاق وهذا ما يجعل من الانتهاء من التفاوض أمرا صعب المنال ويعيد الأمور إلى بداياتها ويعوق الحل.

وترى واشنطن أن الوفد الأوروبي حاول جهده إقناع إيران بحل وسط لكن الإيرانيين لم يستجيبوا بالشكل المطلوب. وفي مفاوضات الدوحة الأخيرة وبحسب المبعوث الأمريكي لم تكن مشاركة إيران جدية بل تقدمت بمطالب غير ذات علاقة بالاتفاق النووي. وقد وضع الأوروبيون جدولا زمنيا كان يمكن من خلاله لإيران لو التزمت به أن يتم رفع العقوبات الأمريكية بالتدريج.

الأمر الغريب أن الوفد الإيراني في المفاوضات يطرح مطالبه المرفوضة أمريكيًا لكن وزير الخارجية الإيراني في تصريحاته العلنية لا يشير إلى المطالب الإيرانية التعجيزية التي يطرحها وفده في المفاوضات.

بعد اجتماع الوزير الإيراني بوزير الخارجية القطري الذي زار طهران في الأسبوع الماضي لم يشر الوزير الإيراني إلى طلب إيران رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، بينما كان هذا الطلب السبب في فشل جولة التفاوض في الدوحة. معنى هذا أن إيران تلعب لعبة دبلوماسية خطرة إذ تظهر أمام الرأي العام العالمي وكأنها لا تعيق الوصول إلى اتفاق بينما في الواقع هي من تؤخر الوصول إلى اتفاق بمطلبها الذي تعرف سلفا أن واشنطن سترفضه.

هناك تفسير واحد للتصرفات الإيرانية وهو أن إيران تسير بالمفاوضات نحو الانهيار، وتسعى نحو سقوط الاتفاق سقوطا نهائيا يجر الشرق الأوسط إلى كارثة لكنها لا تريد أن تظهر بمظهر المتسبب بذلك.

إيران تسير بالمفاوضات نحو الانهيار، وتسعى نحو سقوط الاتفاق

ربما أرادت أن تصل الولايات المتحدة إلى حالة من اليأس من التفاوض وتعلن التخلي عن المفاوضات لتتحمل مسؤولية الفشل وإلغاء الاتفاق وتخرج إيران نظيفة. إذا كان هذا هو الهدف الإيراني فقد يكون بتحريض من الحرس الثوري نفسه وليس من الرئاسة الإيرانية. فالحرس هو من يتحكم الآن بالسياسة الإيرانية في المجالات الخارجية والأمنية والدفاعية. وإلا فما هو تفسير تصريحات وزير الخارجية الإيراني الذي يقول أن إيران مصممة على الوصول إلى اتفاقية جيدة وقوية ودائمة وأن المحادثات كانت إيجابية ومع ذلك لم يتم التوصل إلى الاتفاق.

لا شك أن عدم قدرة الوفد المفاوض الإيراني على الوصول إلى قرار للاتفاق مع الجانب الأمريكي مرده تضارب التعليمات من طهران أو عدم وضوحها أو تعليمات مباشرة من الحرس أو المرشد بعدم الموافقة. فإلى متى تستطيع الرئاسة الإيرانية التمسك بموقفها استجابة للحرس الثوري بينما يظل الإيرانيون يعانون من أثار العقوبات؟

عدم الوصول إلى اتفاق في جولتي التفاوض في الدوحة دفع المسؤول الأمريكي عن التفاوض للقول أن التفاوض مع إيران أصبح مضيعة للوقت. هذا التصريح يعني أن واشنطن ضاقت ذرعا بالمراوغة الإيرانية وانها على وشك الانتقال إلى مرحلة ثانية من التعامل مع طهران.

هذه الخطورة التي وصلت إليها المفاوضات دفعت وزير الخارجية القطري للسفر إلى طهران والتباحث مع نظيره الإيراني لعله يحقق بعض النتائج الإيجابية. فالاهتمام القطري للتوسط في التفاوض على أمل الوصول إلى نتائج إيجابية ينبع من رغبة الدوحة في أن يسود السلام والأمن منطقة الخليج وهذا أمر شديد الأهمية لها وخصوصا في هذا العام الذي تستضيف فيه قطر مباريات المونديال 2022، وإخراج الاتفاق من الطريق المسدود وإنقاذ المنطقة من كارثة حرب مدمرة يعني نجاح المونديال.

على أي حال هل يعني الموقف الإيراني أن طهران لم تعد مهتمة بالعودة إلى الاتفاق؟ وإذا كان الأمر كذلك على ماذا تعتمد إيران في موقفها هذا الذي سيقود إلى غضب أميركي وغربي عليها سيكون له نتائج مدمرة قد لا تستطيع إيران تحملها؟

على عتبة اللجوء إلى الخطة البديلة: واشنطن تتشاور مع إسرائيل

قد يرى البعض أن موقف إيران هذا ناتج عن إحساسها بأنها أصبحت قادرة على إنتاج السلاح النووي

بحسب المبعوث الأمريكي على إيران أن تراجع نفسها وعليها أن تصل إلى تحديد مطالبها النهائية وأن ترد إن كانت بالفعل تريد العودة إلى الاتفاق والالتزام به أم لا تريد.

قد يرى البعض أن موقف إيران هذا ناتج عن إحساسها بأنها أصبحت قادرة على إنتاج السلاح النووي. وهذا يزيد من قدرة إيران إن هي تحررت من الاتفاق النووي والتزاماته على تطوير سلاحها النووي في غضون أسابيع. فقد رفعت من مستوى تخصيب اليورانيوم بحسب آخر بيان للوكالة الدولة للطاقة الذرية. وسبق أن أعلنت أنها رفعت بالفعل نسبة التخصيب إلى ستين في المئة واصبح لديها مخزون مناسب من اليورانيوم المخصب. وهذا هو ما تريد الولايات المتحدة أن تمنعه ولو بالقوة. وهنا قد لا يكون تشديد العقوبات كافيا وقد تلجأ واشنطن إلى الخطة البديلة التي تقول دائما أنها موجودة.

يرى خبراء أمريكيون أنه إذا كانت الخطة البديلة تعني الاستعانة بإسرائيل لأجل ضرب المنشآت النووية الإيرانية سواء وحدها أو بالتنسيق مع الولايات المتحدة فهذه الخطة ليست الرد المناسب وستكون خطة سيئة. في الأسبوع الماضي تحدث وزير الخارجية الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لبيد وأكد له بحسب ما قالت الصحافة الإسرائيلية سياسة واشنطن بالعمل مع إسرائيل بتصميم وثبات في مواجهة التهديدات الإيرانية. واستنتج المعلقون الأمريكيون أن هذه التأكيدات قد تعني أن الولايات المتحدة ستسلم إسرائيل بالفعل ملف التعامل مع الموضوع النووي الإيراني.

إذا ما كان هذا التوقع صحيحا وأخذت إسرائيل الضوء الأخضر من واشنطن للتصرف بشكل منفرد تجاه إيران فهذا قد يؤدي بالمنطقة إلى حالة حرب، لا أحد يعلم حدودها الجغرافية أو مداها الزمني وقد تجر وراءها خطوات قد لا تخدم المنطقة على المدى البعيد.

بعد أن تتضح ملامح القمة الأمريكية العربية ستكون الصورة أوضح وسيتم تبين ما الذي تستطيع دول المنطقة فعله أو عدم فعله وسيتم عندها وضع النقاط على الحروف. من الواضح أن مواقف إيران وتصرفاتها ستضيع عليها فرصة الحصول على الممكن سعيا وراء كسب المستحيل غير المتوفر وعند نقطة اللاعودة هذه لن تنفع الحكمة بأثر رجعي.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن