التركة الثقيلة
وجد الأوروبيون الأوائل للملاحة في نهر الأمازون مئات من السلاحف النهرية العملاقة أو الطفاشة في قرى للسكان الأصليين في أمريكا الجنوبية. وكانت أعداد السلاحف المتجمعة بالقرب من الشواطئ خلال خمسينيات القرن التاسع عشر، وفيرة بما يكفي لإعاقة حركة الملاحة في نهر ماديرا. كان وجود كل تلك السلاحف العملاقة كفيلاً بفتح شهية المستعمرين لتناول لحمها واستغلال بيضها لأغراض الطاقة والصناعية والغذاء.
وقد تم استخدام بيض السلاحف لإنتاج زيت من أجل الطهي والإضاءة. بحسب دراسة للعالم الأمريكي (كينت ريدفورد) بجامعة فلوريدا نشرت عام 1992 بعنوان غابات فارغة تم انتاج 192000 رطل من الزيت في عام 1719 في أعالي الأمازون فقط؛ مما يعادل 24 مليون بيضة تقريباً. وتطور الأمر في النصف الثاني من القرن الـ 19 الى صناعة مربحة، حيث كان يتم حصاد ما لا يقل عن 48 مليون بيضة سنوياً لتزويد الصناعة وإنتاج الزيوت. في العديد من تلك المناطق، تم القضاء فعلياً على السلاحف النهرية العملاقة عبر افتراس شديد لبيضها ناهيك بالتجارة بلحمها. وترك القضاء على السلاحف وأعداد كبيرة من الحيوانات الأخرى في حوض الأمازون، آثاراً سلبية هائلة على التنوع الأحيائي والنظام البيئي للمنطقة التي تعاني لليوم من التركة الاستعمارية الثقيلة.
الشهية المفتوحة
لا زالت الشهية المفتوحة لتناول الأطعمة الغربية “اللذيذة”، تهتك بالبيئة والتنوع الأحيائي، بينما تشير تقارير علمية الى ان الأنواع تتعرض لانقراض جماعي شامل غير مسبوق منذ الانقراض الخامس قبل 65 مليون عام. يستمر نهب الحيوانات البرّية في الأسواق الأوروبية ومن المحتمل ان تشهد مناطق كثيرة في العالم انخفاضاً حاداً في الأنواع، وربما انقراضات محتملة في العقد المقبل بحسب دراسة جديدة بعنوان: طبق قاتل..دور ومسؤولية الاتحاد الأوروبي في تجارة الضفادع الدولية.
وتُعد وجبة أرجل الضفادع Les cuisses de grenouille من الوجبات الغذائية الفاخرة في بلجيكا، فرنسا، هولندا، ألمانيا، سويسرا، اوفي أمريكا وكندا أيضاً. يتم تحضيرها بطرق متعددة، انما الأشهر من بينها هي الطريقة الفرنسية حيث يتم طهي وتحضير الضفادع بالزبدة والثوم والبقدونس. وتُوضع الأرجل قبل طهيها في الحليب والماء كي تكون طرية.
تقليدياً، تُستهلك الضفادع في العديد من البلدان في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا من أجل العيش والاستهلاك المحلي، ويُفترض أن هذا الاستهلاك كان مستداماً لعدة قرون، إلا أن زيادة الاستهلاك الناتجة عن زيادة السكان، وتغير استخدام الأراضي، والتلوث، والأمراض، وتغير المناخ، أهلكت تجمعات الضفادع في العديد من مناطق العالم. هذا ما توصلت اليها الدراسة الجديدة التي أعدتها منظمة PROWILDLIFE الألمانية ROBIN DES BOIS الفرنسية، نشرت بتاريخ 22/6/2022.
معايير أوروبية مزدوجة
ويلحظ من خلال البيانات التي يقدمها التقرير بشأن استهلاك الضفادع، واهلاكها ضمناً، بأن البلدان الأوروبية هي المسؤولة الأولى عن تناقص أعداد الضفادع، وقد يؤدي استيرادها المفرط الى انقراضه نهائياً. وفقًا لـقاعدة بيانات الإحصاءات الأوروبية (EUROSTAT)، استورد الاتحاد الأوروبي حوالي 40 ألف و700 مئة طن من أرجل الضفادع في الفترة الواقعة بين أعوام 2011-2020. ويعادل هذا الرقم 814 مليون إلى 2 مليار ضفدع.
المستوردون الرئيسيون من الاتحاد الأوروبي هم بلجيكا (70٪) وفرنسا (16.7٪) وهولندا (6.4٪). وبما EUROSTAT تسجل الضفادع المعالجة فقط ولم توثق استيراد الضفادع الحية للاستهلاك البشري كما هو الحال في سويسرا، فلا يمكن استبعاد رقم أكبر من ذلك. وبحسب صحيفة Le Temps تُعد سويسرا سوقاً مهماً لاستهلاك لحوم الضفادع أيضاً، حيث تقدم إدارة الجمارك الفيدرالية ارقاماً لعام 2019، تشير الى استيراد أكثر من 51 طناً من أرجل الضفادع بشكل رئيسي من إندونيسيا (حوالي 34 طنًا) وتركيا بدرجة ثانية (4.8 طن). وتشير معلومات أخرى الى ان طلب ألمانيا على لحوم الضفادع فاق الطلب الفرنسي لعام 2020.
تشكل إندونيسيا المورد الرئيسي للاتحاد الأوروبي وتوفر (74٪) من لحوم الضفادع لأسواقه، تليها فيتنام (21٪) وتركيا (4٪)، وألبانيا (0.7٪). ويتم صيد جميع الضفادع تقريباً في إندونيسيا وجزء كبير منها في تركيا من البرية، وقد أظهرت دراسات ميدانية في تركيا انخفاضاً مقلقاً في أعداد الضفادع، محذرة من أن ضفادع المياه المحلية قد تنقرض بحلول عام 2032 إذا استمرت مستويات الاستغلال الحالية.
يذكر ان قوانين الاتحاد الأوروبي تحمي الضفادع الأصلية في الدول الأعضاء في الاتحاد، انما تسمح القوانين ذاتها بصيدها واستيرادها من أجزاء أخرى في العالم من اجل الاستهلاك البشري أو كحيوانات أليفة. وما يساعد على ذلك، هو أن معظم أنواع الضفادع التي تتم التجارة بها خارج حدود الاتحاد الأوروبي، غير محمية دولياً ولا وطنياً.
آثار الوجبة القاتلة
ان الاستهلاك الأوروبي للضفادع في بلدان شرقية أوروبية (تركيا وألبانيا) وآسيوية (إندونيسيا وفيتنام) قد يؤدي الى انقراضها بحلول عام 2032 بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية. واستشهد التقرير بقول الباحثة المشاركة في كتابة الدراسة المذكورة ساندرا ألثيرر حيث تقول: “في إندونيسيا، كما هو الحال الآن في تركيا وألبانيا، تتضاءل أنواع الضفادع الكبيرة في البرية، واحدة تلو الأخرى، مما يتسبب في تأثير دومينو مميت للحفاظ على الأنواع “.
وتلعب الضفادع وفقاً للدراسة دوراً مركزياً في النظام البيئي كقاتلة للحشرات، ويؤدي انقراضها الى تزايد استخدام المبيدات السامة. تالياً، تترك تجارة الضفادع عواقب مباشرة ليس على هذا النوع فحسب، بل على التنوع الأحيائي والنظام البيئي ككل.
يذكر ان البرمائيات، تعد من بين أكثر المجموعات المهددة بين الفقاريات، ذلك وفقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة IUCN. ومن المفترض ان ينشر الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة تقرير جديد عن حالة الحفاظ على البرمائيات خلال هذا العام (2022). ويشير تقييم IUCN للوضع الحيوانات البرمائية القائم الى إن ما لا يقل عن 1200 نوع من البرمائيات معرّض للانقراض، 17٪ من إجمالي هذا الرقم يتم تداولها في الأسواق الدولية.
على رغم ازدياد الطلب على البرمائيات في الدول الغنية، الا ان البلدان الفقيرة هي التي تدفع ضريبة اهلاك انخفاض أو انقراضها، الأمر الذي يدفع كتاب الدراسة الى رفع توصيات الى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن احداث تحول في الوعي العام في أوروبا حول تناول لحوم الضفادع. وتشدد الجمعيتان الألمانية والفرنسية على ضرورة تقييد الواردات، وضمان إمكانية متابعة منتجات أرجل الضفادع، وتوفير معلومات أفضل للمستهلكين وتطوير مقترحات قائمة للأنواع المهددة بالانقراض في اتفاقية التجارة الدولية.
اكتفى المسؤولون الأوروبيون باستعدادهم للنظر في دعم أي مقترحات قادمة من معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض. انما لا يخلو “الاستعداد” من استبعاد أي اجراء فوري، ذلك انهم، وعلى رغم كل البيانات المُقدمة حول خطر انقراض الضفادع جراء الشراهة، يطالبون بأدلة علمية تثبت أن هناك خطراً يتمثل في أن التجارة الدولية تهدد بقاء النوع.