محمد دياب.. من غسيل السيارات إلى العالمية

قصة المخرج المصري محمد دياب

في عام 2016 دعاني المخرج المصري محمد دياب إلى منزله مع مجموعة من الأصدقاء لمشاهدة فيلمه الشهير “اشتباك” قبل عرضه في السينما، كنت ولا زلت فخوراً به كمصري وكأحد أبناء جيلنا، شق الصخر وألهم الجميع بأن الأحلام ممكنة، كان اشتباك الذي عرض في مهرجان كان بوابة دياب نحو العالمية وحصل على إشادات كبيرة من نجوم عالميين أبرزهم الأمريكي توم هانكس.

لم أكن حينها أتخيل أنه خلال سنوات قليلة سيصبح محمد دياب مخرجاً لـ “مون نايت” أنجح مسلسلات مارفل، أو أن يكون على رأس عمل من إنتاج إحدى أكبر شركات الإنتاج في العالم، أو يعرض مسلسل له على منصة ديزني بلس العالمية. لكنه فعلها، وحقق إنجازاً لم يسبقه له مصري ولا عربي، تخيلت أن الدنيا ستقوم ولن تقعد لكنها قعدت ونامت وكتبت فصلاً من حكاية محمد دياب الدرامية التي لا تقل عن دراما مسلسلاته أو خيال أفلامه.

كان دافعي للكتابة عن حكاية دياب في الفن أنها لا تقل عن حكاية محمد صلاح في كرة القدم كما قال رفيق دربه عمرو سلامة. قليلون في مصر الذين احتفوا بإنجاز دياب وخلق هذا مرارة في الحلق لتجاهل إنجازه بينما ينشغل المصريون بدراما رمضان (45 مسلسلاً) وسباق الإعلانات.

12 مصرياً يصنعون المجد

يغرد محمد دياب مخرج مسلسل مون نايت (فارس القمر) وحده، ويبهر الجميع بصوت نجاة وعبدالحليم وويجز في خلفية العمل الذي تدور أحداثه في مصر وتم تصويره في المجر والأردن ودول أخرى ليس من بينها مصر بسبب عدم الحصول على التصاريح، رغم ميزانيته الضخمة التي وصلت إلى 160 مليون دولار (حوالي 3 مليار جنيه). فرصة أخرى تضيع على تنمية صناعة السينما والسياحة في مصر، فمعظم الأعمال السينمائية والدرامية عن مصر تم تصويرها للأسف خارج مصر بسبب البيروقراطية والروتين.

شارك في مسلسل (مون نايت) فريق من النجوم العالميين، منهم أوسكار إسحاق وإيثان هوك، لكن ما يدعو للفخر أن هناك 11 مصرياً بخلاف دياب شاركوه صناعة المجد، ويحسب له الفضل في وصولهم إلى مارفل وديزني، هم هشام نزيه (موسيقار) وأحمد حافظ ( مونتير) وعلي حسام ( مهندس ديكور) وريم العدل (مصممة أزياء)، ونجوم مثل مي القلماوي (بحرينية ذات أصول مصرية تقوم بدور البطولة) وأحمد داش وحازم إيهاب وأنطونيا صليب (مصرية مقيمة في أمريكا) وكريم الحكيم وعمر القاضي وزيزي داغر، وقد تجلب لهم تلك الفرصة فرصاً أخرى في هوليود، بالإضافة سارة جوهر زوجة محمد دياب التي ينسب لها الفضل في أشياء كثيرة وسأتحدث عنها لاحقاً.

 

 

البحث عن محمد دياب عبر الشبكة العنكبوتية لا يسمن ولا يغني من جوع لمعرفة الفصول الصعبة في قصة كفاحه الملهمة، فالأخبار والحوارات تتحدث فقط عن أعماله وكواليسها وأبطالها وجوائزه، لكن لا شيء على الإطلاق عن رحلته ومعاناته، فحاولت أن نعرف ما دار وحصل في سنوات العمر.

 

طفولة دياب

ولد محمد دياب في مكة بالمملكة العربية السعودية عام 1977 لأب وأم مصريين، وهو الابن الأكبر، والده هو الدكتور عبدالحميد دياب طبيب جراح تخرج في كلية الطب جامعة عين شمس ثم التحق بعد تخرجه بالجيش المصري كضابط بعد هزيمة 1967 ليبقى في الخدمة العسكرية 7 سنوات كاملة كان فيها أحد أبطال حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف، وانتهت خدمته في الجيش عام 1974.

 

نشأ دياب الأب في منطقة الزيتون بالقاهرة في طبقة أقل من متوسطة، وكانت له عيادة خاصة بمصر الجديدة، وخلال تلك الفترة تعرف على زوجته التي عانت من التهجير من الإسماعيلية بعد هزيمة 1967 ونزحت إلى القاهرة برفقة أسرتها، وبعد الزواج سافرا إلى السعودية وهناك أنجبا محمد وشيرين بينما شقيقهما الأوسط “خالد” ولد في الإسماعيلية.

 

بعد 11 عاماً من الغربة، عادت الأسرة من السعودية بصفة نهائية، واختاروا مدينة الإسماعيلية حيث عزوة عائلة الأم مكاناً للإقامة في شقة بالإيجار القديم، ودخل محمد وأخوته مدرسة هيئة قناة السويس الخاصة “آمون”، ليبدأ الدراسة في مصر من الصف الثاني الابتدائي، وكان متفوقاً في الدراسة حتى نهاية المرحلة الابتدائية.

 

روايات الجيب والرسوب

خلال المرحلة الإعدادية تراجع مستوى محمد دياب الدراسي، لكنه واظب على قراءة روايات الجيب لنبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، وكان يحاكيهما ويؤلف قصصاً من وحي خياله، وخلال تلك الفترة كانت تنتشر نوادي الفيديو، وبصفته كائن ليلي، كان يقضي وقتاً طويلاً من الليل في مشاهدة تلك الأفلام، وخلال ساعات النهار يخبئ روايات الجيب في الكتب خلال تظاهره بالمذاكرة.

كان محمد دياب طفلا شقياً، وكادت شقاوته خلال المرحلة الاعدادية أن تفقده بصره عندما ضربه زميل له في المدرسة على عينه بكرافتة بعدما صنع عقدة كبيرة موجعة في نهايتها. فقد دياب جزءاً من السائل حول العين، ومكث في المنزل مدة طويلة ليتعافى.

 

 

اعتاد محمد دياب وشقيقه خالد خلال المرحلة الإعدادية والصف الأول والثاني الثانوي على الهروب من المدرسة والذهاب إلى سينما الحرية بشارع السلطان حسين بالإسماعيلية من التاسعة صباحاً حتى الثالثة عصراً، وذات يوم انكشف أمرهما، عندما ذهب والدهما إلى المدرسة صدفة وقابل “لقاء” زميلة محمد وسألته عن سبب عدم حضوره في ذلك اليوم، وكان يوماً أسوداً لا ينسى، وبعد الثانوية العامة ذهب التنسيق به إلى كلية التجارة لكنه رسب في عامه الدراسي الأول بالكلية التي لم يكن يحبها.

 

غسيل السيارات والعمل في دانكن دونتس

خلال شهور الصيف في سنوات الدراسة الجامعية، كان محمد دياب وشقيقه خالد يذهبان مع مجموعة من أصدقائهما بدعم من الوالد (تكلفة تذكرة السفر و200 دولار فقط) إلى إحدى الدول الأجنبية على سبيل السياحة والعمل، وهناك وجد محمد دياب فرصة عمل في مغسلة لتنظيف السيارات وكان يحصل على البقشيش من خدمة الـ car wash detailing التي يتم فيها تنظيف السيارات بعناية شديدة مستخدماً فرشاة حتى تلمع السيارة وتبرق، وكانت تلك الوظيفة مرهقة خاصة إذا سقط المطر، فيذهب مجهوده سدى ويعيده مرة أخرى.

من خلال الراتب والبقشيش كانا يشتريان ملابس تكفيهما طوال العام مع إدخار مبلغ لرحلة العام القادم. فعل دياب الأمر مرتين، لكن في المرة الثانية عمل في أحد فروع محلات دانكن دونتس، يقدم الشاي والقهوة للزبائن وأحيانا يخبز دونتس في القلاية، وكان الفرع مواجها للجامعة بتلك المدينة وهناك تعرف على مجموعة من الطلبة وكان يذهب معهم إلى أماكن إلقاء الشعر باللغة الإنجليزية ليمارس هوايته ويحصل على تصفيق وإشادة الحضور أحياناً.

 

محمد دياب وعبدة الشيطان

من الوقائع الطريفة، أن محمد دياب قرأ في التسعينات تحقيقاً للكاتب الصحفي عبدالله كمال بمجلة روز اليوسف عن عبدة الشيطان، بدأ دياب يؤلف قصة كاملة عنهم من وحي خياله، وأرسلها في خطاب إلى عبدالله كمال، وبطلة القصة أستاذة جامعية ( أ. ص) – نفس حروف اسم والدة محمد دياب – وتعمل بالخارج وتحكي فيها عن ابنها الذي يسكن في مصر الجديدة بالقرب من قصر البارون وانضم إلى عبدة الشيطان ويسمع إلى مزيكا ميتال، تخبره عن طقوسهم ومنها قراءة القرآن بالمقلوب وأضاف دياب تفاصيل بصرية تغري أي كاتب، ونشرها عبدالله كمال كاملة، وأصبحت الطقوس التي قام بتأليفها دياب هي الطقوس المتداولة في الإعلام المصري عن عبدة الشيطان، لكن كمال أضاف في نهاية الرسالة أنه تربطه معرفة وطيدة بالدكتورة (أ. ص)، ثم بعد النشر اتصل محمد دياب به ليخبره أنها قصة من تأليفه.

 

تجارة المسامير.. أول مشروع في حياته

بعد التخرج من جامعة قناة السويس بالإسماعيلية وتأدية الخدمة العسكرية لمدة عام، أراد محمد دياب فتح مشروع خاص، فكان له زوج خالة يعمل مقاولاً، فقررا أن يفتحا بالشراكة محلاً لبيع المسامير بمنطقة تشبه الحرفيين وتكتظ بالصنايعية. يعمل في المحل شخص واحد هو محمد دياب، يبيع المسامير للزبائن ويشتري البضاعة من السبتية بالقاهرة ويتعرض للنصب في مجال لا يعلم عنه شيئاً، ثم بعد خسارة جزء كبير من رأس المال، يقومان بتصفية المشروع وتخزين البضاعة في أحد المخازن، ليطرق باب رزق جديد ويسافر ليقيم مع شقيقه خالد في القاهرة التي ظل فيها بعد إنهاء الدراسة بكلية الفنون الجميلة.

 

شقة مصر الجديدة

كانت الإقامة في شقة طلبة ومغتربين في شارع الخليفة المأمون بمنطقة مصر الجديدة، يقيم فيها بصفة دائمة 5 شباب يدفعون 600 جنيه إيجاراً يقسمونها على أنفسهم، وكانت بمثابة مزار لعدد كبير من شباب الإسماعيلية النازحين للقاهرة وكانوا يطلقون عليها سفارة الإسماعيلية.

في تلك الشقة، أقام معهم صديقهم “فيشو” الذي يعمل موظفاً في بنك سيتي بنك، ومن خلاله حصل محمد دياب على فرصة عمل بنفس البنك، ورد له دياب الجميل عندما حقق حلم والده الفنان محمودالفيشاوي وأدخله مجال التمثيل من خلال فيلم ألف مبروك وقام فيه بدور والد أحمد حلمي، وظهر في أكثر من إعلان تليفزيوني ومات بعد تحقيق حلمه مباشرة.

 

فشل أول فيلم.. أحلام حقيقية

خلال عمل محمد دياب في المبيعات في البنك ومن خلال أحد العملاء، نشأت علاقة بينه وبين الفنان أحمد الفيشاوي ثم الفنان أحمد مكي والمخرج محمد جمعة الذي أخرج أول فيلم كتبه دياب وهو “أحلام حقيقية” من بطولة حنان ترك وخالد صالح، وبعد الاتفاق على كتابة الفيلم، استقال محمد دياب من البنك لكن الفيلم لم ينجح.

 

الجزيرة.. بداية النجاح

بترتيب من الفنان أحمد مكي صديق دياب، قرأ المخرج شريف عرفة سيناريو “أحلام حقيقية” وآمن بموهبة كاتبه الذي عرض عليه فيما بعد سيناريو فيلم الجزيرة، فتحمس له “عرفة” وأخرجه ونجح نجاحاً كبيراً، ثم جاء فيلم 678 الذي ناقش قضية التحرش حاز على جوائز عديدة، وبعدها فيلم اشتباك وكان نقطة تحول كبيرة، وبعده اختارت إدارة مهرجان كان السينمائي “دياب” ليكون عضواً في لجنة تحكيم مسابقة “نظرة ما”، وانضم فيما بعد إلى عضوية الأوسكار.

 

 

الوكيل وتوم هانكس

أشاد النجم العالمي توم هانكس بفيلم اشتباك ومحمد دياب، وأرسل له خطاب شكر مكتوب على الآلة الكاتبة، وتعاقد دياب بعد مهرجان كان مع وكيل في أمريكا لتسويق أعماله وتوفير فرص العمل المناسبة له، وكان منها إخراج فيلم لـ “توم هانكس” لكن “دياب” كان يرى حينها أن هناك من يستطيع إخراج هذا الفيلم أفضل منه.

 

هاني أبو أسعد وفيلم أميرة

بدأ الوكيل في البحث عن فرص أخرى، ودرس محمد دياب جيداً كل تجارب العرب في هوليود، وكان من أحب الناس إليه المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، مؤلف أهم فيلمين عن فسلطين وهما “عمر” و”الجنة الآن” وكلاهما ترشح لأوسكار وهو الذي أنتج فيلم أميرة الذي أثار جدلا عن قضية نطف الأسرى الفلسطينيين، وكان مرشحا لأوسكار أيضا ثم سحب الأردن الترشيح.. والفيلم كتبه محمد وشقيقيه خالد وشيرين.

 

سارة جوهر.. الزوجة كلمة السر

خلال أحاديثه الصحفية وكتاباته، يشيد محمد دياب دائماً بزوجته سارة جوهر وفضلها فيما وصل إليه، فمن هي سارة جوهر؟ هي مصرية ولدت وتربت وتعلمت في أمريكا، جدها لأمها هو الموسيقار عبده داغر أشهر عازفي الكمان في العالم وأحد أعمدة فرقة الفنانة أم كلثوم ومؤسس فرقة الموسيقى العربية، وخالها هو محمد (حمادة) داغر أشهر مصممي الأزياء الذي توفي عام 2011 في حادث أليم، والأم هي زيزي داغر، شاركت في مسلسل طايع وتشارك في مارفل أيضاً.

درست سارة السينما في جامعة tisch school of the arts وبعد التخرج في أمريكا عادت سارة إلى مصر، وعملت في إحدى شركات الإعلانات، وتعرفت على محمد دياب من خلال أصدقاء مشتركين وجمعتهما قصة حب انتهت بالزواج، وكتب لها أغنية تتجوزيني التي غناها هاني عادل.. ومن كلماتها “تتجوزيني.. مش عايز غيرك بالحياة اوعى تسبيني.. من غير متكلم انتي بتفهميني.. عشانك اطول السما لو حبتيني.. انا من اللحظات بقولك اني بحبك اكتر مني.. انتي اللي عشانك بكتب شعري انتي اللي عشنها بغني.. تتجوزيني”، قبلت سارة الزواج من دياب وأنجبا نيللي 10 سنوات وزين 4 سنوات. واختار لطفلته الأولى هذا الاسم تيمناً باسم نيللي كريم (وش السعد) بطلة فيلم 678 واشتباك فيما بعد.

 

الهجرة إلى أمريكا

في عام 2019 هاجر محمد وزوجته وطفليه إلى أمريكا، وأقاموا في ولاية ميتشيجن وفي البداية واجهته صعوبات، كان يجلس بلا عمل، ولجأ إلى تعلم الصيد ليشغل وقته، وواجه احباطات، كان يتعلم طريقة شوي السمك الذي يصطاده، حتى شبكت السنارة في الفرصة الأهم في حياته مع مارفل، وخلال تصوير “مون نايت” انتقلت الأسرة بأكملها إلى المجر بعد فشل التصوير في مصر، وعادت الأسرة مرة أخرى إلى أمريكا لكنهم انتقلوا من ميتشيجن إلى لوس أنجلوس، ليبحث عن فرصة جديدة ويكتب فصلاً جديداً في رحلته الملهمة في عالم هوليوود.

 

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن