مشهدان مختلفان من حياة المرأة الأفغانية

  • المرأة الأفغانية لا تملك قوت يومها
  • التظاهرات النسائية في كابول متواصلة منذ وصول طالبان إلى السلطة
  • المرأة الأفغانية تطالب بحقوقها التي سلبتها جماعة طالبان

هذه الأيام في ظل موسم الشتاء القارس في أفغانستان، تواجه النساء الأفغانيات مشهدين مختلفين في أوقات متكررة يومياً. يظهر المشهد الأول النساء الفقيرات اللواتي لا يملكن أي قوت ليومهن. أما المشهد الثاني فيظهر التظاهرات اللامتناهية التي تقوم بها النساء المناضلات من أجل استرداد حقوقهن الشرعية وحريتهن.

في المشهد الأول من الحياة الأفغانية، نصادف كثيراً في الشارع نساء مشردات تعجزن عن تأمين الغذاء والدفء لأطفالهن وتستعطفن المارّة لكي يتمكنّ من إطعام أولادهن لبضعة أيام إلا أن قلّة منهن نجحن في هذه المهمّة. ولكن بالرغم من هذا الوضع المؤلم، ما زال هناك عائلات فقيرة محظوظة قادرة على تأمين الوقود من أجل الحصول على الدفئ، وبعض الطحين والزيت لتحضير الطعام في هذا البرد القارس الذي يعصف بكابول ومزار الشريف وقندز وغزني وهيرات وغيرها من المناطق.

إليكم مثلاً حبيبة ونسرين وزينب وزياغول. هنّ نساء مشرّدات واحدة في شمال المدينة، والأخريات في غرب العاصمة كابول. في العام 2018، فيما كان زوجا حبيبة وزينب ينتقلان من كابول إلى ولاية ميدان وردان لحضور حفل زفاف، انفجرت سيارة مفخخة في وادي ميدان أودت بحياتهما إلى جانب خمسة مواطنين آخرين.

المرأة الأفغانية

نساء أفغانيات يتسولن وسط تساقط الثلوج مع طفل على طريق كابول. غيتي

حبيبة أمّ لثلاثة فتيات تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و16 سنة وفتى يبلغ من العمر 14 عاماً. أما لزينب إبنان، أحدهما في الخامسة والآخر في الثامنة من عمره وابنة تبلغ 12 عاماً من العمر.

أما زوج نسرين فقد كان شرطياً يعمل لصالح الحكومة السابقة وقد قتل في معركة مع جماعة طالبان في العام 2020 في ولاية قندز مخلفاّ وراءه 4 فتيات يعشن اليوم في منزل فقير مع والدتهنّ.

كانت نسرين تعمل كخياطة ولكنها توقفت عن العمل منذ خمسة أشهر. كما أنها لم تعد قادرة على بيع الملابس التي تحيكها لأي كان بعد استيلاء طالبان على السلطة في البلاد، وبالتالي لم تعد قادرة منذ تلك الفترة على دفع بدل الإيجار الشهري البالغ 15 دولاراً. فما كان بالمالك إلا أن طردها من المنزل. عندها التجأت إلى وسط المدينة وهناك التقت بامرأة سردت لها معاناتها فتأثرت المرأة كثيراً واصطحبتها إلى منزلها وأوتها فيه بعد أن أفرغت إحدى الغرفتين اللتين تستأجرهما وهكذا تم تأمين المأوى لنسرين وأولادها.

أما زياغول فهي امرأة متزوجة من رجل كان يعمل في التنظيف في أحد المستشفيات الحكومية في كابول إلا أنه سقط من الطابق الثاني وأصيب بجروح عندما تعرض المستشفى لهجوم نفذه مجموعة من الإنتحاريين التابعين لتنظيم داعش في العراق والشام. وبالتالي أصبح عاجزاً عن العمل في الوقت الراهن ويعاني أولاده من الجوع. إلا أن مجموعة من المتطوعين في جمع الأموال لمساعدة العائلات الفقيرة في كابول تمكنت من جمع مبلغ صغير من المال لتقديم العون للعائلات الأربع المذكورة على مر الشهرين الماضيين غير أن إحداث أي تغيير في حياة هذه العائلات يحتاج إلى عمل أكثر جدية وإلى تخطيط. كما أن هذه العائلات الأربع لم تتلقّ بعد أي شيء من المساعدات التي وعدت بتقديمها المنظمات الدولية.

المرأة الأفغانية

نساء أفغانيات ينظمن احتجاجًا للمطالبة بحقهن في التعليم والعمل في كابول. غيتي

أما في الجهة الأخرى، فالمشهد الثاني يظهر متظاهرات أفغانيات ينادين بالحرية في تظاهرات متواصلة منذ خمسة أشهر، أي منذ استيلاء طالبان على السلطة في البلاد. كما أنهن لم تنسين يوماً الشعارات التي تطالب حكم طالبان بالحرية ولم تلتزمن الصمت أبداً إزاء انتهاك طالبان الصارخ لحقوق الإنسان الخاصة بهن.

منيجة وفاطمة وبلواشه ثلاث نساء ناشطات في المجال الاجتماعي، اضطلعن بدور رفيع المستوى في مأسسة حقوق المرأة والحريات في السنوات العشر الماضية. بعد أن أطبقت طالبان سيطرتها على الحكم، لم تغادرن أفغانستان يوماً لكي تتفادين إسكات النساء الأفغانيات والتنكيل بحقوقهن الأساسية من قبل حكّام لطالما فضّلوا أن تلتزم المرأة منزلها لكي تخصص وقتها فقط لخدمة الرجل.

في أواخر العام 2021، بعد أسابيع من العمل الشاق والتنسيق الضروري مع عشرات النساء الشابات والفتيات اللواتي أجبرن على ترك عملهن ودروسهن الجامعية، نزلت النساء إلى الشارع مجدداً ورحن ينظمن تظاهرات بالرغم من الطوق الكبير الذي فرضته قوات طالبان المحصّنة وراء ألواح خشبية لحماية المباني الحكومية في كابول.

بالرغم من أن مسلّحي طالبان حاولوا تفريق المتظاهرات بإطلاق النار في الهواء وباللجوء إلى جلد النساء، لقي التجمّع دعماً من المراسلين الصحفيين ووسائل التواصل الإجتماعي. وفيما كانت طالبان تحاول تفادي النقد الحاد من قبل الرأي العام في مسألة التعامل مع التظاهرات النسائية، إلا أن طريقة تعاملها العنيفة مع المتظاهرات أصبحت ظاهرة للشعب الأفغاني والعالم بأسره.

فبعد التظاهرة الأولى للنساء الأفغانيات بعد مرور ثلاثة أيام فقط على وقوع كابول في قبضة طالبان، تجرأ عدد متزايد من النساء في الأشهر القليلة الماضية على الوقوف بوجه سلوك طالبان العنيف والقائم على التمييز. وبالتالي أصبحت التظاهرات النسائية مألوفة في المشهد الأفغاني فكل أسبوع تقريباً تشارك النساء في التظاهرات سواء من داخل منازلهن وسواء بالوقوف إلى جانب الطريق وتردّدن الشعارات.

لا شك في أن المشهدين الحاليين المختلفين في حياة المرأة الأفغانية يشكلان تحدياً كبيراً لنظام طالبان الذي احتل السلطة بالقوة وعزّز السخط الشعبي عليه. وهكذا تلقي كل النساء اللوم على سيطرة طالبان على البلاد سواء كنّ من النساء المثقفات والناشطات الاجتماعيات والمدافعات عن حقوق المرأة واللواتي يتهمن طالبان بالتسبب بتردّي الحالة الإجتماعية والسياسية للمرأة الأفغانية، أو سواء كنّ من النساء المشرّدات والفقيرات اللواتي تتهمن أيضاً طالبان بالوقوف وراء تردّي أوضاعهن المعيشية لأنهن يعتبرن أن السياسات التي تنتهجها حكومة طالبان قد جعلتهن أكثر فقراً.

في الحقيقة، شكل موقف طالبان المعادي لهذه المظاهر حتى الآن سياسة مضيعة للوقت وهروب إلى الأمام. ففي الفترة الماضية، قطعت حكومة طالبان وعوداً فضفاضة وشاملة لجهة تحسين وضع المرأة في البلاد وكانت تلك الوعود تحمل تأويلات مختلفة كما كان من المحتمل أن تصبح طيّ النسيان. ناهيك عن أن طالبان تتذرّع بسياسة العقوبات الأوروبية والأمريكية لتبرير تردّي الأوضاع المعيشية للعائلات الفقيرة وحالة الفقر العام في البلاد ولا تحمل أي رؤية لمحاولة وضع حدّ لهذه الحالة.