هل ستُفضي أزمة أوكرانيا إلى حرب باردة؟
مر يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي من دون قيام روسيا بغزو أوكرانيا مثلما حذرت مصادر أميركية من قبل.
ولكن هل زال الخطر؟
كان ذلك التحذير مجرد تخمين بموعد الغزو المفترض لأجل تفريغ التهديد الروسي من محتواه وإظهار أن الغرب يعرف التفاصيل الأمر الذي سيحبط أي محاولة في حال كانت هناك بالفعل نية للغزو في ذلك الموعد أو قريبا منه. ما تناقلته الأخبار عن مواعيد مفترضة جزء من حرب نفسية تحاول فيها المخابرات الغربية أن تظهر للرئيس بوتين وهو رجل المخابرات الأول في روسيا أنها ستهزمه في عقر داره. من هنا يمكن تفسير الأسباب التي تقف وراء التفاصيل التي تنشر عن تحركات القوات الروسية وعن خطط روسيا لتبرير عملية الغزو.
أحيانا تبدو روسيا متجهة نحو الدبلوماسية وهذا سيؤدي إلى تخفيض الحماس الغربي في دعم أوكرانيا. ولا يزال الغرب يتمنى على روسيا التزام المسار الدبلوماسي وعدم إغلاق الباب أمام الحل السياسي لأن النتائج لن تكون في صالح أحد وبحسب وزير الخارجية الأمريكي فإن واشنطن ما زالت تعتقد أن هناك مجالا للدبلوماسية.
وبرغم إعلان موسكو سحب بعض قواتها من الحدود إلا أن الغرب لا يزال متشككا ومصادر الناتو لم تؤكد خفض الحشود أو سحب القوات بل تؤكد استمرار الحشد بحوالي مئة وتسعين ألف رجل. ويصر الحلف أن نصف تلك القوات باتت في وضع هجومي الأمر الذي يرجح تخمينات الرئيس بايدن بأن الغزو الذي وصفه بانه سيكون كارثيا وعبثيا بات قريبا.
تصريحات الرئيس الأمريكي توحي بقناعة واشنطن بأن روسيا تحضر فعليا لغزو أوكرانيا من دون تفصيل الأسباب التي تدفعه للاعتقاد بذلك. الأخطر في الأمر أن بايدن يرى أن الهجوم سيكون خلال أيام وعندما يحدد الرئيس الأمريكي بناء على توصية مستشاريه الأمنيين موعدا للهجوم الروسي فهو يغامر في أن لا يكون مصيبا. فإن صدق التوقع يكسب الغرب جولة استخباراتية ضد روسيا وتبدو روسيا مخترقة. وإن أدى التخمين إلى أن تغير روسيا خططها يكون الغرب قد استطاع تأجيل الغزو لكن روسيا ستشعر بالبلبلة. ما تريده أميركا وفق ما قالته بعض المصادر هو أن تجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للرئيس بوتين في تبرير أي هجوم يقوم به.
ومع تجديد التزامها بالعقوبات القاسية والاكتفاء بإرسال قوات إلى حلفائها في أوروبا الشرقية حيث يعسكر هناك ثمانون ألف جندي وإرسال أسلحة وعتاد إلى أوكرانيا تواصل الولايات المتحدة تمسكها بعدم إرسال قوات إلى أوكرانيا لأنها لا تريد تكرار التجارب السابقة.
الغرب يتهم روسيا باستخدام التهديد العسكري للحصول على تنازلات أو لتحسين شروط التفاوض حول الأمن في أوروبا الشرقية. ولا يبدو أن موسكو تتراجع بل تواصل التشدد في مطالبها. ومع إبداء رغبتها في مواصلة المسار الدبلوماسي لم تخفض موسكو سقف مطالبها الأمنية. وليس من السهل أن يرضى الغرب بشروط موسكو وسبق أن رد بأن عضوية حلف الناتو مسألة تخص الحلف وتخص الدول التي ترغب بالانضمام إليه. ويرى بعض الساسة الغربيين أن الاستجابة لمطالب بوتين بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو سيفتح شهيته ليطالب بانسحاب الحلف من باقي مناطق أوروبا الشرقية.
ومع أن روسيا تصر على عدم وجود نية لغزو أوكرانيا إلا أنها تحذر بأن على الولايات المتحدة الاستجابة لمطالبها الأمنية وتواصل التهديد بإجراءات تقنية وعسكرية غير محددة إذا لم يستجب الغرب لمطالبها بتعديل الاتفاقيات العسكرية مع بعض دول أوروبا الشرقية القريبة من حدود الأراضي الروسية. تريد موسكو معالجة شاملة لقضية توسع الناتو شرقا فهي تستشعر الخطر إذ يكون الحلف قريبا من حدودها. في أيام الاتحاد السوفياتي كانت روسيا مسيطرة على كل أوروبا الشرقية التي شكلت حاجزا بين روسيا وبين الغرب ولكن اليوم لا يوجد أي حاجز وروسيا أضحت على عتبة الناتو الشرقية وفي هذا كما يرى بوتين خطرا مهلكا.
قد يستطيع الرئيس فلاديمير بوتين الإصرار على مطالبه الأمنية من الغرب ولكن هل يستطيع تحقيق ذلك باقل الخسائر؟ الغرب من جانبه لا يبدو مستعدا لأي تنازلات وكذلك بوتين لا يبدو انه يستطيع التراجع العلني. ما يستطيع بوتين فعله هو مواصلة الحصار من دون القيام بالغزو وبهذا يبقى الغرب متحسبا وتبقى أوكرانيا مرتبكة. وأوكرانيا الآن بالفعل تعيش حالة من الرعب زادها إعلان العديد من الدول سحب رعاياها من البلاد.
أوكرانيا الآن تتوقع الأسوأ وهو بالنسبة لها احتلال روسي أو حالة فوضى تؤدي إلى اضطرابات أمنية تتسبب في انهيار الدولة وتقسيمها وفي هذه الحالة تكون فرصة موسكو للاعتراف بالأجزاء التي يسيطر عليها المتمردون الموالون لروسيا.
وقد تغامر روسيا بغزو أوكرانيا فكل الاحتمالات واردة ولكن هل حسبت حساب تدخل أمريكي مباشر؟ في هذه الحالة من يضمن عدم امتداد الحرب أو تحولها إلى حرب عالمية أو انتقالها إلى مرحلة استخدام السلاح النووي؟ في الأخبار أن الرئيس بوتين أمر بإجراء تدريبات نووية تشمل اطلاق صواريخ بالستية. ومع أن وزارة الدفاع الروسية وصفت العملية بانها تدريبات اعتيادية مبرمجة مسبقا إلا أنها أثارت الكثير من التكهنات.
يوصف بوتين بانه زعيم حصيف وعقلاني ولا بد انه يدرك مخاطر القيام بغزو أوكرانيا ولذلك فكل هذا الحشود قد تكون مجرد خدعة استراتيجية لكن تحليلات غربية عن شخصية بوتين في الآونة الأخيرة أظهرت انه أخذ يشعر بعظمته وقوة بلاده وأصابته حالة من الاعتداد الزائد قد تجعله يتصرف على غير ما هو متوقع منه.
يسعى بوتين إلى تغيير قواعد اللعبة في النظام العالمي الجديد. عند انتهاء الحرب الباردة أواخر القرن الماضي خرجت روسيا شبه مهزومة وخسرت نفوذها ليس فقط في البلطيق وأوروبا الشرقية بل أيضا في مناطق أخرى من العالم. ما يريده بوتين اليوم هو إعادة روسيا إلى مكانة الدولة العظمى حتى لو كلفه ذلك الكثير.
هل يمكن أن يؤدي ذلك لحرب واسعة في أوروبا؟ غني عن القول أن أوروبا لن تحتمل حربا جديدة بعد أكثر من خمسة وسبعين سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية وأكثر من ثلاثين سنة على توقف الحرب الباردة. فأي حرب ستكون باهظة التكاليف بشريا وماديا واجتماعيا وحضاريا. وتسارع الأحداث قد يوقع الأطراف المعنية في فوضى القرارات والإجراءات الأمر الذي قد ينقل الحال إلى صراع دموي كارثي من دون معرفة تفاصيل الأسباب التي أدت إلى ذلك.
قد تكون موسكو وواشنطن متفاهمتان ومتفقتان بأن أي صراع مقبل في أوروبا بشأن أوكرانيا سيظل بعيدا عن استخدام أسلحة الدمار الشامل النووية ولكن من يضمن استمرار مثل هذا التفاهم؟ الكل يدرك أن استخدام الأسلحة النووية في أي صراع الآن يعني دمارا شاملا للعالم وحضارته. لكن السؤال الكبير هل يمكن للمهزوم في الصراع حول أوكرانيا أن يرضى بالهزيمة ويحجم عن الانتقام النووي؟
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.