كيف كانت 2021 مختلفة على إيران
كانت سنة 2021 سنة مختلفة بالنسبة لإيران. أحداث كبيرة وصعبة ولكن بدون مفاجآت وبدون تغييرات إيجابية أو حاسمة. فقد استمرت العقوبات الأمريكية على خلفية التعنت الإيراني بخصوص الاتفاق النووي.
وواصلت إيران تحديها للمجتمع الدولي باستئناف تخصيب اليورانيوم كما واصلت تدخلاتها في بعض دول الجوار من خلال الميلشيات التابعة لها.
في العام 2021 أنهى الرئيس الإصلاحي حسن روحاني فترته الرئاسية الثانية دون أن يحقق وعوده الانتخابية بسبب الإعاقات التي وضعها المحافظون في طريقه.
وقد انتخب الإيرانيون رئيسا جديدا من المحافظين المتشددين لأجل تغيير حياتهم بعد أن سمعوا الكثير من النقد لنظام الرئيس روحاني من قبل أولئك المحافظين.
عبر صناديق الاقتراع صوت الإيرانيون لاختيار الرئيس رئيسي وبنسبة وصفت بانها الأقل في تاريخ إيران.
فاز رئيسي لأن الإصلاحيين ظهروا فاشلين في معالجة الملفات التي وعدوا بمعالجتها وظهر الرئيس روحاني ضعيفا وقد أضعفته جائحة كورونا وضغط التيار المحافظ.
كذلك لم يستطع الإصلاحيون تقديم شخصية كاريزمية لمنافسة رئيسي تحظى بموافقة المرشد ورضى مجلس صيانة الدستور الذي رفض بالفعل العديد من المرشحين على عكس المرشح المحافظ الذي حظي بتأييد واضح من المرشد والحرس الثوري.
على صعيد العلاقات الخارجية سعت إيران لتحسين علاقاتها مع دول الجوار وتنميتها مع الصين وتعزيزها مع روسيا.
وبرغم عدة جولات من المحادثات مع المملكة العربية السعودية وآخرها كانت محادثات تتعلق بالملف النووي عقت في العاصمة الأردنية إلا أن تلك الجولات لم تخرج بنتائج ملموسة ولم تسفر عن إنجازات أو إجراءات حاسمة.
في سنة 2021 حاول الرئيس السابق كل جهد ممكن للوصول إلى اتفاق يعيد الحياة إلى الاتفاق النووي بين إيران والغرب لكنه لم يستطع. فلم يكن صاحب القرار النهائي في إيران بل كان للمرشد والحرس الثوري والمحافظين الصوت الأعلى الذي أعاق محاولات الرئيس روحاني. بعد تولي إبراهيم رئيسي السلطة وتشكيل فريق تفاوضي جديد تراجع هذا الفريق عن التنازلات التي قدمها فريق روحاني بل طالب بمزيد من التنازلات الأميركية بخصوص العقوبات. وواصلت إيران انتهاك بنود التفاهم التي حددها الاتفاق الأصلي وقامت بتسريع نشاطها النووي وعملت على تحدي المجتمع الدولي ورفعت تخصيب اليورانيوم إلى ستين في المئة. لذلك فشلت الجولة الأخيرة التي عقدت نهاية نوفمبر بين إيران والقوى الغربية في العاصمة النمساوية. كما خفضت إيران مستوى تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهذا خلق شكا وريبة لدى الدول الغربية تجاه تصرفات إيران ومواقفها وتصريحاتها.
استمرار المواقف الإيرانية بشأن الملف النووي على ما هي عليه رفع من حالة التوتر بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد هددت الولايات المتحدة أكثر من مرة بأن عدم الوصول إلى اتفاق لا يعني أن واشنطن ستظل صابرة إلى ما لا نهاية بل ستلجأ إلى البدائل دون أن يحدد ماهية هذه البدائل وان كان كثيرون يرون أنها ستكون تشديد العقوبات أولا ثم اللجوء إلى البدائل العسكرية بشكل أو بآخر.
تشعر إيران أن التهديد العسكري قادم فأعلنت عن مناورات جديدة لاختبارا دفاعاتها الجوية في منطقة مفاعل بوشهر القريب من مياه الخليج.
وتوعدت برد ساحق وبدون تردد إذا ما تم استهداف منشآتها النووية. لكن الوقائع تشير إلى أن منشآتها النووية استهدفت مرتين في هذا العام بدون أن ترد. ففي شهر إبريل هز انفجار قوي محطة الطاقة في منشأة نطنز دمر أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في عمليات التخصيب. وفي شهر يونيو هاجمت طائرة مسيرة بدون طيار منشأة كاراج التي تنتج أجهزة الطرد المركزي. وفي الحالتين اتهمت إيران إسرائيل لكنها لم تفعل شيئا.
معاناة الشعب الإيراني تواصلت مثلما كانت في العام الذي سبق. تغيرت وجوه وغابت وجوه لكن الأزمات تعمقت والمصاعب زادت وخصوصا مع استمرار العقوبات الأميركية. نسبة الفقر ارتفعت وأسعار المواد الغذائية واصلت الصعود والقيمة الشرائية للريال الإيراني في تراجع مستمر وقد خسر أكثر من خمسة عشر في المئة من قيمته الشرائية في هبوط قياسي أمام الدولار.
وبرغم هذه الأحوال قالت بيانات رسمية أن الناتج الإجمالي ارتفع بنسبة اثنين ونصف في المئة. ربما كان هذا الارتفاع بسبب سماح الولايات المتحدة لإيران ببيع كميات من النفط لبعض الدول ولكن المشكلة المزمنة كانت ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى ما بين 35-45 في المئة بينما يصارع الإيرانيون الحياة لضمان لقمة العيش لعائلاتهم إذ بقيت الرواتب والأجور على ما هي عليه الأمر الذي دفع عمال أكثر من ستين شركة تعمل في البتروكيماويات إلى الإضراب مطالبين برفع أجورهم.
وبدلا من العمل على تحسين الأحوال المعيشية لمواطنيها عمدت إيران إلى الإنفاق السخي على الصناعات العسكرية فأعلنت أنها طورت طائرات بدون طيار بمدى ثلاثة آلاف كيلومتر تحمل ستة صواريخ كما طورت وصواريخ بعيدة المدى وقامت باستعراضات للقوة في مياه الخليج والمحيط الهندي.
كان هذا العام هو الأسوأ على إيران من حيث الأمطار. فقد ارتفعت نسبة الجفاف وزاد انحباس المطر بشكل لم يسبق له مثيل منذ أكثر من خمسين سنة وادى الأمر إلى معاناة أكثر من ثلاثمئة مدينة إيرانية من نقص المياه وجفاف أحد الأنهار التي يعتمد عليها المزارعون في أصفهان. خرج المزارعون وغيرهم في تظاهرات احتجاجية على سوء إدارة أزمة المياه في أصفهان وخوزستان ولورستان وكرمحال وبختياري واشتبكوا مع قوات مكافحة الشغب التي استعملت القوة المفرطة ضدهم ووقع منهم ضحايا كثيرون.
المشكلة الأكبر التي عانى منها الشعب الإيراني خلال عام 2021 كانت استمرار تأثير جائحة كورونا. ومنذ بداية الجائحة لم يكن تعامل السلطات الإيرانية معها بشكل مناسب الأمر الذي زاد من استفحال انتشارها. وصلت حالات كورونا التراكمية في إيران مع نهاية العام 2021 إلى أكثر من ستة ملايين ومئتي ألف حالة ووصلت أعداد الوفيات إلى أكثر من مئة وثلاثين ألفا وظل هناك نقص في المطاعيم بعد أن منع المرشد استيرادها من الولايات المتحدة.
تكمن مشكلة إيران في قيادتها. فما يهم هذه القيادة هو البقاء في السلطة أما ما يحدث للناس فهذا موضوع آخر. الرئيس الإيراني يحاول لكنه على ما يبدو لم يتمكن من استقطاب وزراء قادرين على الإنجاز بالشكل الصحيح. فالنقد لا يزال يوجه له على اختياراته خصوصا للفريق الاقتصادي الذي عليه إنقاذ الاقتصاد من الحالة التي يمر بها.
يتطلع الإيرانيون إلى العام القادم على انه سيكون مشابها للعام الذي يمضي إن لم يكن أكثر سوءً. ولا شك أن إيران ستسعى إلى استئناف المفاوضات النووية مع الغرب ولكن في هذه الحالة عليها أن تظهر مرونة وانسجاما مع مصالح شعبها الذي يستحق أن يعيش حياته برخاء وسلام مثل بقية الشعوب. أما إذا أصر النظام في طهران على التعنت ومحاولة السعي للمزيد من المطالب فإن صبر الولايات المتحدة والغرب سينتهي وسيكون اللجوء الى البدائل أمرا حتميا وقد يجر الشرق الأوسط إلى فوضى طويلة الأمد.