سخط على السلطات الإيرانية في أصفهان

يحذر الخبراء في المياه من نقص حاد في المصادر المائية للشرق الأوسط إلى درجة انهم وصفوا هذا النقص بانه سيكون الطاعون الجديد الذي سيضرب المنطقة في السنوات القليلة القادمة. وسيؤدي الجفاف وانحباس المطر إلى حالة من القحط لم يحدث مثلها في الماضي وستكون النتائج كارثية سواء على قطاع الزراعة أو على الاحتياجات الإنسانية.

وتعد إيران واحدة من الدول التي سيضربها طاعون نقص المياه. فقد وصل سوء الحال المائي في إيران إلى حد جفاف أحد الأنهار جفافا تاما. ومع تزايد أعداد الإيرانيين الذين يعانون من نقص المياه يزداد المحتجون على هذا الوضع، فالمعاناة من نقص المياه وصلت حدا لا يطاق وأخذت تؤثر على حياة الناس ومزارعهم ومواشيهم بعد جفاف النهر الذي يخترق مدينة أصفهان وهو نهر زايندة رود. ومنذ التاسع من الشهر الماضي انطلقت مسيرات احتجاجية في مدينة أصفهان مما دفع الأهالي للتظاهر والاحتجاج على سوء إدارة أزمة المياه. ثم تطورت الاحتجاجات إلى مواجهات مع شرطة مكافحة الشغب.

المحتجون في أصفهان ليسوا فقط من سكان المدينة بل انضم اليهم عشرات الألوف من المدن الأخرى المتأثرة بالجفاف. ومع أن الحكومة والسلطات الأمنية حذرت المحتجين ودعتهم لالتزام الهدوء تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات نجم عنها إصابة أكثر من سبعين شخصا واعتقال المئات.

شكلت هذه المواجهات تحديا جديدا للنظام الإيراني. فهي ليست الاحتجاجات الأولى من نوعها فقد سبق أن احتجت مدن خوزستان ولأسباب مشابهة. وما يخشاه النظام اليوم هو أن يفلت الزمام من يده فتمتد التظاهرات والاحتجاجات إلى مدن أخرى وعند ذلك سيكون من الصعب السيطرة عليها. ومن هنا قامت السلطات بقطع خدمة الإنترنت عن أصفهان لمنع التواصل بين الناشطين. وعادت قوات مكافحة الشغب المنتشرة بكثافة في المدينة إلى أسلوب القمع القاسي باستخدام القنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش لتقمع بكل القوة الممكنة التظاهرات.

أما السلطات فهي تحاول الإفلات من المسؤولية والهرب إلى الأمام بإلقاء اللوم على الخارج لتحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية للمشكلة. فجاء الاتهام الإيراني للقوى الأجنبية المعادية. ولأن أزمة نقص المياه في إيران تزامنت مع العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي في فينا أخذت الحكومة الإيرانية عبر أدواتها الإعلامية في الداخل والخارج تلقي اللوم والاتهام على الولايات المتحدة التي بحسب رأي الحكومة الإيرانية تضغط على إيران لإضعاف موقفها في المفاوضات وتعمل على تحريض الإيرانيين ضد حكومتهم وتحاول تقويض النظام.

ومثل كل الأنظمة الاستبدادية يبرر النظام الإيراني استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين بوجود مرتزقة مدسوسين من قبل الأعداء قاموا بتخريب الممتلكات العامة والخاصة. وخلال أسبوعين من الاحتجاجات بدت مدينة أصفهان وكأنها تحت الحكم العسكري عندما أغلقت قوات الأمن جميع مداخل المدينة وانتشرت فيها بصورة مكثفة.

ومع أن اتحاد المزارعين قرر وقف الاحتجاجات لكن المدينة لم تهدأ الأمر الذي يعني أن مشكلة المياه ليست وحدها السبب في الانتفاضة بل أن الإيرانيين عموما ضاقوا ذرعا بالأحوال المعيشية الصعبة التي يعيشون في ظلها. فأسعار المواد الغذائية ارتفعت بأكثر من ستين في المئة هذا إن توفرت وتدهور سعر صرف الريال الإيراني بشكل كبير.

ليست أصفهان وحدها التي تعاني العطش بل امتد ذلك العطش إلى المناطق المجاورة واعلن محافظ يزد أن مياه الشرب لا تكاد تكفي سكانها. كذلك عشرات المدن الإيرانية باتت معرضة للعطش، فالجفاف الذي ضرب إيران هذا العام لم يحدث مثله منذ خمسين عاما. وقد حذر مسؤولون في شركة مياه إيران بان ثلاثمئة مدينة في إيران تعاني من شح المياه.

الإيرانيون يتظاهرون ليس فقط بسبب نقص المياه. فهم يدركون أن نقص المياه سببه الجفاف وانحباس المطر. فالتظاهر والاحتجاج في اغلبه كان على سوء إدارة ملف المياه في إيران. وهذا معناه أن الإيرانيين باتوا يدركون أن المشكلة تكمن في الأشخاص الذين يقودون البلاد. ومن هنا قد تتطور المظاهرات والاحتجاجات لتنتقل من الاحتجاج على سوء إدارة ملف المياه إلى الاحتجاج على سوء إدارة الدولة وعلى النظام بشكل عام. واذا ما طالت هذه الاحتجاجات فقد تتمدد لتشمل أقاليم أخرى وتتحول مطالبها المعيشية إلى مطالب سياسية وهذا ما سيكون له شديد الأثر على الرئيس.

منذ زمن والإيرانيون يتهمون حكومتهم بسوء إدارة ملف المياه ويتهمون المسؤولين عن الملف بقلة الاهتمام وضعف الخبرات وسوء التخطيط. في الانتفاضة الماضية التي اندلعت في خوزستان بسبب نقص المياه انصب غضب الصحافة المؤيدة للتيار المحافظ على إدارة الرئيس المعتدل حسن روحاني. وكان توجيه الاتهام إلى إدارة الرئيس روحاني أمرا سهلا أما اليوم فإلى أين سيتم توجيه الاتهام؟

لم تحظ الاحتجاجات الشعبية بتغطية إعلامية عادلة من قبل الإعلام الرسمي وكانت مشاهد التظاهرات تغطى بالأناشيد الوطنية لإخفاء الهتافات المعارضة للنظام.

كثير من الصحف حتى تلك المؤيدة للتيار المحافظ الذي منه الرئيس إبراهيم رئيسي رفعت صوتها واتهمت الإدارة الحكومية بانها السبب في أزمة المياه الحالية.

بعض صحف تيار الإصلاح ترى أن هناك مشكلة ثقة عميقة بين المواطنين والسلطات التي يتهمونها بعدم القدرة على حل المشكلات. فهل خاب أمل الإيرانيين في الرئيس إبراهيم رئيسي وإدارته؟

يتمثل سوء الإدارة بحسب بعض الخبراء بالتركيز على التنمية الزراعية والمواقع غير المناسبة للصناعة بالإضافة إلى الجفاف والتصحر. والجفاف وانحباس المطر لسنوات أدى إلى جفاف نهر زايندة في أصفهان الذي كان يعتمد عليه في توفير مياه الري ومياه الشرب للمدينة. يضاف إلى هذا أن العقوبات الأميركية على إيران فاقمت أزمة المياه.

الصحافة العالمية اعتبرت أن ما يجري في إيران جرس إنذار يجب أن ينبه السلطات الحاكمة بان عليها أن تنتبه لمطالب الشعب وتعمل على تلبيتها.  ومشكلة المياه في إيران ليست مشكلة بسيطة بل مشكلة معقدة فهي سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية وقائمة على التغير المناخي. وحلها ليس بالأمر السهل. لكن جزءً كبيرا من الحل يكمن في تحسين إدارة الموارد والبحث عن مصادر مائية بديلة. فاستمرار انقطاع المياه سيؤدي بالتأكيد إلى مزيد من التذمر بين صفوف الإيرانيين وسيدفع بهم من جديد إلى الشارع وقد يتطور الأمر إلى مستوى أعلى من التمرد والمواجهات.

تكررت الاحتجاجات الشعبية في إيران بسبب مشكلة نقص المياه ولا يبدو أن حلا قريبا للمشكلة يلوح في الأفق. ربما لم تفاجىء السلطات الإيرانية من الاحتجاجات نفسها في أصفهان لكها بالتأكيد شعرت بالقلق من مستوى الغضب الذي عبر عنه المحتجون. وما يجري الآن في إيران قد يستتبع أحداثا جديدة تولد انفجارا اكبر.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن