عام على انفجار مرفأ بيروت

 

في الرابع من أغسطس من العام الماضي وقبل أيام قليلة من موعد النطق بالحكم في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري هز انفجار رهيب مرفأ بيروت فأحدث دمارا هائلا في المرفأ ومحيطه وأدى إلى مقتل ما يزيد عن مئتي شخص وإصابة المئات، أما الخسائر المادية فوصلت حسب بعض التقديرات إلى اثني عشر مليار دولار.

كانت كمية هائلة قدرت في البداية بألفين وسبعمئة وخمسين طنا من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في أحد مستودعات المرفأ قد انفجرت بعد أن وصلتها نيران حريق شب في مستودع مجاور جراء قيام بعض العمال بعملية لحام كهربائي.

وقدرت قوة الانفجار بأنها قريبة من قوة قنبلة هيروشيما الأمر الذي حفز كثيرين لإطلاق وصف بيروتشيما على الحادث.

كان الانفجار كبيرا إلى درجة أن حجم الذهول الذي سيطر على اللبنانيين سواء مواطنين أو مسؤولين كان كبيرا؛ وعندما أفاقوا من الصدمة وجدوا أن حجم الدمار اكبر مما كان متوقعا.

ومثلما يحدث في كل مرة بدأ تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات بين الجهات المختلفة، لكن ما استقر عليه الأمر هو ثبات التراخي والإهمال من جهات عديدة تجاه تخزين مادة خطرة في المرفأ بدون أي احتياطات وبدون أي إجراء.

تساءل الجميع لماذا تسمح إدارة المرفأ بتخزين نترات الأمونيوم بهذا الشكل وهي تعلم أنها مادة خطرة؟ لقد تعاملت سلطات المرفأ مع الأمونيوم وكأنها سلعة تجارية اعتيادية بينما هي مادة خطيرة جدا.

بطبيعة الحال في التفاصيل هناك رسائل عديدة بين إدارة المرفأ وإدارة الجمارك حول الأمر لكن أحدا لم يتخذ أي إجراء ملموس.

في مثل هذه الحالات تتوقف التساؤلات عن مسألة الإهمال والتراخي ليصبح التساؤل الأهم هل هناك جهات معينة تعمدت الإهمال؟ ولماذا الإهمال هل لأنها متواطئة مع جهات معينة لا تريد إخراج الأمونيوم من المرفأ؟ هل كان التفجير متعمدا؟ هذه المواد مخزنة منذ عدة سنوات فما هو سر هذا التوقيت لانفجارها؟

وهنا لن يكون السؤال المنطقي من هو صاحب المصلحة في تفجير هذه المواد الخطرة، بل السؤال المنطقي هو ما هي أهداف هذا التخزين ولماذا الإهمال في التعامل معه وبقائه طوال هذه المدة بدون أي إجراء؟ فالقيادات العليا كانت على دراية بوجود هذا الخطر لكنها لم تقعل شيئا إما لتواطؤ وإما لمصلحة وهذا بدوره فجر نقاشا حادا وانقسامات سياسية.

جميع الشواهد والتحليلات تشير إلى أن هناك أهدافا مشبوهة كانت وراء هذه العملية التي صممت لتكون بهذه الطريقة، لكن هذه تبقى تكهنات ليس لها أي دليل، فأي اتهام لأي جهة يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ وجميع القوى اللبنانية لها أعوان وأنصار في مختلف مفاصل الدولة اللبنانية يمكن أن يساعدوها في أي عملية تريد.

من المنطقي جدا أن تكون هناك جهة ما وراء التفجير، لكن التفجير ليس جوهر القضية، جوهر القضية هو وصول الأمونيوم إلى المرفأ والسكوت على تخزينه طوال هذه المدة.

هناك سيناريو يمكن أن ينطبق على أحداث المرفأ وقد يكون على هذه الصورة:

تم الشراء في جورجيا وحملت الكمية وهي بحسب المعلومات الأساسية ألفان وسبعمئة وخمسين طنا من نترات الأمونيوم على متن الباخرة روسوس التي قيل إنها مملوكة لشخص روسي وقيل إنه قبرصي وعلى أساس أنها متوجهة إلى موزمبيق لتسليم البضاعة إلى مصنع للمتفجرات هناك.

في عرض البحر المتوسط غيرت السفينة اتجاهها ولم تكن مؤمّنة لدى أي شركة تأمين غيرت اتجاهها نحو لبنان ونسب إلى القبطان أنه تلقى تعليمات بالتوجه إلى مرفأ بيروت لتحميل بضائع إضافية ففعل.

عند وصول السفينة إلى مرفأ بيروت كانت هناك شكوى عليها بمستحقات مالية لم يستطع القبطان دفعها ولم يتمكن من التواصل مع صاحب السفينة لإجراء أي تسوية مالية فتم بأمر القضاء اللبناني احتجاز السفينة والحجز على حمولتها ومنها نترات الأمونيوم وتخزينها في عنابر المرفأ بالشكل الذي خزنت فيه، كما تم بأمر قضائي ترحيل بحارة السفينة إلى بلدانهم.

من حيث الشكل القانوني لم تكن شركة المتفجرات في موزمبيق تملك البضاعة لأنها لم تكن قد دفعت ثمنها فالشرط كان الدفع عند الاستلام لكن الغريب أن الشركة لم تطالب بالبضاعة بعد ذلك.

أما السفينة نفسها فقد غرقت أو تم إغراقها في بحر بيروت عام ألفين وثمانية عشر ولم تفعل إدارة الجمارك اللبنانية أي شيء.

بمقارنة حجم الدمار الناجم عن انفجار مرفأ بيروت مع حجم الدمار الناجم عن انفجار أربعمئة طن من الأمونيوم في الصين قبل سنوات رأى الخبراء ومنهم خبراء مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركي بأن المواد التي انفجرت في المرفأ لا يمكن أن تكون أكثر من خمسمئة طن لأن انفجار ألفين وسبعمئة وخمسين طنا من الأمونيوم كان سيدمر مدينة بيروت بالكامل، كذلك خبراء الجيش اللبناني قدروا أن المادة التي انفجرت لا تزيد عن خمسمئة طن.

من المؤكد أن تخزين حمولة السفينة من المواد الخطرة لم يكن يهدف إلى وقوع التفجير وتدمير المرفأ لكن الإهمال وقع واستمر لأكثر من ثماني سنوات، والإهمال قد يكون مجرد إهمال وقد يكون مقصودا.

حتى التفجير قد يكون متعمدا أو غير متعمد، ليس هذا المهم بل المهم هو إذا كانت كمية المواد التي انفجرت لا تزيد عن خمسمئة طن فأين اختفت ألفان ومئتا طن من نترات الأمونيوم؟

هل كان هناك من ينقل نترات الأمونيوم بكميات قليلة ولكن بتواتر إلى جهات مجهولة طوال تلك السنوات؟ من كان يتستر على عملية نقل المواد بشكل سري؟ كيف لم تلاحظ سلطات الميناء أن المواد التي خزنت في الأصل آخذة بالتناقص؟ واذا تمت ملاحظة ذلك التناقص لماذا لم يتحرك أحد بهذا الشأن؟

قد يكون هذا السيناريو معقولا لكنه خطير جدا في حال ثبوته؛ فهو يعني وجود جهة ما على الساحة اللبنانية تلعب كما تشاء في ظل غياب كامل لوعي الدولة.

فالأسئلة الكثيرة ما زالت تحاصر حادثة المرفأ لكنها تبقى بدون جواب وقد لا يظهر الجواب أبدا؛ فالخراب وقع وقد تطوى الصفحة مثلما طويت صفحة اغتيال رفيق الحريري ويغلفها النسيان وتصبح من الذكريات القديمة التي تروى في الحكايات.