ماذا يعني أن يفتح الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني النار على البرلمان؟ فهو سيغادر قصر الرئاسة خلال أسبوعين ويسلم الإدارة إلى الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي ولكن على ما يبدو وقبل مغادرته تملكته الشجاعة الكافية ليكشف بعض الحقائق.

فقد كان الهم الأكبر للرئيس روحاني هو إعادة إحياء الاتفاق النووي مع الغرب فإدارته هي التي أنجزت الاتفاق في الأصل عام ألفين وخمسة عشر ولذلك فإنه يجد لزاما عليه أن يعمل على إحيائه لإنقاذ إيران قبل أن يسلم الرئاسة إلى الرئيس الجديد.

ومن غير المتوقع أبدا أن تتم في خلال هذين الأسبوعين المتبقيين للرئيس روحاني إنجاز أي اتفاق وهذا سبب رئيسي لما يشعر به روحاني من إحباط وربما اكتئاب سياسي.

أن يتهم الرئيس الإيراني برلمان بلاده بصريح العبارة بأنه وراء الإخفاق في إنجاز اتفاق جديد أو إحياء الاتفاق القديم فهذا موقف لم يكن ليجرؤ عليه قبل عام مثلا.

أما الآن وهو يغادر منصبه فلم يعد يهمه شيء ولا يخشى خسران أي شيء فأخذ يصرخ بما كان يفكر فيه من دون أن يحسب حساب ردود فعل من أي جهة.

فالبرلمان الإيراني وفق ما صرح به روحاني يقف وراء إضاعة كثير من الفرص للتوصل إلى اتفاق.

فقد سلب هذا البرلمان كل فرصة ممكنة لاحت أمام حكومة روحاني للتوصل إلى اتفاق. أما الضربة القاضية التي وجهها البرلمان الإيراني لجهود التفاوض فكان قراره بتسريع الأنشطة النووية. فقد طلب البرلمان الذي يسيطر عله المحافظون المتشددون أنصار المرشد والمدعومون من الحرس الثوري من الرئيس وحكومته تعليق التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي وقرار تركيب وتشغيل ألف جهاز جديد للطرد المركزي وتشغيل معمل إنتاج اليورانيوم المعدني.

للأسف لم تكن حكومة روحاني قادرة على الحد من تصرفات البرلمان ولم تستطع أن تدافع عن قراراتها بخصوص محادثات فيينا. وهذا بالتأكيد هو ما كان يعيق التوصل إلى اتفاق فهو لا يوحي للغرب بالأمان والثقة تجاه إيران ولا يقدم أي براهين موثوقة على إمكانية الالتزام الحقيقي بالاتفاق من جانب إيران في حال إعادته.

الاتفاق كان يمكن أن يكون جاهزا في وقت قريب وقد قال وزير الخارجية الإيراني في خطابه الأخير للبرلمان إنه سيكون كذلك في الشهور الأولى من إدارة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي.

لكن هذا القول لا يبدو نهائيا فحكومة إبراهيم رئيسي قد تكون شديدة الطواعية للجناح المتشدد الذي يرفض التفاوض أصلا ويحاول الابتعاد عن الاتفاق أو عدم الالتزام باي شيء.

فالتيار المتشدد سبق واتهم حكومة روحاني بالتساهل والتراخي في التفاوض لأجل توريط حكومة رئيسي وإغراقها في ملفات شائكة.

لكن هذه الفرضية لا تبدو دقيقة، فلو كان الأمر كذلك لربما قدم التيار المحافظ بعض التنازلات وجعل إدارة روحاني تصل إلى نتيجة، أما وأن التيار المتشدد لم يفعل فربما الأمر غير ذلك.

لقد كان الرئيس روحاني على ما يبدو واثقا من نجاح مساعيه في التفاوض عبر ست جولات مضنية وقاسية من المفاوضات.

فقد وعد بأن العقوبات المفروضة على إيران ستزول بالكامل في وقت قريب،  لكن من الواضح أنه أخفق في هذه أيضا، وهذا الأمر أكده تقرير وزير الخارجية إلى البرلمان.

وفي خطابه الأخير أعرب روحاني عن أسفه لضياع فرصة الاتفاق وأعرب عن أمله في إحراز تقدم عند استئناف المحادثات بعد تنصيب الرئيس الجديد.

الإخفاق المتكرر والوعود التي لم تتحقق بخصوص رفع العقوبات أصابت الشعب الإيراني بما يشبه اليأس وافقده الأمل من حكومة روحاني.

فلماذا تتعثر المفاوضات؟

مفاوضات فيينا في الظاهر تقترب من مراحلها النهائية لكن لا توجد مؤشرات مقنعة على ذلك.

فإيران مصرة على شروط إزالة كامل العقوبات أولا بينما ترى الولايات المتحدة غير ذلك. ويصر الغرب أيضا بأن على إيران أولا إظهار مواقف جدية تتماشى مع تعهداتها.

لذلك لم يتم تحديد موعد نهائي للمحادثات وبقي المطلب الأمريكي على ما هو عليه وهو ضرورة وجود إمكانية التحقق من برنامج إيران النووي والتأكد من عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.

كما يمكن القول أن الولايات المتحدة ترغب في إعادة النظر في الاتفاق النووي من ألفه إلى يائه بإضافة مسألة الصواريخ البالستية الإيرانية إليه وكذلك علاقات إيران مع جيرانها وتحركات إيران في المنطقة ودول الجوار.

وفي هذه الحالة أصبح المطلوب اتفاق جديد كليا وتفاوض جديد ومختلف، لكن السؤال المهم هل سترضى إيران بالشروط الأمريكية الجديدة؟ وإدخال مسألة الصواريخ والعلاقات مع الجيران والتحركات العسكرية ضمن إطار المفاوضات المتوقعة؟

إذا ما أصرت الولايات المتحدة على موقفها فإن إيران قد ترضخ وتقبل فهي الطرف الأضعف حتى الآن كما أنها تعاني اشد المعاناة من وطأة الانهيار الاقتصادي وتفشي وباء الكورونا والإدارة الجديدة للرئيس إبراهيم رئيسي بحاجة إلى إنجاز تستند إليه.

مع أن بعض التسريبات أشارت إلى أن الرئيس المنتخب قد يتخذ موقفا أكثر تشددا في المفاوضات النووية عندما تبدأ جولتها الجديدة لكن هذا التسريب قد يكون للاستهلاك الإعلامي المحلي.

من المعروف في السياسة أن الحكم القوي بعد وصول المعارضة إليه يكون أكثر ليونة وأكثر قدرة على تقديم تنازلات وإجراء مفاوضات ناجحة والوصول إلى اتفاقات حتى لو كانت مجحفة لأن النظام القوي المسيطر يستطيع أن يفرض ما يشاء دون خوف من أي معارضة.

وهذا قد يحدث في إيران الحقبة الجديدة، فإدارة الرئيس رئيسي لا تريد أن تغرق في عزلة إقليمية ودولية جراء العناد ورفض أي تسوية تتعلق بالتفاوض مع الغرب سواء بالنسبة للاتفاق النووي أو غيره.

بسبب الظروف الراهنة في الإقليم والدور الأمريكي فيه الذي يتجه نحو تغييرات جذرية فمن غير المستبعد أن يكون ثمن التنازلات الإيرانية في المجال النووي والصاروخي أن يسمح لها بدور ما في المنطقة.

وسيكون على الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي القيام بخيارات صعبة في هذه الحالة لضمان الإبحار الآمن في بحر متلاطم وقد لا يجد من يساعده.