في اليوم العالمي للاجئين، نسلط الضوء على الأطفال منهم.
يواجه عالمنا يومياً العديد من المشاكل والمصائب من أبسطها إلى أصعبها مروراً عبر الأوبئة، الأزمات السياسية، الحوادث و الهجمات.
ما هي مكانة طفل صغير في هذا العالم المليء بالمفاجآت و المخاوف و الصعوبات؟ كيف بإمكان الانسان أن ينجح في حياة لا يفهم فيها لا الاتجاه و لا المعنى؛ دون أن يلجأ الى أزمة وجودية؟ كيف نصل إلى بناء تراث نعتز به أمام الأجيال القادمة، في حين أن كل لحظة نعيشها بإمكانها أن تنقلب رأساً على عقب بين ثانية و أخرى؟
زيارة للأطفال اللاجئين في الموصل
طرحت على نفسي كل هذه الأسئلة مراراً و تكراراً و لم أستطع أن أحل لغزها بنفسي لأني كنت أحتاج الى تجارب أناس آخرين يشاركون معي نظرتهم تجاه هذه المفاهيم التي لا ينتهي الانسان أبداً من حلها.
استطعت التقدم في مسيرتي بعدما زرت اللاجئين في الموصل.
أتذكر اللحظة التي كانت تتقدم خلالها السيارة بنا نحو المخيمات، كنت أرى عالما جديداً لم يسبق وأن رأيته أبدًا.
كان مختلفا حتى عن الصورة التي كانت في خاطرتي عن المخيمات و التي كنت أراها في وسائل الاعلام. كانت المخيمات تمثل مدينة بنفسها؛ لكن مدينة مختلفة عن كل المدن الأخرى. مدينة كانت قد خربت و حطمت أحلام الآلاف من البشر؛ أحلام كان بامكانها أن تغير الحياة لو تم الاستماع إليها.
هذه المدينة كانت قاطعة للأمل و التفاؤل وكانت رؤيتها فقط تقطع النفس حيث كنت أحس بنقص في الأكسجين. لأن الأكسجين الذي كنت أعيش به كان الفرحة و السعادة و كنت أرى عكسها بعيني. دخلنا قاعة كبرى حيث كان هناك العديد من الأطفال اللاجئين أو بالأحرى من نسميهم باللغة الانكليزية IDP’s.
كان العالم يسند إليهم العديدة من الألقاب : “نازحين”، “لاجئين”، “متشردين” ولكن لم تكن الحلول موجودة.
نظمنا مع الأطفال مسابقة رسم. كان الرسم المادة الوحيدة التي لم أكن أنجح فيها أبداً سواء في حياتي المدرسية أو الشخصية. كنت أريد أن أتعلم من الأطفال و أن يكون لي درسا من قبلهم بخصوص هذا المجال الرئيسي في عالم الفن و الابداع.
كنت أجيد الكتابة و الكثير من المهارات الأخرى لكن لم يكن الرسم من بينها. طبعاً لم يكن ذلك السبب الوحيد لاختياري تنظيم هذه المسابقة، كانت ميزة المبادرة هي أنني لم أكن قد أخبرت مسبقاً الأطفال بالمسابقة و لم يحضروا انفسهم إليها. طلبت منهم خلال وصولي أن يرسم كل واحد منهم خلال فترة ربع ساعة فقط، الفكرة التي كانت تأتي مباشرة إلى خاطرته دون التخطيط إليها أو التفكير فيها؛ كان الهدف أن تمثل الصورة البراءة و العفوية.
الحقيقة أن الاختيار كان صعبا للغاية بين كل الصور التي نتجت من إبداع الأطفال لكن رسمة واحدة خصيصا لفتت انتباهي و انتباه جميع المسؤولين ووسائل الإعلام الذين كانوا يرافقوني.
كانت الصورة تمثل حمامة بيضاء تحمل معها رسالة الى “العالم الخارجي” الذي كان مختلفا عن العالم الذي كانت تغادره و الذي كان متمثلا في “سجن بقضبانه السوداء”. كان للصورة معنى خاص و استثنائي، إذ كانت تظهر أن عالم المخيمات كان متباينا مع العالم الخارجي وأن الكوكب تشتت إلى جزئين مختلفين.
الرسالة التي كانت تحملها الحمامة كانت الرسالة التي تنبع من لقاءنا؛ رسالة السلام و التسامح؛ رسالة الحلول الواقعية و الملموسة.
أردت أن أشارك معكم هذه القصة في اليوم العالمي للاجئين لانني كنت أحمل منذ تلك الثانية مهمة استثنائية ووعدت الجميع و نفسي خلالها أنني لن أخذل أبداً هذه الثقة الغالية.