هدف النظام الإيراني، انتخاب إبراهيم رئيسي لمنصب رئيس الجمهورية بعد استبعاد كل المرشحين الأقوياء
مع الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران هذا الأسبوع يميل ميزان السياسة الإيرانية نحو مزيد من التشدد. فقد بات واضحا أن هدف النظام الإيراني الآن هو انتخاب رئيس المجلس القضائي السابق إبراهيم رئيسي لمنصب رئيس الجمهورية بعد أن تم استبعاد كل المرشحين الأقوياء وبينهم بعض رموز التيار الإصلاحي حتى تتاح الفرصة كاملة لمرشح النظام للفوز السهل. وكل الإجراءات والمؤشرات حتى الآن تدل على أن الدولة العميقة في إيران تريد إبراهيم رئيسي. فهو متشدد من معسكر المرشد وعلاقاته بالحرس الثوري جيدة ومتينة وله تاريخ مشهود في قمع المعارضين ومكافحة المحتجين.
قبل 4 سنوات جرب رئيسي حظه في انتخابات الرئاسة وخسر أمام حسن روحاني. ربما لم يكن في تلك السنة قد نال حظوة لدى المرشد ليتبنى ترشيحه وفوزه. كما أن الناخبين في تلك السنة صوتوا لصالح روحاني نكاية برجال الدين ولمنعهم من الوصول إلى الحكم وقد ربطوا بين رجال الدين وبين المجازر التي طالت المعارضة في الثمانينات. ورئيسي نفسه كان متهما ولا يزال بأنه كان ضالعا في مذبحة السجناء في تلك الفترة.
الدولة لا تعمل على إجبار الناس على التصويت
لذلك فإن السلطات على ما يبدو لم تعد تهتم الآن بأعداد الذين يقومون بالاقتراع بل يهمها على الأكثر أن تكون النتائج كما تريد وكأن السلطات تريد أن تهيء من خلال هذه الانتخابات إلى مرحلة ما بعد خامنئي. وربما لأجل أن تكون النتائج كما تريد فإن التصويت الكثيف قد يغير هذه النتائج ولذا فإن الدولة لا تعمل على إجبار الناس على التصويت أو حتى لا تحثهم عليه. كما أن غياب علي لاريجاني عن ساحة المنافسة بسبب قرار مجلس صيانة الدستور بحرمانه من الترشح يعني أن اهم شخصية مرشحة للرئاسة يمكن أن تشكل منافسة حقيقية ضد رئيسي قد غادرت الحلبة.
كذلك وبحسب ما يجري على أرض الواقع فإن بعض المرشحين الحاليين قد ينسحبون لصالح إبراهيم رئيسي. وهذا يمكن أن يقودنا إلى استنتاج ولو انه قد يكون مبكرا بأن المرشد في دعمه غير المحدود للمرشح إبراهيم رئيسي يريد أن يوحي لمجلس خبراء القيادة انه يرغب بان يكون رئيسي هو خليفته في منصب المرشد.
لا يمنع دستور إيران قيام مجلس الخبراء باختيار رئيس الجمهورية لمنصب المرشد. فالخامنئي نفسه كان رئيسا عندما تم اختياره. وقد يخرج من بين أعضاء مجلس الخبراء من سيقول للمجلس انه سمع المرشد يزكي إبراهيم رئيسي لمنصب المرشد مثلما قال رفسنجاني لهم عند اختيار خامنئي انه سمع الخميني يزكي خامنئي.
رئيسي يرغب أشد الرغبة في أن يكون هو المرشد الأعلى
الأمر الآخر الذي سيرجح كفة رئيسي لاختياره لمنصب المرشد في حال وفاة الخامنئي أن رئيس الجمهورية يكون في العادة عضوا في اللجنة الثلاثية التي تقوم بتسيير شؤون مكتب المرشد في حال شغوره وهذا يعطي رئيس الجمهورية قوة ضغط أدبية في حال انه كان راغبا في المنصب ومن المؤكد أن رئيسي يرغب أشد الرغبة في أن يكون هو المرشد الأعلى. فالمرشد هو أكبر المناصب في إيران فهو الولي الفقيه والحاكم المطلق وكلمته هي العليا وفق الدستور وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وفي كل مرة كانت تثار مسألة خلافة الخامنئي كانت تبرز بعض الأسماء المرشحة لذلك وفي كل مرة كان اسم إبراهيم رئيسي يتصدر تلك الأسماء. وعند تحليل قرار الدولة العميقة بتأييد المرشحين المشابهين للحلقة الضيقة المحيطة بالخامنئي فالنتيجة هي أن القرار قد اتخذ بمن سيكون الرئيس وماذا سيلي ذلك من أحداث وإجراءات.
وفي مناظراتهم التلفزيونية الأخيرة يلتقي المرشحون السبعة على تشويه صورة الرئيس حسن روحاني والتطاول على إدارته وتحميله مسؤولية كل الإخفاقات التي تعاني منها إيران متناسين أن الحاكم الحقيقي وصاحب القول الفصل في إيران هو المرشد وليس الرئيس. وقد انتقدت الصحافة الإيرانية مضمون المناظرة الأخيرة ووصفتها بانها مثل مباراة كرة قدم بدون أهداف. وقد كانت الأسئلة الموجهة في المناظرة بحسب ما وصفها أحد المرشحين وهو سعيد جليلي أشبه بامتحان مستوى ذكاء ولا ترقى إلى مستوى مناظرة بين مرشحين لرئاسة دولة. وهم لم يناقشوا القضايا التي تهم المواطنين العاديين ولم يناقشوا قضايا السياسة الخارجية عملا بتعليمات المرشد الذي حظر عليهم تناول تلك القضايا.
رد الرئيس روحاني على المرشحين وما تناولوه في المناظرة كان ساخرا وغاضبا وقد شبههم بالقادمين من المريخ الذين ظهروا وكأنهم لا يعرفون إيران وطبيعة الحكم فيها. فقد كانوا برأي روحاني متناقضين مع كل توجهاتهم السابقة ويستسهلون لوم حكومته ويعفون انفسهم من عناء البحث عن حلول للمشكلات التي يعاني منها الإيرانيون.
تعاني إيران أسوأ فترات تاريخها
تجري انتخابات الرئاسة الإيرانية هذه المرة بينما تعاني البلاد أسوأ فترات تاريخها من حيث العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ومن حيث تفشي فيروس كورونا وصراع القوى السياسية والغضب الشعبي من تصرفات السلطات الرسمية والحرس الثوري وما يخبئه المستقبل لهم. والتحدي الرئيسي لمن سيكون رئيسا هو الاتفاق النووي مع الغرب الذي تجري مفاوضات إحيائه حاليا في العاصمة النمساوية. وعلى هذا الاتفاق يعتمد مستقبل إيران. والاتفاق النووي ظل الهم الأساسي للرئيس حسن روحاني الذي بذل كل جهده للوصول إليه قبل الانتخابات ولكن على ما يبدو فالوقت يتحرك في غير صالح الرئيس روحاني وبالتالي سيتم ترحيل المفاوضات إلى الرئيس المقبل.
من المتوقع أن لا يستطيع الرئيس القادم تقديم تنازلات كافية تسمح بإحياء الاتفاق كما تريد الولايات المتحدة وبالتالي ستعود الأمور إلى نقطة البداية ومعنى هذا تأخير في رفع العقوبات وتأخير في عودة العلاقات بين طهران وواشنطن إلى طبيعتها أو على الأقل إلى حالة من التوافق تسمح بتحريك القضايا العالقة الأخرى. لا يمكن الجزم بان الولايات المتحدة تتعمد التأخير في الوصول إلى الاتفاق مع إدارة الرئيس روحاني بقصد أن تكسب الإدارة الجديدة في إيران من خلال منحها شرف التوصل إلى اتفاق وبالتالي رفع العقوبات. ولكن كان قد وقع ما يشبه ذلك قبل أربعين عاما ولكن بصورة معاكسة. فقد كانت إيران وقتها صاحبة الكلمة العليا في تلك الأزمة، أزمة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية. فقد اخرت إيران وقتها التوصل إلى اتفاق مع إدارة كارتر لكي تعطي شرف التوصل إلى الاتفاق لإدارة الرئيس ريغان الذي أقامت معه علاقات طيبة في سنوات حكمه الأولى. فهل يتكرر التاريخ من جديد؟
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن