أطفال رواندا..أنموذج يحتذى به
قارتنا الافريقية تبهر العالم يوما بعد يوم بقوتها ونجاحها وتفوقها في كافة المجالات. اخترت زيارة جمهورية رواندا بداية هذا العام لانني كنت أرى في هذه الدولة الصغيرة قدوة ونجاح غير مسبوقين. حاز هذا البلد على مكانة استثنائية بين الدول والأمم وكوّن لنفسه هوية أصبحت فخر القارة الافريقية و الانسانية جمعاء. اخترت أن أشارككم اليوم قصتي في رواندا خاصة بعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى كيغالي هذه الايام.
ما اعجبت به خلال زيارتي كان اصرار الشباب على النجاح و التفوق رغم الصعوبات و المطبات التي مروا عبرها. كانت قد عاشت رواندا احدى اكبر الابادات الجماعية و ذلك ضد التوتسي حيث قد فقدت البلاد اكثر من 800 الف من مواطنيها. وصفت في ذلك الوقت جرائد و صحف العالم الحرب الاهلية التي مرت عبرها رواندا بحرب “مزقت البلاد و شتتها من جوهرها”.
لكن استغلت رواندا قوتها للمواصلة في مسيرة التطور و اصبحت اليوم احدى اكثر العواصم اشعاعا حول العالم، عكس ما كان يتوقعه الجميع لانها لم تفقد ثقتها في نفسها و في هويتها الوطنية. و الاهم في الحياة ان تثق في نفسك لان هذه الثقة هي التي سوف تجنبك من ارتكاب الاخطاء الكبرى و التي ستدلك على الطريق الصواب و ذلك ليس فقط على مستوى الدول و الديبلوماسيين و لكن ايضا في كل خطوة في حياتك و ابتداءا من الطفولة. لن تنجح امتحانا في مادة الرياضيات ان كنت تشك من اجوبتك و لن تفوز في مسابقة “من سيربح المليون” ان كنت تتردد في اختياراتك ! عندما تثق بنفسك فبامكانك تحقيق المستحيل.
كنت متجها مع صديقي ايشونغوري الى مكان المركز التذكاري المقام على شرف ضحايا الابادة الجماعية في مدينة نياماتا الرواندية عندما توقفنا قرب مدرسة عمومية.
أطفال رواندا كانوا رمز الطيبة و البراءة، بزيهم الموحد كانوا يحملون كتبهم واقلامهم بادئين خطواتهم الاولى في عالم الحياة الحقيقي. كانوا يستفيدون من كل لحظة من يومهم مثل ما نقول باللاتينية كاربي ديام Carpe Diem بمعنى كانوا يستمتعون بكل دقيقة دون ان يفكروا في المستقبل و دون قلق بلا فائدة. كان ذلك رمز راحة الضمير و الاطمئنان. عندما تحدثت معهم، اكتشفت انهم نجحوا في الحياة لانهم واجهوها بطريقة مختلفة عن التي نراها نحن. علموني العديد من الحكم و النظريات التي كانت تقودهم و تجعلهم سعداء و فرحين رغم الظروف الصعبة. كانوا يرون كل الامور ببساطة تامة و كانوا فعلا على حق.
اذا اردتم النجاح، فلا تفكروا في كل خطوة من مستقبلكم سنوات مبكرا، لا تحاولوا ان تقرأوا مصيركم و تحددوه قبل ان يقع. الجميع يعلم انه ليس من الممكن تسبيق الاحداث قبل وقوعها و خير مثال لذلك سلسلة الافلام الشهيرة “Back to the Future. كل هذه الطاقة التي تضعونها في القلق والخوف من المستقبل تجعلكم أصدقائي تنسوا اولوياتكم و اهدافكم. بهذه الطريقة، تعطون دوركم الى الآخرين الذين لا يأبهون الى هذه المشاكل و لا يهمهم الا العلم و المعرفة. رواندا نجحت لان اولوياتها كانت فقط تفوقها في الميادين التكنولوجية والاستراتيجية وذلك عوضا عن البكاء على خسائر الحرب والدمار التي عاشته.
فكروا في الوقت الحالي و حاولوا ان تعيشوا كل مرحلة في آنها و وقتها.. اليوم عيد الأم اذا اولويتنا جميعا ان نجهز اروع و أجمل مفاجأة لأمهاتنا.. دعونا من التفكير في المستقبل والماضي و التحليلات العقيمة و الغير المفيدة ودون نهاية.. باختصار، لنستمتع بالحياة !