تحوم غيوم عدم الوضوح والاضطراب حول الاتفاق النووي الإيراني حيث لا يزال الطرفان الأمريكي والإيراني يمتنعان عن القيام بالخطوة الأولى تجاه إحيائه بانتظار أن تكون البداية من الطرف الآخر ويضع كل منهما الشرط نفسه للعودة إلى الاتفاق.
فالرئيس الأمريكي كان واضحا في رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي وكان أكثر وضوحا في شرطه المعلن بأنه في الوقت الذي تعلن فيه إيران عودتها للالتزام بالاتفاق فان الولايات المتحدة ستفعل الشيء نفسه أيضا.
يرغب الرئيس بايدن في العودة إلى الاتفاق ليكون ذلك بداية معالجة مجموعة من التهديدات التي تشكلها إيران، والسؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له يتعلق بالطريقة المثلى للعودة.
فإيران لا تريد أن تكون البادئة بالعودة وكذلك الولايات المتحدة التي تخشى من عدم التزام إيران؛ لكن وزير الخارجية الإيراني طرح على الاتحاد الأوروبي فكرة قد تكون قابلة للتطبيق وهي أن يقوم الاتحاد عبر منسق الشؤون الخارجية فيه بوضع آلية تسمح بتزامن الإجراءات الأمريكية والإيرانية وبحسب تعبير الوزير الإيراني “العودة المتزامنة إلى الاتفاق من خلال قيام الاتحاد الأوروبي بوضع التدابير التي يجب أن تتخذها الولايات المتحدة وتلك التي يجب أن تتخذها إيران” بحيث تتزامن خطوات الجانبين ويخرجان وفق مبدأ لا غالب ولا مغلوب.
تعول إيران على أوروبا للضغط على الولايات المتحدة؛ فهي ترى أن عدم سير أوروبا على خطى الرئيس السابق ترامب الذي أخرج بلاده من الاتفاق النووي دليلا على إمكانية الدعم الأوروبي لكن هذا الدعم يعتمد بالدرجة الأولى على وجود رغبة أوروبية في ذلك وجرأة في مواجهة المواقف الأمريكية.
لقد جمع الرئيس بايدن حوله فريقا سبق له أن عمل في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما على تفاصيل الاتفاق مع إيران؛ أبرز هؤلاء وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي والمستشار الخاص بالشأن الإيراني، وما يعنيه هذا الفريق أن بايدن لا يزال يميل إلى الدبلوماسية في التعامل مع إيران لكنه وفق ما يقوله أحد الخبراء في الشأن الإيراني فإن بايدن عند الضرورة لن يتردد في استخدام القوة العسكرية إن لزم الأمر.
مقاربة بايدن بخصوص إيران تتلخص في رغبته بأن يرى إيران تعلن التزامها بالاتفاق النووي وبعد ذلك تبدأ المفاوضات ومن ثم تشارك فيها بعض دول الجوار للوصول إلى اتفاق أكبر ودائم.
تضع الولايات المتحدة شروطا للعودة إلى الاتفاق ويرغب وزير خارجيتها بدعم من الرئيس بايدن بتوسيع الاتفاق بحيث لا يكون خاصا بالمشروع النووي ولكن أيضا بكل مشروعات التسلح الإيرانية وخصوصا الصواريخ بعيدة المدى بعد أن أعلنت إيران أنها اختبرت صاروخا جديدا وصفته بأنه كبير جدا وهو قادر على حمل رؤوس نووية.
أما مستشار الأمن القومي فيرى أن إيران تقترب بسرعة من امتلاك سلاح نووي وهي على بعد أسابيع قليلة من إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع هذا السلاح.
بحذر شديد يراقب حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاؤها في المنطقة الجدل الدائر حول إحياء الاتفاق النووي، الرئيس الفرنسي طالب صراحة بإشراك جيران إيران في أي مفاوضات جديدة وكذلك يريد الأمريكيون.
ويبرر الغرب رغبته بإشراك جيران إيران في التفاوض الجديد بأنه يطمئنهم تجاه جارتهم الإقليمية التي يشكل برنامجها النووي تهديدا لهم، لكن إيران رفضت الفكرة بشدة مع أنها رحبت بالتفاوض مع الجيران ولكن في مفاوضات منفصلة عن الاتفاق النووي وقد صرح الناطق بلسان لجنة الخارجية والأمن في البرلمان الإيراني بالقول إن الجيران ليس لهم أي علاقة بهذا الاتفاق.
وبينما يحتدم الجدل بشأن العودة للاتفاق النووي بمفاوضات جديدة أم بدون مفاوضات أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أنه لا يرحب بعودة الحياة للاتفاق النووي ومصرحا بأن قواته أعدت الخطط للخيارات العسكرية لإحباط أي اختراق نووي إيراني محتمل.
وبحسب بعض الخبراء فإن عودة الحياة إلى الاتفاق النووي يعني صفعة استراتيجية لإسرائيل التي تسعى لأن يتم منع إيران نهائيا وبصورة دائمة من إمكانية الحصول على سلاح نووي.
إيران لا تخفي نشاطها النووي على الأقل في الإعلام الرسمي فقد أعلنت أنها تمتلك ثلاثمئة وثمانية وأربعين جهاز طرد مركزي لتخصب اليورانيوم، وبالطبع فهذه المعلومات لا يمكن التحقق منها وربما كانت مجرد تطمينات للشعب وتهدئة له إزاء مواقف النظام الاستفزازية تجاه الولايات المتحدة.
وقد عرف عن إيران أن مواقفها متشددة ومتصلبة في خطابها الإعلامي لكنها عند الجد تجنح إلى المرونة واللين، فالعقوبات الغربية والاقتصاد الذي يعاني من ضيقة قاسية بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا تجعل أوضاع إيران في حالة يرثى لها.
حددت إيران عبر برلمانها الذي يسيطر عليه المحافظون الحادي والعشرين من فبراير موعدا لوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولهذا فنظام الرئيس روحاني يسابق الزمن لإنجاز شيء ما بخصوص الاتفاق النووي يدعم موقف تيار الإصلاحيين في معركة انتخابات الرئاسة القادمة، وهذا ما دفع وزير خارجيته إلى تقديم مقترحاته للاتحاد الأوروبي بالتوسط للوصول إلى تسوية.
ولكن هناك في إيران جهات متشددة ربما كانت تسعى بصورة أو بأخرى لعدم العودة إلى الاتفاق؛ فقد نقلت وكالة تسنيم للأنباء المقربة من الحرس الثوري تصريحا لقائد الحرس حسين سلامي يقول إن إيران وصلت إلى مرحلة من القوة بحيث لم تعد بحاجة إلى الاتفاق النووي وإن أولوياتها ليست رفع العقوبات.
ومثلما هو الحال في إيران كذلك في الولايات المتحدة حيث يواجه بايدن بعض المعارضة في الكونغرس إذ يطالب المعارضون الرئيس بأن يفرض على إيران التفاوض من جديد ويرى هؤلاء أن السلام الإقليمي في المنطقة أكثر أهمية من اتفاق يعمل على تجميد نشاط إيران النووي ويقف عند هذا الحد.
ويرى المعارضون في الكونغرس أن الاتفاق النووي يحابي إيران وسيقودها إلى التمكن من صناعة السلاح النووي ولو بعد حين.
يقول المعارضون في الكونغرس إن الاتفاق الذي يرضيهم يجب أن يكون شاملا بحيث يتضمن اتفاقا بخصوص القدرات الصاروخية الإيرانية والتمويل الإيراني للجماعات الإرهابية بالإضافة إلى ضرورة إشراك دول الجوار في المفاوضات ومراعاة مصالحهم.
كما أن هؤلاء يرون أن الاتفاق يجب أن يكون دائما وألا يحتوي على بنود غير واضحة تسمح لإيران بالعودة مستقبلا إلى التخصيب غير المحدود.
وبانشغاله بتداعيات كورونا فالرئيس الأمريكي ليس في عجلة من أمره برغم أهمية الموضوع على العكس من الرئيس الإيراني، فمن المؤكد أن الخيار العسكري ليس مطروحا في الوقت الحاضر ضمن خيارات الرئيس بايدن والحلقة الأضعف في الصراع الآن هي إيران وهي المتضررة من بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
فالخيارات المطروحة أمام الرئيس روحاني قليلة والوقت يضيق وجيران إيران ضاقوا ذرعا بالمماطلة الإيرانية في الوقت الذي تتحفز فيه إسرائيل لاستخدام القوة ضد المنشآت النووية الإيرانية وهو أمر إن وقع فإن تداعياته قد تنقل المنطقة إلى حالة مختلفة لا أحد يدري إلى أين يمكن أن تصل.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن