أخبار الآن | عمان – الأردن
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران في حزيران يونيو القادم لاختيار رئيس يخلف الرئيس حسن روحاني بدأ الطامحون إلى المنصب نشاطهم الانتخابي بصورة مبكرة. إلا أن الحماس العام للانتخابات ضعيف جدا بسبب مشاعر الاستياء التي تسود الأوساط الشعبية نتيجة الأداء الضعيف لإدارة روحاني. ومع ازدياد الفقر في المجتمع الإيراني الذي يكاد يصل إلى خمسين في المئة من السكان وتواصل الغلاء وانهيار العملة الوطنية وارتفاع نسبة التضخم وإعادة فرض بعض العقوبات الأميركية يزداد الشعور باليأس من أي إصلاح حقيقي. وقد زاد تفشي كورونا وارتفاع أعداد الوفيات بصورة كبيرة من هذا اليأس.
في الشهور القادمة التي تفصلنا عن انتخابات الرئاسة قد تتغير الأحوال وتتبدل. لكن تصريحات المرشد عن شخصية الرئيس القادم بانه يجب أن يكون ثوريا وفتيا لن يوقف احتدام التنافس الشديد بين مختلف التيارات والشخصيات التي تتصارع على الساحة الإيرانية.
يعمل المتشددون على استفزاز أعداء الخارج لإحراج أعداء الداخل فعملوا على إفشال سياسة روحاني التصالحية حيال جيران إيران. كما لو كان المتشددون يرغبون بان تبقى الظروف الداخلية على ما هي عليه وهي ظروف لا تسر أحدا لكنها تخدم مصالحهم. فالمحافظون والحرس الثوري يريدون الحفاظ على إمبراطوريتهم الاقتصادية التي بنوها عبر سنوات بالسيطرة على قطاعات هامة من الاقتصاد الإيراني ويستغلونها كأداة سياسية.
في إحدى المرات شكك قائد الحرس الثوري في إخلاص الرئيس حسن روحاني للجمهورية الإسلامية وقام الحرس بتقويض محاولات روحاني للوصول إلى تسوية مع الغرب وفي أشد مراحل التفاوض حساسية قام الحرس بإجراء مناورات بحرية تحرش خلالها بالأسطول الأميركي ثم سرب بعض تفاصيل التفاوض التي دعمت موقف المعارضين للاتفاق. ويرى متابعون للمشهد الإيراني إن المرشد يقوم بإذكاء نار الخصومة بين الحرس الثوري وروحاني لأن هذا الصراع المحتدم يساهم في تعزيز نفوذه ومكانته وصلاحياته وسيطرته.
ثمة شلل يكاد يصيب العلاقة بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة البرلمان بسبب الخلافات والتلاسن بين الرئيس روحاني ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وقد بلغ الخلاف ذروته عندما رفض روحاني الاجتماع الدوري التنسيقي مع رئيس البرلمان لأن الأخير زار مستشفى يعالج فيه مصابون بفيروس كورونا خشية انتقال عدوى الفايروس إليه وشبه روحاني قاليباف بمن يقف وسط السيل العارم ويتهم الآخرين بالجبن. كما يتهم أنصار روحاني قاليباف بأنه لا يملك أي إنجازات سوى وصوله إلى البرلمان وكل ما يقوم به أنصاره هناك هو انتقاد الرئيس روحاني. واتهموه أيضا بمحاولات كسب الشعبوية تمهيدا للانتخابات الرئاسية في الوقت الذي يحاول فيه إعلام البرلمان إظهار رئيسه بالزعيم الشعبي الذي يحاور البسطاء الذين يشكون له نقص الخدمات ونقص الأدوية ويتهمون المسؤولين بالاختباء في مكاتبهم وبأنهم لا نفع منهم وجبناء.
أما روحاني الذي يعتبر من قبل أنصاره وخصومه على السواء بانه سياسي محنك وبرغم ما حقق من إنجازات في المناصب التي تولاها في الماضي لكنه الآن محاصر من المرشد ومن الحرس الثوري ومن رئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ومن باقي المتشددين الذين يريدون أضعاف نهجه وإسقاط تياره.
يتعرض روحاني لضغوط كبيرة من الجمهور الإيراني نفسه ومن المتشددين على وجه الخصوص بسبب إدارته لملف الكورونا، ويرد روحاني بالقول نحن الآن نواجه حربا ومن يقول إن هناك أخطاءً وعيوبا فليخبرنا هو أولا عن إنجازاته وإنجازات حزبه وأنصاره.
في هذه الأجواء بدأت ملامح المرشحين بالظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التابعة للتيارات السياسية. وبدأ التيار الإصلاحي يلمح إلى مرشحين بعينهم وإن كانوا يعلنون عن أنفسهم بصفة مستقلين. من هؤلاء حسن الخميني حفيد آية الله الخميني الذي ترشح عام ألفين وستة عشر لكن مجلس صيانة الدستور رفض طلبه.
أما هذه المرة فالخميني الحفيد البالغ من العمر سبعة وأربعين عاما يحظى بدعم عدد من رجال الدين البارزين فهو مدرس في معهد ديني ويعمل سادناً لمرقد الخميني ومعروف عنه توجهه الإصلاحي وقربه من الرئيس الأسبق محمد خاتمي.
مرشح آخر قد يدخل على خط الانتخابات بصفة مستقل وان كان يميل للإصلاحيين هو علي لاريجاني. في أواخر التسعينات كان محسوبا على المحافظين لكن السياسة بدلته. وفي عام ألفين وخمسة اختلف لاريجاني مع الرئيس نجاد الذي أقصاه عن مجلس الأمن القومي. وهو الآن على علاقة جيدة مع الرئيس روحاني.
من بين الإصلاحيين أيضا محسن هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس مدينة طهران وهو نجل الرئيس الأسبق علي هاشمي رفسنجاني لكن فرصته لا تبدو قوية. ولأنه نجل رفسنجاني قد لا يخدم توجهاته السياسية لان أنصار رفسنجاني الأب فقدوا نفوذهم وفقدوا ميزة قربهم من المرشد.
أما الذين يعملون في الدائرة المقربة من الرئيس روحاني فأبرزهم وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف وان كان أعلن أنه لا يرغب بالترشح لكن مفاجآت السياسة لا حدود لها.
وإذا ما أردنا تطبيق رؤية المرشد بضرورة انتخاب شخصية ثورية وفتية فإن وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في حكومة روحاني محمد جواد أزاري جهرومي البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما يسوق نفسه على انه هذه الشخصية. ولكن هل يمكن لشاب في مثل عمره أن يقود إيران في هذه الظروف؟ قد يستقطب الناخبين الشباب لكن هذا لا يكفي. فهذا الوزير الشاب المغرم بوسائل التواصل الاجتماعي يتعرض منذ مدة لهجمات المتشددين سواء في البرلمان أو الصحافة.
أما مرشحو التيار المحافظ من المتشددين فأبرزهم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وهو يحظى بدعم المرشد لكنه يواجه إشكالية دستورية قد تعيق ترشحه لأنه رئيس إحدى السلطات الرئيسية.
والثاني برويز فتاح رئيس منظمة المستضعفين وهي من أهم المؤسسات الإنمائية والمالية العملاقة التابعة للحرس الثوري وهذا ما قد يجعله يتمتع بإسناد قوي من الحرس. وقد بدأ فتاح حملته مبكرا بالتجوال على معظم مشروعات مؤسسته. وقد سبق له أن خاض انتخابات الرئاسة ضد روحاني في العام 2016 لكنه انسحب قبل بدء الجولة الثانية من التصويت. يصفه البعض بانه نسخة جديدة من الرئيس الأسبق محمود احمدينجاد.
وقبل وضوح الصورة واقتراب الموعد المناسب لاشتداد الحملة الانتخابية ترى بعض الأوساط الإيرانية أن الرئيس الأسبق محمد احمدينجاد قد يكون أحد المرشحين البارزين. فهل سيقبل به مجلس صيانة الدستور والحرس الثوري والمرشد؟ هذا القبول غير واضح حتى الآن لكن نجاد بدأ يسوق نفسه على انه البديل الأفضل خاصة وانه يتمتع بدعم كثيرين من أعضاء البرلمان.
يعتمد نجاد الذي يعتبره سياسيون إيرانيون سياسيا من الدرجة الثالثة على عواطف الإيرانيين. فالشعب المستاء من إدارة روحاني يشتاق لمرحلة نجاد مع أنها لم تكن فترة ازدهار بل شهدت انتفاضة هائلة ضد فوزه لفترة ثانية في حزيران 2009 ولم تهدأ الانتفاضة إلا بعد قمع شديد سالت فيه دماء كثيرة.
الحملة الانتخابية للرئاسة في إيران بدأت قبل أن تبدأ رسميا والشعب الإيراني يبدو غير مهتم أساسا بمن يأتي ومن يذهب، ويقدر خبراء أن المشاركة في الاقتراع قد تكون الأقل في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية. فلم يعد الإصلاحيون بشعارات التنمية والتطوير يجذبون أحدا كما لم يعد المحافظون بتركيزهم على الانغلاق والايدلوجيا يجذبون أحدا أيضا. وقد سبق للمتظاهرين في إيران أن هتفوا:
أيها الإصلاحيون، أيها المحافظون: انتهى زمانكم!
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن