أخبار الآن | عمان – الأردن
لا تبدو الأجواء الإقليمية والعالمية مواتية لإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني لأجل التوصل إلى اتفاق تكميلي خصوصا مع انشغال الجانبين الأميركي والإيراني بتداعيات جائحة كورونا وانتخابات الرئاسة في أميركا ومرض الرئيس ترامب. ولكن غالبا ما يأتي الانفراج بعد أن تصل الأمور إلى طريق مسدود.
تريد الولايات المتحدة من إيران التزاما واضحا بالتخلي عن البرنامج النووي وهذا يتم من خلال اتفاق تكميلي بحسب الشروط الأميركية، والمطلب الثاني هو تخلي إيران عن دعم أنصارها واتباعها في المنطقة (لإرضاء وتطمين دول الجوار). ومهما كانت صعوبة هذين المطلبين على إيران الأيدولوجية فإنها قد تقبل بهما سرا مقابل تحصيل ما هو أفضل: رفع العقوبات ورفع الحظر وفتح الأسواق وتصدير النفط.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية هدأ التصعيد الأميركي وتزامن مع تسريبات صحفية عن وساطة عُمانية لإحياء تفاهم أميركي إيراني. وقد سبق لسلطنة عمان أن كانت وسيطا ناجحا بين الجانبين أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
لقد وعد الرئيس ترامب بانتهاج سياسة جديدة في العلاقات مع إيران إذا ما أعيد انتخابه. وقد ردت إيران بانها لن تتفاوض إلا إذا التزمت واشنطن بالاتفاق النووي. لكن على ارض الواقع تبدو العلاقات الإيرانية الأميركية الآن محل نقاش وإعادة نظر. فلا يمكن للعداء أن يكون دائما. ويرى خبراء في العلاقات الأميركية الإيرانية أن هذه العلاقات ستشهد تغييرا بشكل أو بآخر بعد الانتخابات الأميركية.
ومن الممكن ملاحظة بعض مظاهر بناء الثقة بين البلدين تمثلت في امتناع إيران عن التوسع في الانتقام لمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس.
كذلك وافقت إيران على اختيار رئيس وزراء عراقي معروف بعلاقاته الإيجابية مع الولايات المتحدة. ثم وافقت تفتيش منشآتها النووية. كما سبق أن أعلنت عدم انسحابها من الاتفاق النووي.
التسريبات عن وساطة عمانية جديدة تدعمها سوابق أدت إلى نتائج إيجابية، كما تدعمها وقائع. في التاسع والعشرين من الشهر الماضي قدم السفير العماني الجديد أوراق اعتماده إلى الرئيس الإيراني. ومع أن اللقاء كان مناسبة بروتوكولية لكنه كان مهما بصورة أو بأخرى. فالعلاقات الإيرانية العُمانية حسبما وصفها الرئيس روحاني وكما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية “تقوم على حسن الجوار والمودة والأخوة وهي علاقات تتجه نحو التوسع في كل المجالات التي تهم البلدين وإيران مهتمة بهذا التوسع”. وقبل ذلك بثلاثة أسابيع هاتف الرئيس الإيراني سلطان عُمان لمناقشة مستجدات العلاقات الثنائية والأمن الإقليمي.
العلاقات العمانية الإيرانية جيدة ومستقرة منذ عقود وقد زار سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد إيران في العام ألفين وثلاثة عشر مع بداية الوساطة العمانية لإنجاز الاتفاق النووي. ويبدو أن الدور العماني في الوساطة الجديدة ليس جديدا تماما وربما بدأ منذ أواخر العام ألفين وتسعة عشر عندما زار وزير الخارجية العماني آنذاك يوسف بن علوي عبد الله طهران. ومع أن تفاصيل الزيارة لم تعلن لكن التقدير كان أنها تناولت وساطة محتملة تقوم بها السلطنة بين إيران وأميركا خصوصا أن السلطان قابوس تلقى قبل الزيارة ببضعة أيام اتصالا مهما من وزير الخارجية الأميركي. لكن مرض السلطان قابوس ومن ثم وفاته أوائل العام الحالي تسبب في تأخير جهود الوساطة لكنها لم تتوقف. ومع تعيين وزير الخارجية العماني الجديد بدر البوسعيدي وقد كان أمينا عاما للخارجية العمانية ومشاركا فاعلا في جهود الوساطة السابقة تستأنف سلطنة عُمان دورها الإيجابي حتى لا تحترق مياه الخليج في صراع لا طائل من ورائه.
وفي اليوم التالي لتقديم السفير الإيراني الجديد في عمان أوراق اعتماده لوزير الخارجية تلقى الوزير العماني رسالة خطية من نظيره الإيراني ولكن لم ينشر مضمونها وان كانت التوقعات بانها تناولت الدور العماني في الوساطة مع واشنطن. فالدبلوماسية العمانية تتمتع على الدوام باحترام خاص في كل من طهران وواشنطن وهذا ما يسر جهود الوساطة السابقة وسيسهل الوساطة القادمة لو تمت.
يعتبر كثيرون أن إيران مصدر خطر في الشرق الأوسط وهي كذلك بالفعل في حال تركت تصول وتجول. ولان حربا مفتوحة ضد إيران ليست خيارا حكيما ولن تأتي بأي نتائج إيجابية فإن الحل يكون باحتوائها وترويضها وربما في إعطائها مساحة من الحركة والنفوذ وهذا لن يكون غريبا على الإدارة الأميركية التي تتميز بسياستها البراغماتية الباحثة عن مصلحتها.
إذا ما فاز ترامب بالرئاسة فإنه سيكون بحاجة إلى مقاربة جديدة ومختلفة في التعامل مع إيران، فالسياسة الأميركية السابقة لم تعد مثمرة. سيكون عليه تنفيذ وعوده الانتخابية بسحب المزيد من القوات الأميركية من العراق وأفغانستان وربما من بعض المناطق الأخرى. وهذا سيرضي إيران وربما يدفعها لتقديم بعض التنازلات.
مطلب إيران الرئيسي هو خروج أميركا من المنطقة. وتدرك إيران أن هذا المطلب إن كان ممكنا في العراق وأفغانستان فانه ليس كذلك في مناطق أخرى ولذلك فإنها سترضى بالوجود الأميركي التقليدي مع انسحابات جزئية مبرمجة مسبقا في أجندة الإدارة الأميركية لتبدو أمام شعبها وكأنها حققت بعض مطالبها.
تعاني إيران من نقاط ضعف عديدة ستجبرها على القبول بالتفاوض مع الولايات المتحدة. من هذه النقاط الصراع الخفي بين تيار الإصلاحيين المعتدلين وتيار المتشددين ومعركة خلافة المرشد التي مازالت باردة نسبيا لكنها قد تتحول إلى معركة ساخنة في أي وقت. كذلك معاناة إيران من نقص السيولة وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتداعيات جائحة كورونا.
السيناريو المحتمل ي حال نجاح الوساطة العمانية هو مزيد من الانسحابات الأميركية، وتخفيف الحظر ورفع العقوبات والإفراج عن باقي أرصدة إيران وتعديل على الاتفاق النووي يحفظ ماء الوجه للطرفين وبعد ذلك إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
لكن هذا يُلزم إيران بوقف تهديد جيرانها ووقف محاولات تصدير الثورة ووقف دعمها لاتباعها في اليمن وغزة ولبنان وأفغانستان والعراق. وعلى الصعيد الداخلي منح شعبها المزيد من الحريات وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.
يتطلع الشعب الإيراني إلى منقذ ومخلص ويستطيع الرئيس حسن روحاني وهو من رموز الاعتدال والإصلاح أن يكون هذا المنقذ إذا استطاع فيما تبقى من فترته الرئاسية التي تمتد إلى الصيف القادم ضبط الساحة المحلية وإقناع القيادات الإيرانية بضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة مجددا.
أما إذا خرج الرئيس روحاني من الرئاسة ولم ينجح في استعادة زمام المبادرة والتفكير بجعل مستقبل الشعب الإيراني أولوية قبل أولوية مستقبل النظام فان البلاد قد تسقط في منحدر عميق من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية وهذا قد يقود إلى انتفاضة لن يتمكن بطش الحرس الثوري من إسكاتها وقد تغير وجه إيران إلى الأبد.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن