أخبار الآن | عمان – الأردن
كان لافتا في كلمة الملك عبد الله الثاني في القمة الثلاثية الأردنية المصرية العراقية الشهر الماضي في عمان حديث الملك عن ضرورة الانتباه للأمن الغذائي في العام القادم الذي وصفه بالتحدي الأكبر الذي يستدعي توحيد الجهود والتفكير بحلول غير تقليدية. تحديد (العام القادم) له دلالته أيضا فهذا معناه أن الخطر داهم والمحذور قريب.
يعني الأمن الغذائي توفر الغذاء بكميات وافية يسهل الوصول إليها من قبل كل الناس في كل الأوقات. حتى لو توفر الطعام ولم يكن سهلا الوصول إليه فهناك ثمة مشكلة أمن غذائي. لكن الأمن الغذائي لا يعني فقط الغذاء وحده وإنما الغذاء والماء. ولذلك فان شحة المياه في المشرق العربي والجفاف والضغط الاستهلاكي على موارد المياه وتدني كفاءة الاستخدام وتحكم الدول المجاورة في مصادر المياه العربية كل ذلك تشكل عوامل ضاغطة قد ينتج عنها أزمة غذاء وبالتالي مشكلة أمن غذائي.
مع الطفرة النفطية لم تأبه الدول العربية إلى مشكلة الغذاء وربما اعتقدت أن وفرة البترودولار سيتيح لها شراء غذائها إلى الأبد ويعفيها من الزراعة فضاعت الأراضي الزراعية بالزحف العمراني. والان بات من الواضح أن الأمن الغذائي العربي مشكلة بلغت قمة القضايا الجديرة بالعمل المشترك والتنسيق التكاملي بين الدول العربية. فالعجز الغذائي لا يتناسب مع الإمكانات الكبيرة المتوفرة في البلدان العربية.
كذلك فإن الأمن الغذائي مهدد بعامل آخر هو الهدر والفاقد من المواد الغذائية. ولهذا تحذر منظمة الأغذية والزراعة الدولية الفاو على الدوام من مشكلتي الهدر والفاقد حيث تضيع كميات هائلة من الغذاء تسبب ارتفاعات في الأسعار جراء سوء الإدارة وسوء التوزيع. فالحد من فواقد الأغذية سيسهم في تحسين الأمن الغذائي وتفادي المجاعات. ويهدر العالم ما قيمته ألف مليار دولار من الغذاء سنويا يشكلون ما حجمه 1300 مليون طن من الطعام وهو ثلث الإنتاج العالمي. وللأسف تتصدر الدول العربية بسبب العادات الاجتماعية قائمة الدول الأكثر هدرا للطعام. ومن بين خمسة وعشرين دولة يمثل سكانها ثلثي سكان العالم هناك أربع دول عربية.
يعتبر الأمن الغذائي رديفا للأمن الوطني. فاضطراب الأمن الغذائي سيؤدي بالضرورة إلى اضطراب الأمن الوطني وبالتالي انتشار أعمال العنف. ومن دروس التاريخ أن المجاعات ونقص الغذاء وصعوبة الوصول إليه كلها أسباب تؤدي إلى الثورات الشعبية التي تهز الدول والممالك.
أسباب عديدة تقف وراء اضطراب الأمن الغذائي. وقد بدأت ملامح ذلك الاضطراب الذي ينذر بنقص ملموس في الغذاء مع استمرار تأثير التغير المناخي الذي أدى إلى الجفاف وهذا أدى إلى نقصان الإنتاج الزراعي. ومنذ ذلك الوقت حذرت منظمة الأغذية والزراعة الدولية من أن العالم مقبل على أزمة غذائية حادة. وقد بدأت ملامحها عامي 2010/2011 وأثارت فزع العالم. فقد شهد العالم ارتفاعا شديدا في أسعار المواد الغذائية وتلا ذلك العديد من الاضطرابات والثورات الشعبية. ولم تكن البلدان العربية بعيدة عن ذلك.
من الطبيعي انه بعد جائحة كورونا والإغلاقات التي حصلت في كل أنحاء العالم أن يتأثر الاقتصاد العالمي وينتج نقص في الغذاء سيؤدي وفق تقديرات الأمم المتحدة إلى مجاعات كبرى. ومعظم الدول النامية والفقيرة ما زالت تعتمد على الاستيراد وهذا سيجعل من مشكلة الأمن الغذائي لديها مشكلة مستعصية وعميقة.
تتجه أنظار العالم إلى أفريقيا باعتبارها سلة غذاء العالم من أجل العمل على زيادة استصلاح الأراضي الزراعية والقيام باستثمارات مشتركة تؤدي إلى زيادة إنتاج الغذاء. ولا بد أن تأخذ الزراعة الأولوية في مشروعات التنمية والاستثمار من اجل تفادي الكارثة. وتجذب أفريقيا بأرضها الخصبة ومياه أنهارها وعمالتها الزراعية الرخيصة المستثمرين. لكن الاستثمار في أراضي أفريقيا الزراعية ليس أمرا سهلا من حيث النتائج السياسية والأمنية المتوقعة.
منذ حوالي خمس عشرة سنة لجأت العديد من الدول الغنية إلى استئجار مئات الألوف من الهكتارات من الأراضي الزراعية في أفريقيا وجنوب آسيا وبعض دول أميركا الجنوبية لمدد طويلة تصل إلى تسع وتسعين سنة لزراعتها والاستفادة من منتوجاتها. لكن بعض الخبراء يرون أن هذه ليست الطريقة المثلى لحل مشكلة نقص الغذاء. وبرغم أنها طريقة توفر فرص عمل للسكان المحليين وتزيد من الإنتاج لكنها تظل في رأي بعض الخبراء منافية لحقوق الإنسان وتوصف بانها سرقة في وضح النهار وتوصف أحيانا بانها استعمار جديد.
معظم الدول التي تقوم أنظمتها بتأجير أراضيها الزراعية إلى الدول الغنية تعاني أصلا من مشكلة نقص الغذاء ومرشحة للمعاناة من المجاعة إذا ما استمرت الأحوال كما هي. ولذلك فقد تثور تلك الشعوب على أنظمتها أو على المزارع التي تنتج لشعوب أخرى وهذا معناه انهيار فكرة وجود مصادر غذاء دائمة عبر استئجار الأراضي الزراعية في الخارج.
الزراعة العربية بصورة عامة تعتمد على الأمطار وهذا الاعتماد مع ضيق الرقعة الصالحة للزراعة يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأرض إلى ما دون المعدلات العالمية. وبرغم أن معظم سكان المنطقة العربية هم من الأرياف إلا انهم بعيدون عن العمل الزراعي المنتظم.
في العالم العربي وخصوصا دول المشرق تعاني الزراعة من مشكلات عميقة وهذه الدول مرشحة للمعاناة من نقص الغذاء قبل غيرها من الدول. وبرغم تمتع هذه المنطقة بالتربة الخصبة وموارد المياه إلا أن أراضيها غير مستغلة بصورة صحيحة.
لماذا الخوف على الأمن الغذائي ومصر فيها النيل والعراق فيه دجلة والفرات؟ الواقع أن الدول العربية برغم ذلك تعد فقيرة مائيا كما أن أكثر من ستين في المئة من موارد المياه العربية منابعها في أراضي الغير. ويشكل نقص المياه في المنطقة العربية عاملا آخر أساسيا قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة نقص الغذاء. لكن هذه المشكلة يمكن حلها عبر تقنية تحلية مياه البحر لأن الكثير من البلدان العربية لها شواطئ واسعة ويمكنها استخدام التحلية لتوفير مياه لري المزروعات.
ما يواجهه الأمن الغذائي العربي من مخاطر يستحق النظر إليه بجدية. والتكامل العربي عبر التعاون الثنائي أمر مطلوب وضروري للمساهمة في تفادي مشكلات الأمن الغذائي. والخطوة الأهم هي العودة إلى الأرض والاهتمام بالزراعة بصورة أكثر جدية. وما لم يكن الشعب العربي مشارك حقيقي في العمل الزراعي فإن المنطقة العربية ستكون الأكثر عرضة في المستقبل القريب للمعاناة من نقص الغذاء ثم المجاعة. ولا بد من قمة عربية تخصص لبحث الأمن الغذائي فالعالم الآن تغير وإن لم تهتم الأقطار العربية بشؤونها الخاصة بنفسها فلن يلتفت إليها العالم الذي سيكون أكثر انشغالا بمشاكله وشؤونه.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.