أخبار الآن | عمان – الأردن ( مقال رأي)
في حزيران من العام ألفين وسبعة سيطرت حركة حماس على قطاع غزة وأخرجت منه قوات الأمن الفلسطينية الرسمية وفرضت حكمها. وقد كان للدعم الإيراني المباشر لحركة حماس أثر مهم في تحقيق ذلك. فالعلاقات بين إيران وحركة حماس بدأت تتعزز بعد المؤتمر الذي أقيم لدعم الانتفاضة الفلسطينية ومن ثم افتتحت حماس مكتبا لها في طهران لتنسيق مختلف جوانب تلك العلاقات. وكانت إيران تعامل حماس وكأنها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كان قائد فيلق القدس قاسم سليماني هو مهندس العلاقات بين حماس وطهران. وكذلك بين حركة الجهاد الإسلامي وطهران. وكانت منوطة بفيلق القدس مهمة التعامل مع الحركات والقوى العسكرية خارج إيران لكي تشكل ذراعا عسكريا لها. وقد تميزت علاقات سليماني مع حركة الجهاد بانها أوثق وأعمق وهذا ظهر في بيان النعي الذي نشرته الجهاد بعد مقتل سليماني أوائل العام الحالي.
العلاقة المتميزة بين إيران وكل من حركة الجهاد الإسلامي والجناح العسكري لحركة حماس فتح ساحة غزة على مصراعيها للنشاط الإيراني. ويرى بعض المحللين أن حجم الدعم الإيراني للجهتين يتناسب طرديا مع الخدمات التي تقدمانها لإيران وخصوصا فيما يتعلق بتحركات الجيش الإسرائيلي ومواقع مخازن الصواريخ الإسرائيلية.
في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد سقوط نظام محمد مرسي في القاهرة ضعف موقف حماس فعملت على استعادة علاقاتها مع إيران. وردت إيران بتعزيز وزيادة دعمها المالي والعسكري لكتائب القسام وهي الجناح العسكري لحركة حماس. فتور العلاقة وجمودها وانقطاع الدعم خلال سنوات انقطاع العلاقة بين الجانبين أدى إلى إعاقة قوة حماس في قطاع غزة. لكن ممثل كتائب القسام في المكتب السياسي لحركة حماس يحي السنوار الذي أصبح القائد الجديد للحركة هو الذي رتب لإعادة علاقات الحركة مع إيران في العام 2017 وقد أعلن أن إيران هي الداعم الأكبر ماليا وعسكريا لها.
كذلك كانت جنازة قاسم سليماني فرصة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ليؤكد من جديد على عمق العلاقة التي تربط الحركة. وقد اعترف الناطق الرسمي باسم كتائب القسام الملقب بأبي عبيدة أكثر من مرة بان جماعته تلقت الدعم العسكري من إيران.
يرى المؤيدون لتعزيز العلاقات بين إيران وحماس أن هذا التحالف يمثل ضرورة. ولكن هل هو ضرورة لإيران أم ضرورة لحماس؟
تبدو هذه العلاقات أكثر ضرورة لإيران وليس لغزة أو أهل غزة. ويرى اللواء المتقاعد مروان العمد أن ما يهم إيران هو “أن يكون لها موطئ قدم في قطاع غزة وفي القضية الفلسطينية بشكل عام حتى تظهر نفسها الطرف المساند لهذه القضية والداعم لها من غير أن تقوم هي نفسها بأي عمل مباشر لخدمة القضية الفلسطينية”. ويضيف اللواء العمد في حديث خاص حول هذا الموضوع “أن إنشاء موطىء قدم إيراني على الأرض الفلسطينية لا يتحقق إلا من خلال دعم سيطرة حماس على قطاع غزة وهذه السيطرة لا تتم إلا بالدعم العسكري بحيث لا تتمكن القوى الفلسطينية الأخرى في القطاع من الانقلاب عليها ونزع سيطرتها عليه”.
من الواضح أن إيران تستغل حماس والقسام والجهاد لمد نفوذها إلى الشرق الأوسط لإحكام سيطرتها بعد أن توسع نفوذها في العراق وسوريا ولبنان. فهي تريد الاعتماد على أصدقائها وحلفائها لدعمها عسكريا في حال وقوع المجابهة التي تخشاها سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
تدرك حماس الآن وكذلك الجهاد بأنهما لا تستطيعان الاستغناء عن الدعم الإيراني سواء المالي أو العسكري لأنه ببساطة لا يمكن تعويض هذا الدعم من أي جهة أخرى. السبب في ذلك أن إيران هي المزود الأول بالسلاح والخبرات والمال للحركتين وبالتالي صار هذا الدعم ضرورة استراتيجية لهما. الدول العربية في معظمها تنظر بريبة إلى هذه العلاقة التي لا يمكن أن تجعل الحركتين مستقلتين في مواقفهما وقراراتهما.
بطبيعة الحال يعاني قطاع غزة من حالة فقر شديد وانعدام الموارد وقد يكون من الطبيعي أن تسعى الحركة لتلقي المساعدات الخارجية من أي جهة تقدمها. لكن الأمر المحير هو لماذا لا تقدم إيران مساعدات غير عسكرية؟ ولماذا لا تقوم حماس بطلب مثل هذه المساعدات؟ مثل تمويل تعليم الطلبة أو بناء المستشفيات واستكمال البنية التحتية. أو حتى لدفع الرواتب؟ ففي شهر يونيو أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف موظف لم يتسلموا رواتبهم.
يرى اللواء مروان العمد أنه “ليس من مصلحة حماس الحصول على مساعدات في المجالات الإنسانية والتعليمية في القطاع لأنه في حال توفرها وتحسن هذه الأوضاع في القطاع فإن من شأن ذلك أن يفقد هذه الحركة سلاح المظلومية والحصار المفروض عليها والذي تستغله من أجل الحصول على مساعدات مالية من الدول المانحة يذهب معظمه إلى غير ما منح من أجله”.
يرى مختصون في الشؤون الإيرانية أن إيران ترسل المساعدات العسكرية إلى كتائب القسام والى حركة الجهاد لكي تُبقي على التوتر قائما في القطاع ولكي يظل الفلسطينيون هناك في حالة احتياج دائم لدعمها. اللواء العمد يرى أن “كتائب القسام وكذلك حركة الجهاد تحتاجان إلى الأسلحة الإيرانية لافتعال اشتباكات بين الحين والآخر مع قوات الاحتلال، ومن خلال هذه الاشتباكات تروج لنفسها وتعزز مكانتها وتثبت أقدامها وتفرض سيطرتها وتقوي موقفها في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطينية”.
استمرار الدعم العسكري الإيراني من شأنه إدامة سيطرة حماس والجهاد على القطاع وبالتالي إعاقة تحقيق الوحدة الفلسطينية وهذا ما يقدم المبرر لإسرائيل لمزيد من التعنت في مفاوضات السلام وإفشال الوصول إلى تسوية تعيد الحقوق الفلسطينية وتنقذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي المحتلة.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن
اقرأ المزيد: