أخبار الآن | عمان – الأردن (مقال رأي)

قد يكون من المبكر تصديق الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني الذي تحدث عن نجاح إيران في دخول مصاف الدول الفضائية بإطلاق القمر الصناعي نور واحد للأغراض العسكرية وجمع المعلومات الاستخبارية وتامين الاتصالات لتحركات الحرس الثوري.

تم إطلاق القمر الصناعي نور واحد على متن صاروخ بالستي من صحراء شهرود شمال غربي إيران يوم الأربعاء الماضي ونشرت إيران فيديو يوضح عملية الإطلاق التي رصدتها أيضا الولايات المتحدة. وقالت إيران أن القمر وصل مداره على ارتفاع أربعمئة وخمسة وعشرين كيلومترا وبدأ يقوم بمهامه وصار العالم تحت نظر إيران ويمكنها الآن مراقبته من الفضاء.

لكن بالنظر إلى تجارب إيران السابقة في المجال الفضائي حيث أخفقت أكثر من محاولة في السابق لإطلاق أقمار صناعية إلى المدار منها واحدة في فبراير الماضي والأخرى في أغسطس عام 2019 ينظر البعض بتشكيك إلى هذا الإطلاق ويرون أنه مجرد محاولة في تحدي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

هذا التحدي الإيراني للولايات المتحدة سبقه تحدي آخر في مياه الخليج عندما طاف أحد عشر زورقا إيرانيا بالسفن الأميركية مما استدعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإصدار تعليماته إلى البحرية الأميركية بتدمير أي زورق إيراني يقترب من سفن الأسطول الأميركي مهددا بأن إيران ستدفع ثمنا كبيرا لتصرفاتها.

موقف الرئيس ترامب وجد تأييدا من البنتاغون الذي رأى أيضا أن القمر الإيراني يعد تحديا غير مقبول وتصرفا استفزازيا لجيران إيران.  وترى الولايات المتحدة أن طموحات إيران في مجال الفضاء يعني ببساطة قدرتها على استخدام تكنولوجيا الصواريخ في تطوير أسلحة غير تقليدية يمكنها أن تهدد جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولذلك قررت واشنطن أن تحيل قضية القمر الإيراني إلى مجلس الأمن لأنها ترى في هذا التحدي الإيراني خرقا لقرار سابق لمجلس الأمن كان قد صدر في العام 2015 ومهد في حينه للاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.

وفي إيران وبعناوين ملحمية انطلقت الصحف الموالية للنظام كما هو متوقع تعلن عن القمر الصناعي العسكري وتقول إن إيران أصبحت في حالة توازن مع الولايات المتحدة وصارت قادرة على إرسال صواريخ بالستية عابرة للقارات. تريد إيران أن توصل رسالة للولايات المتحدة مفادها أن العقوبات لا تؤثر عليها وأن لديها الإمكانيات للتحدي والانتصار على العقوبات. ويبدو أنها تتعامل الآن بطريقة الأرض المحروقة حيث لم يعد لديها ما تخسره في أي مواجهة.

وقد جاء إطلاق القمر الصناعي بعد إعلان الحرس الثوري انه اختبر صواريخ مضادة للسفن مداها سبعمئة كيلومتر وطائرات مسيرة يلغ مداها ألفا وخمسمئة كيلومتر ويمكن تزويدها بصواريخ مضادة للدبابات.

لا شك أن إيران العميقة تدرك أن كل أشكال التحدي الذي تعلن عنه في صحافتها ليس إلا عملا دعائيا هدفه رفع معنويات الإيرانيين الذين ذاقوا المر من نظام الملالي. وبوجه خاص في هذه الأيام حيث يستفحل فايروس الكورونا بأكثر من تسعين ألف إصابة وخمسة آلاف وفاة مما يضع إيران ضمن أكثر عشر دول تأثرا بالوباء. وفي الوقت الذي رفضت فيه الولايات المتحدة تخفيف العقوبات عن إيران وحرضت البنك الدولي على رفض إعطائها قرضا بخمسة مليارات دولار لمعالجة تداعيات الوباء فإن إطلاق هذا القمر وتعظيم الأخبار المتعلقة به في الصحافة الموالية للنظام جاء ليعزز سمعة النظام وبالأخص سمعة الحرس الثوري الذي يقود حاليا إدارة أزمة الكورونا.

يتدخل الحرس الثوري الآن في كل مناحي الحياة في إيران. فما معنى أن يكون بداية الإعلان عن القمر الصناعي عبر الموقع الإلكتروني للحرس الثوري وينقل عن قائد الحرس قوله إن نجاح إطلاق القمر يمثل إنجازا للحرس الثوري وإضافة نوعية لقوة إيران وقدراتها الدفاعية؟ وما معنى أن الحرس الثوري يعمل منذ زمن على البرنامج الفضائي دون أي تدخل من الدولة الرسمية؟ فهل الحرس وهو بالفعل قوات موازية للجيش وأكثر نفوذا منه أصبح يشكل دولة داخل الدولة الإيرانية؟

كان غريبا أن يرد الحرس الثوري على تغريدة التهديد التي أطلقها ترامب للزوارق الإيرانية بدعوة ترامب لحماية قواته من فايروس كورونا بدلا من إطلاق التهديدات في الوقت الذي يخفق فيه الحرس في إدارة أزمة الفايروس في إيران ويضغط على الرئيس روحاني بفتح طهران للحياة الاعتيادية مما يهدد بعودة قوية للموجة الثانية من الفايروس.

المفارقة الحقيقية تتمثل في أن النظام الإيراني يواصل جهوده العسكرية بدلا من تصحيح مساره في التعامل مع فايروس كورونا. ولأنه نظام شمولي يقوم على الأيديولوجيا فإن صحة مواطنيه آخر ما يهمه. فاطلاق قمر صناعي وتجربة صواريخ بالستية وطائرات مسيرة بتكلفة تصل إلى مئات الملايين من الدولارات يعد استخفافا بحياة الإيرانيين ومعاناتهم وكان يمكن استغلال تلك الملايين لحماية الناس من الوباء بدلا من استجداء قرض من البنك الدولي يقابل بالرفض. وقد شددت المعارضة الإيرانية في صحفها على هذه المسألة وبطريقة ذكية نشرت إحدى صحف المعارضة صور نساء وأطفال يعيشون في حالة بؤس عند مجاري مياه لتظهر الفوارق الهائلة بين الحاجة الحقيقية للشعب الإيراني وما يقوم به الحرس الثوري من إنفاق عسكري كان يمكن تأجيله.

لقد حاول الرئيس حسن روحاني بذل جهوده في إغلاق المدن لحماية السكان لكنه لم يستطع أن يفرض قراره بضغوط خارجة عن إرادته. كذلك حاول الضغط على العالم الغربي لتخفيف العقوبات لكن الولايات المتحدة رفضت النظر في طلباته وربما كان الرفض بسبب معرفة الأميركيين بأن روحاني لا يسيطر على كل مفاصل الحكم في إيران. وتصرفات الحرس الثوري ورجال الدين تظهر كم هو رئيس ضعيف ويبدو أنه بدأ يفقد الكثير من سلطاته.  فالمرشد لم يهنئه على نجاح إطلاق القمر الصناعي بل هنأ قائد الحرس الثوري وأثنى على جهوده ولم يشر إلى الرئيس روحاني.

من الواضح أن الثيوقراطية العسكرية ابتلعت الدولة الإيرانية. فالحرس الثوري يسيطر بشكل موازي للحيش وربما يسيطر عليه بدعم مباشر من المرشد وله اقتصاده الخاص عبر شركات يديرها أو تدار لحسابه وبات يسيطر على السياسة الخارجية وله أذرع عسكرية ممتدة في الخارج عبر فيلق القدس. والآن بات يسيطر على المشروع الفضائي.

ينظر العالم بقلق إلى تصرفات إيران التي تظهر تحديات لا تصمد في ظل ظروف قاسية من تفشي وباء الكورونا وانهيار أسعار النفط وعقوبات لا يرى أحد أنها ستزول عن كاهلها. ولذلك فلإن التوتر الناجم عن تلك التصرفات سيزيد في الخليج وفي الشرق الأوسط إذ قد تلجأ إيران لحلفائها أو أداوتها لاختلاق مشاكل ومواجهات تخفف الضغط عنها. لكن التساؤل المشروع هو هل تستطيع إيران تحمل رد الفعل الأميركي في حال قرر الرئيس الأميركي تنفيذ تهديداته بالرد القاسي؟

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

اقرأ المزيد:

في إيران اليوم الأولوية هي بقاء النظام