أخبار الآن | عمان – الأردن مقال خاص لـ الفرد عصفور
الفوز التاريخي للقائمة العربية المشتركة في انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين أحدث صدمة عند أوساط اليمين الإسرائيلي. فالقائمة لا تسعى فقط للفوز لكنها تعهدت بإسقاط نتانياهو وحرمانه من تشكيل حكومة جديدة.
كانت هذه المشاركة هي الأولى على هذا المستوى من التنسيق والوحدة بين أربعة أحزاب فلسطينية في الداخل وهو ما أكسب القائمة خمسة عشر مقعدا. لكن أعداد العرب في الكنيست الجديد ستكون سبعة عشر إذ أن هناك بعض المرشحين العرب الذين خاضوا الانتخابات ضمن قوائم اليسار الإسرائيلي.
أحد أسباب الإنجاز الكبير للقائمة المشتركة كان أيضا الإقبال القوي من الناخبين الفلسطينيين الذين شاركوا بنسبة أعلى من المرات السابقة. وقد كان لسياسات اليمين الإسرائيلي المتعلقة بضم الأراضي المحتلة أثرها في تحفيز العرب على المشاركة لصالح القائمة المشتركة. بالنسبة للعرب داخل الخط الأخضر فان الساحة البرلمانية هي ساحة نضالية إعلامية واجتماعية مهمة لها انعكاساتها الإيجابية على المجتمع العربي في إسرائيل.
يأخذ السياسيون الفلسطينيون مشاركتهم في الحياة السياسية ومنها خوض الانتخابات على محمل الجد بهدف إحداث التغيير الذي يخدم الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم بعد النكبة. لكن البعض يرى انه لا يوجد إنجازات حقيقية للنواب العرب في الكنيست وأن إسرائيل تستغل تلك المشاركة لان عدم وجود نواب عرب في الكنيست سيحرج إسرائيل أمام العالم الديمقراطي في الوقت الذي تسوق فيه إسرائيل نفسها على أنها واحة الديمقراطية الحقيقية في الشرق الأوسط.
لكن النواب العرب أنفسهم يرون أن وجودهم وان كان محدودا من حيث العدد إلا انه يشكل تحديا للدولة الإسرائيلية ويمثل النضال من اجل المساواة ونضالا ضد العنصرية وضد الاحتلال بالإضافة إلى كونه نضالا مدنيا من اجل إنجاز خدمات للسكان العرب.
هذه الجرأة في خوض الانتخابات واقتحام ميدان السياسة الإسرائيلية تستند إلى قوة جماهيرية عربية يعتمد عليها المرشحون العرب. فالعرب في إسرائيل يزدادون عددا وبنسبة عالية بات اليمين الإسرائيلي يحسب حسابها. فالميزان الديموغرافي كان هاجسا دائما للدولة العميقة في إسرائيل.
ترغب القائمة المشتركة بدخول حلبة اللعبة السياسية الإسرائيلية ولكن على ما يبدو فان إسرائيل ليست مستعدة بعد لقبولها. وقد كان رد نتانياهو عليها قوله إنها خارج المعادلة السياسية الإسرائيلية.
تحدثت إلى الباحث الفلسطيني نواف الزرو حول مدى تأثير النواب العرب في الكنيست على السياسة الإسرائيلية فقال انهم بالفعل “قد لا يستطيعون التأثير مباشرة في السياسات والقرارات الاستراتيجية ولكن يمكنهم توفير الغطاء لرئيس الحكومة إذا هم أرادوا ذلك كما يمكنهم رفع الغطاء عنه لان لديهم القوة المؤثرة في مثل هذه القضايا التكتيكية”.
لأن عددهم خمسة عشر نائبا فيمكن أن يكون لهم ثقل في السياسة الإسرائيلية وان لم يكن حاسما وقد تجلى هذا الثقل وفق ما يقوله وديع أبو نصار مدير المركز الدولي للاستشارات في حيفا “في ظل حالة الاستقطاب التي تشهدها الحلبة الحزبية في إسرائيل وبالتالي يمكن أن يؤثروا على تشكيل الحكومة بالتوصية إلى رئيس الدولة بتكليف من يرون لرئاسة الحكومة لان هذه التوصية هي حق لكل نائب وبالتأكيد من حق النواب العرب أيضا”.
ويضيف أبو نصار في حديث خاص أجريته معه أن القائمة المشتركة “وإن كانت بالفعل قوة لكن قدرتها على التأثير في الساسة الإسرائيلية حاليا محدودة لسببين أولا لأنها ستبقى كتلة معارضة وبالتالي لن تكون شريكة في صناعة القرار في الدولة وثانيا بسبب معارضة ورفض الأحزاب الدينية السماح للقائمة المشتركة بالمشاركة السياسية الواسعة”.
لكن قادة القائمة يرون أن المستقبل الوحيد لإسرائيل هوة مستقبل مشترك وليس هناك مستقبل من دون مشاركة كاملة ومتساوية للعرب الفلسطينيين في الحياة السياسية ويقولون انه إذا كان اليسار الإسرائيلي يؤمن بان للمواطنين العرب في إسرائيل مكان فيها فيجب أن يقبل بوجود مكان لهم في السياسة أيضا.
يرى النائب احمد الطيبي وهو عضو في القائمة واحد قادة الأحزاب الأربعة المشاركة فيها أن أعداد الفلسطينيين ستكون كبيرة وسيشكلون أغلبية في دولة واحدة ديمقراطية وعلى إسرائيل أن تقبل قواعد اللعبة الجديدة أو أنها ستصبح دولة الفصل العنصري.
فهل يمكن أن يأتي يوم يشكل فيه مواطن عربي فلسطيني الحكومة الإسرائيلية؟
التركيبة السكانية في إسرائيل لها تداعياتها الخطيرة. فإن ضمت إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة وقد بدأت تفعل وفق ما تبنته صفقة القرن فسيكون هناك اختلال في الميزان الديموغرافي لصالح الفلسطينيين وعندها سيكون على إسرائيل أن تختار بين أن تكون دولة ثنائية القومية وديمقراطية لكل السكان أو أن تكون دولة فصل عنصري إن هي لم تقبل أن يكون لأكثر من نصف سكانها حقوق مدنية وسياسية.
فأعداد الفلسطينيين في كامل فلسطين التاريخية أخذت تتجاوز أعداد اليهود ليصبح عدد العرب الإجمالي ستة ملايين وثمانمئة ألف وهو أكثر من عدد اليهود الذي لا يزيد عن ستة ملايين وخمسمئة ألف نسمة.
يخشى اليمين الإسرائيلي من هذا الهاجس. في عام 1987 عقد معهد فان لير في القدس المحتلة ندوة تناولت الصراع الديمغرافي بين العرب واليهود في إسرائيل وتوقع المشاركون أن يصل عربي إلى رئاسة الوزراء خلال خمس عشرة سنة. لكن هذا لم يحدث وقد لا يحدث في المدى المنظور.
عندما خشي أولئك المنظرون من تلك الفكرة كان عدد النواب العرب في الكنيست سبعة متفرقين وقد كان أحدهم منتميا إلى تكتل الليكود اليميني. أما الآن فالأمر مختلف جذريا غذ يشكل النواب العرب ثاني أكبر كتلة في الكنيست بعد الليكود وإذا لم يقدروا أن يؤثروا في تعيين رئيس حكومة جديد هذه المرة فانه سيكون لهم وزن وقوة تأثير في المرات القادمة.
ويرى الباحث الزرو أن العرب الفلسطينيين في إسرائيل “لديهم القدرة على المحافظة على قوتهم الحالية وزيادتها على نحو أفضل لان القوة التمثيلية الحقيقية للناخبين العرب قد تصل إلى عشرين وربما واحد وعشرين نائبا وهذا رقم كبير في الحسابات الإسرائيلية البرلمانية”. وهذا معناه انهم إذا واصلوا العمل بهذه الجدية فانهم وقد يصلون إلى نسبة تمثيلية قوية من عشرين نائبا فان الجسم السياسي الإسرائيلي سيحسب لهم ألف حساب.
التحدي الآن أمام القائمة المشتركة هو أن تترسخ لاعبا سياسيا مقبولا في إسرائيل وان تقدر على خلق الفرص الجديدة لنفسها لكي تؤثر على صناعة القرار الإسرائيلي سواء داخل الكنيست أو خارجه.
مقالات أخرى للكاتب: