أخبار الآن | السويداء – سوريا – (تالا جابر)
تشهد السويداء جنوب سوريا استقطاباتٍ حادة في مؤسستها الدينية، على وقع خسارة النظام لـ"بصرى الشام" على حدودها الغربية مع درعا، وبالتزامن مع مزاعم بتهديدات داعش باجتياحها.
ماذا بعد بصرى
بالنسبة للسويداء فإن ما بعد تحرير بصرى الشام يختلف عن ما قبلها، فقد كشفت أحداثها عن اختلاف في تعاطي أبناء الجبل مع ما جرى، حيث حمّل الموالون مسؤولية سقوط بصرى كنتيجة لتخلف أبنائها عن مؤازرة قوات النظام، وقطع طريق الإمداد الوحيد الباقي للنظام إلى درعا عبر السويداء.
أكثر من ذلك فقد دعا "مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز – يوسف جربوع وحمود الحناوي وحكمت الهجري" إلى الاستعداد بما يشبه النفير العام لكل من "هو قادر على حمل السلاح والوقوف خلف قوات النظام.. والتأطر في وحدات قتالية لمجابهة أي اعتداء على قرى السويداء".
أما الموقف المقابل فأتى على لسان الشيخ وحيد البلعوس الذي يترأس مجموعة "مشايخ الكرامة" بكلامٍ صريحٍ لا لبس فيه حيث قال: "لن نشارك في هذه الحرب غير الوطنية.. إنها حرب طائفية نحن منها براء.. لا مكان للفتنة في حوران السهل والجبل.. ولطالما أعلن أهلنا في سهل حوران أنهم لا ينوون التعدي على الجبل…".
جيش الموحدين
برز البلعوس ومجموعته بداية تحت مسمى "جيش الموحدين"، واستطاعوا وعبر التمسك بشعار "حماية الجبل" وهجوم الصريح على فساد السلطة والأجهزة الأمنية، أن يلامسوا أوجاع أبناء المحافظة، دون أن يعلنوا الاصطفاف إلى جانب "المعارضة" أو مؤازرتهم للثورة.
وبالرغم مما أحدثه البلعوس ومن معه من ضجيجٍ ترافق مع مواجهتهم المباشرة للنظام في أكثر من موقع كان آخرها هدم حاجز للمخابرات الجوية في بلدة المزرعة، إلا أن هناك من يعتبره حالة لكن ليس لها تأثير كبير على عموم سكان الجبل، حسب ما يقول الناشط المعارض سلمان فرهود، الذي لا يرجح أن تتطور هذه الحالة للتحول إلى فعل ثوري وطني لأن كلامه منذ البداية كان واضحاً في حمايته فقط للجبل.
السويداء إلى أين
أما فيما يخص امتناع أبناء الجبل عن مؤازرة النظام في بصرى فيرى فرهود بأنه تطور مهم يأتي نتيجة عدم ثقة الناس بالنظام، ولم يعد لديها استعداد لمعاداة الجيران وهذا نابع من تأثير الرأي العام في المحافظة.
ناشط آخر من السويداء فضل عدم ذكر اسمه يلتقي مع فرهود بأن البلعوس حتى الآن يعبر عن حماية الجبل وليس مؤازرة الثورة لكن مع ذلك تطور هذه الحالة سيكون مرهوناً بتصرفات النظام حيال هذه الظاهرة، وهو ما سيحدد أيضاً مستقبل الجبل، فإن أقدم النظام على ارتكاب أي حماقة كاستخدام العنف المعمم الذي استخدمه منذ بداية الثورة تجاه باقي المحافظات، فهذا سيدفع المحافظة حكماً للانتفاض في وجهه أياً يكن الثمن.
لكن فرهود يبدو جازماً بأن موقف أهالي السويداء الأخير وامتناعهم عن مؤازرة النظام سيكون له ضريبة فالنظام نتيجة تخبطه سيتعامل مع السويداء كما تعامل مع باقي المحافظات لأنها ليست أغلى من بلده أو اهله، وعندها سيكون معظم الناس يدًا واحدة ضده وهذا ما أتوقعه بالقريب العاجل لعدة أسباب وأهمها الوضع الاقتصادي.
يرى ناشطون أن السويداء طيلة الأعوام الأربعة الماضية كانت تتستر بالموالاة للنظام وهناك من حمل السلاح إلى جانب النظام فقط لأهدافٍ مادية ودليلهم على ذلك أن عددًا من عناصر الدفاع الوطني في العديد من البلدات تركوا سلاحهم ومواقعهم عندما امتنع النظام عن تسليمهم رواتبهم، ما يعني أن المياه التي تبدو راكدة قد تتحول بركانًا، في لحظة ما.
فزاعة داعش
لكن ماذا عن الأنباء التي تتحدث عن تهديد داعش للمحافظة؟ سؤال يجيبنا عليه الصحفي المعارض جديع دوارة بالقول إنها أنباء مبالغ فيها، وربما كانت من صناعة المخابرات السورية التي تسعى دائماً إلى تخويف الأقليات للبقاء ضمن حظيرة النظام، خاصةً عندما تحدث خلخله ما في قبضتها الامنية، او عندما تبرز مواقف خارجة عن سيطرتها.
ويبرهن دوارة على رأيه بالإشارة إلى أن السويداء لا تقع ضمن حدود تطلعات سيطرة تنظيم داعش، ولا تشبه بشيء المناطق الغنية بالثروات النفطية أو الغذائية التي استولت عليها في معارك مباشرة مع الجيش الحر، لكن السويداء من هذا المنظور تعتبر فقيرة، وتقع كلياً تحت سيطرة النظام، من الاستحالة أن تشكل حاضنة اجتماعية لداعش، بالتالي هذه الأطروحة لا تملك مسوغات "منطقية".
ويضيف دوارة أن تلك الاسباب ستجعل من اجتياح السويداء، وهو أمر ليس باليسير، "حماقة"، وبالتالي يعتبر بأن تهديدات داعش لا تعدو كونها محاولة "مخابراتية" لوضع الجبل أمام خيارين (الأسد أو داعش)، ما سيخدم التحشيد الحاصل اليوم من قبل مشيخة العقل لمناصرة الاسد "أهون الشرين"، ومن جهة ثانية ستستخدم هذه المعادلة، كتمهيد لقمع اي صوت معارض، وبشكل خاص لكبح جماح "مشايخ الكرامة" الذين برز وتنامى دورهم، بحجة أولوية الخطر القادم من داعش.
معركة الجبل المؤجلة
ويعتبر دواره أن "مشايخ الكرامة" بقيادة البلعوس، هم اليوم المستهدف الأول من قبل النظام، فهم برأيه لا يملكون مشروعاً سياسياً واضح المعالم، لكن تجربتهم المباشرة تقودهم إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن النظام، ما يجعل من المواجهة المباشرة معه أمراً لا مفر منه، ويلفت دواره بأن النظام يحاول بخبث استخدام المؤسسة الدينية التقليدية المتمثلة بمشيخة العقل لإنجاز هذه المهمة، خوفاً من خروج الأحداث عن سيطرته وانقلاب الجبل ضده.