يعيش أبو محمد المقدسي، عراب السلفية الجهادية في الأردن، في حي بسيط من أحياء مدينة الرصيفة التابعة لمحافظة الزرقاء على بعد ثلث ساعة من العاصمة عمّان.
هو لا يحب أن يتحدث إلى الإعلام منذ إطلاق سراحه مطلع يونيو الماضي. لكن هذا لا يمنعه من استقبال مريديه في بيته. على باب المنزل وضع ورقة طبع عليها أنه يستقبل زواره في يوم محدد من الأسبوع وضمن ساعات محددة. زرته في منزله ثلاث مرات لكني لم أتمكن من الحديث إليه مباشرة لأنه يرفض الحديث إلى امرأة! ويرفض أن يُنقل على لسانه شيء أو أن يصرح بشيء لأي صحفي. علمتُ من بعض أقاربه أنه يعتبر أن آخر مقابلة أجراها مع فضائية عربية ومقابلة أخرى تم التسجيل له سراً هما اللتان تسببتا في سجنه هذه المرة الأخيرة.
لهذا تتبعته من خلال ما يكتب من مقالات وبيانات في موقعه “منبر التوحيد والجهاد.” في الفترة الأخيرة، جلّ ما تحدث فيه كان نقداً لـ داعش. أحياناً كان يسميهم بالاسم وأحياناً كان يلمح إليهم.
منذ إطلاق سراحه، صدر عنه تسجيل صوتي واحد نُشر يوم الجمعة 15 آب أغسطس عندما كان في مدينة السلط شمال غرب عمان. تحدث في التسجيل عن ممارسات داعش فيما يتعلق بالذبح. لكنه لم يسميهم. كان يشير إليهم أحياناً بلفط “دولة”.
كان الحديث شديد اللهجة. واعتبر أن هؤلاء “صبغوا التيار بغير صبغته الحقيقية” محذراً من تشرذم التيار؛ ويقصد التيار السلفي؛ وداعياً مرة أخرى إلى التوحد تحت راية واحدة. فهو يتوخى الحذر في حديثه عنهم. لكن بالرغم من ذلك لا يجد كلامه ترحيباً من أنصار داعش في الأردن الذين قدموه إلى “محاكمة شرعية” في أواخر تموز/يوليو الماضي.
هنا، تخلى عن حذره ووجه لهم رسالة قاسية في بيان بعنوان “تعليقاً على قصة محاكمتي بالنيابة عن تنظيم الدولة”. وقال إن المتقدمين بـ “لائحة الاتهام” كانوا ممن خططوا لاعتداء بالضرب على الدكتور إياد القنيبي، وهو وهو من الشخصيات السلفية في الأردن المعروف بعلاقته المتشنجة مع داعش. المقدسي كان أيضاً على قائمتهم بالضرب.
ويقول: أتمنى ظهور الحق في أفعال تنظيم الدولة قيادة وأفرادا وأن تصير الأخطاء فعلا فردية لا منهجية ..ليجدوا منا ساعتها تغييرًا للموقف الذي أزعجهم حتى تسلط علينا بسببه سفهاؤهم سواء بألسنتهم وكتاباتهم وافتراءاتهم أو بالتهديد بالضرب أو المحاكمات؛ وهو موقف لم ولن يتغير بتسليط السفهاء.”
المثير للاهتمام في المقدسي، هو أنه كان من أوائل من تتلمذ عليه أبو مصعب الزرقاوي، الذي أنشأ نواة ما صار اليوم يعرف باسم داعش.
في رسالة نشرها في يونيو 2004 تحت عنوان “الزرقاوي؛ مناصرة ومناصحة – آمال وآلام” فصّل المقدسي كيف أنه كان أول من منح منصباً للزرقاوي عندما تنازل له عن “الإمارة” على مجموعة من الجهاديين في سجن السواقة جنوب الأردن. وكيف أنه خالفه في الذهاب إلى أفغانستان؛ وكيف أحاط نفسه “بالحاشية الخطأ.”
ويقول: “إن سذاجة ومحدودية تجربة قيادة مجموعة صغيرة في السجن لا يجوز أن تنتقل بسطحيتها وسذاجتها إلى العمل التنظيمي المسلح.”
وأضاف: “أقول هذا وأؤكد عليه وأنا أسمع وأتابع الفوضى العارمة الحاصلة اليوم في العراق والتي يراد بها تشويه الجهاد وصورته المشرقة من تفجير السيارات أو وضع العبوات الناسفة في طرقات العامة.”
هذا الكلام لم يعجب الزرقاوي آنذاك، وظل الزرقاوي على ما هو عليه. وظل المقدسي على ما هو عليه. فاختلاف القيادات السلفية مع داعش لم يكن وليد اليوم.
المقدسي يمثل ما يُعرف أحياناً بالسلفية الجهادية؛ على الجانب الآخر، نجد ما يُسمى بالسلفية العلمية. وأبرز قياداتهم في الأردن هو الشيخ علي الحلبي.
الحلبي يصف داعش “بالجهلة الذين لا علماء لهم.” في مكتبته التي تضم آلاف المؤلفات في الفقه والسنة تحدث لنا ولم يخف غضبه من داعش الذين “لا يمثلون الإسلام في حده الأدنى.” واعتبر أن “المواجهة العلمية” لهم هي الحل حتى يدركوا أخطاءهم “وإلا ستأتي المواجهة ضدهم مثلما جاءت على من قبلهم” ويقصد بذلك القاعدة في أفغانستان والقاعدة في العراق.