بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية تم الإعلان رسميا عن تأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام" في سوريا من خلال تسجيل مرئي بعنوان: "شام الجهاد"، بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير2012، بزعامة أبو محمد الفاتح الجولاني، وهو تنظيم كان على صلات بتنظيم القاعدة المركزي وتم تشكيله بمساعدة تنظيم "داعش" للعمل في سوريا دون الإشارة إلى علاقته بالفرع العراقي تجنبا للأخطاء التي وقع فيها التنظيم في العراق، وتعمية على الأجهزة الاستخبارية، ولتيسير العمل مع الفصائل المسلحة الأخرى، إلا أن الولايات المتحدة ولم تنتظر طويلا على "الجبهة " فقد أدرجتها على قائمة الإرهاب في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2012 واعتبرتها امتداداً للفرع العراقي للقاعدة والمعروف باسم دولة العراق الإسلامية.
الخلاف بين القاعدة وفرعها العراقي بدأ مبكرا إبان قيادة بن لادن للأصل والزرقاوي للفرع، وقد كشفت وثائق "أبوت اباد" التي وجدت في مخبأ بن لادن عن انتقادات حادة لنهج الفرع العراقي وتوسيع نطاق استهداف الشيعة، إلا أن الخلاف لم يتطور إلى درجة القطيعة.
اتسعت دائرة الخلاف بعد مقتل الزرقاوي في 7 يونيو/ حزيران 2006، وتولي أبو حمزة المهاجر إمارة التنظيم في العراق، وظهرت جليا عندما أعلن عن تأسيس "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبو عمر البغدادي 15 تشرين الثاني/ أكتوبر 2006، ففي ذلك الوقت أصدرت مؤسسة الفرقان الإعلامية لقاعدة العراق التي باتت تتبع وزارة الهيئات الشرعية التابعة للكيان الجديد كتابا تبرر فيه قرار إعلان الدولة بعنوان "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام"، وبهذا تم حلّ كافة الكيانات السابقة ودمجها في أجهزة الدولة بما فيها قاعدة العراق وزعيمها المهاجر الذي أصبح وزيرا للدفاع، وأعلن في شريط صوتي بعنوان "إن الحكم إلا لله” عن ذوبان كل التشكيلات ودخولها تحت سلطة دولة العراق الإسلامية.
لقد اعاد أنصار أبو بكر البغدادي نبش التاريخ وكرروا نفس الحجج في مواجهة الظواهري وأنصاره، فهم يصرون على أن البغدادي لم يكن يوما مبايعا للقاعدة ولا من جنودها, بل كان من "جيش أهل السنة والجماعة" الذي أسس مع القاعدة وفصائل أخرى مجلس شورى المجاهدين، الذي كان نواة لما كان يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وتعرف بـ "داعش".
الجدل حول إعلان "داعش" ومغزاه لم ينقطع داخل الفضاء السلفي الجهادي، فقد بدا استياء تنظيم القاعدة المركزي آنذاك بزعامة بن لادن واضحا للعيان، إلا أنه لم يصل إلى حد القطيعة والصدام، وبقيت العلاقات مستمرة رغم الفتور وضعف التنسيق، فالرجل الثالث في التنظيم آنذاك عطية الله الليبي (جمال إبراهيم اشتيوي المصراتي) أصدر مقالة انتقادية في كانون أول/ ديسمبر 2006 تضمنت قضيتين أساسيتين شكلتا أساس ومحور الخلاف، الأولى: تتحفظ على تسمية "الدولة"، ويقترح عطية الله بدلا منها اطلاق اسم "إمارة"، والثانية: الابتعاد عن وصف "أمير المؤمنين" على القيادة الجديدة، والإبقاء على مسمى "أمير"، خوفا من اللبس والإيهام الذي يوحي بكونه الإمام الأعظم الواجب الطاعة خصوصا إذا انضاف إليه قرشية النسب.
عندما أصر الفرع العراقي للقاعدة على التمرد وعدم الامتثال اتخذ الظواهري قرارا حاسما بفصل "داعش" وقطع صلتها بتنظيم القاعدة من خلال بيان صدر في 2 شباط/فبراير، قالت فيه إن: "الدولة الإسلامية في العراق والشام ليست فرعاً من جماعة "قاعدة الجهاد"، وليست لنا أية علاقة مؤسسية معها، كما أن التنظيم ليس مسؤولاً عن اعمالها".
كان قرار الظواهري حاسما وصادما الأمر الذي حمل الناطق باسم تنظيم الدولة أبو محمد العدناني على اتهام الظواهري بالانحراف عن نهج القاعدة في رسالة صوتية صدرت بتاريخ 18 نيسان/ إبريل 2014 بعنوان "ما كان هذا منهجنا ولن يكون"، قال فيها إن: "تنظيم القاعدة اليوم لم يعد قاعدة الجهاد فليست بقاعدة الجهاد من يمدحها الأراذل ويغازلها الطغاة ويناغيها المنحرفون والضالون.. ليست قاعدة الجهاد من يتخندق في صفها الصحوات والعلمانيون.. إن القاعدة اليوم باتت قيادتها معول لهدم الدولة الإسلامية والخلافة القادمة”.
في اليوم التالي لكلمة العدناني بتاريخ 19 نيسان/ إبريل نشرت مؤسسة السحاب الإعلامية التابعة لتنظيم القاعدة المركزي لقاءا صوتيا مع الظواهري أكد فيه على التبرؤ من الفرع العراقي وتحميله مسؤولية الاقتتال بين الفصائل الجهادية في سوريا وانحرافه عن نهج القاعدة، وأكد الظواهري على أن: "القاعدة رسالة قبل أن تكون تنظيما .. فإذا شوهنا هذه الرسالة فقد خسرنا حتى لو كنا نتمدد تنظيميا وماديا"، ونبه إلى انحراف الفرع العراقي بقوله: "إننا نقدم لأعدائنا أكبر فرصة لتشويه سمعتنا وفصل الأمة عنا".
تسيطر "داعش" اليوم على مساحات شاسعة غرب العراق وخصوصا محافظة الأنبار وشرق سوريا خصوصا محافظة الرقة التي أصبحت عاصمة دولة البغدادي، ولم يعد التنظيم يحفل برضا القاعدة والجماعات الإسلامية المسلحة، وهو يتعامل معها بالقوة المميته باعتبارها جماعات مرتدة وصحوات، وخصوصا عقب الصدام المسلح المفتوح منذ انفجاره في 3 كانون الثاني/ يناير 2014م، مع فرع القاعدة في سوريا الممثل بجبهة النصرة، فضلاً عن فصائل مسلحة أخرى وهي وجيش المجاهدين، والجبهة الإسلامية، وجبهة ثوار سوريا، فضلا عن تشكيلات الجيش الحر وقوى المجتمع المحلي.
إستخدمت "داعش" تكتيكات قتالية عنيفة في حرب خصومها وفرض سيطرتها، بدءا من الاغتيالات وانتهاءا بالمفخخات، فقد نفذت عملية اغتيال أبو خالد السوري في 23 شباط/ فبراير 2014 بعملية انتحارية، وهو أحد أبرز القيادات الجهادية في أحرار الشام، وكان يمثل الظواهري في التحكيم ما بين جبهة النصرة ودولة العراق، كما اغتالت أمير جبهة النصرة في الرقة أبو سعد الحضرمي، وغيرهم.
يستقطب "داعش" النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب، ويتوافر على موارد مالية كبيرة تعتمد على فرض الإتاوات في مناطق نفوذه في العراق، وعلى التبرعات التي تأتيه من شبكة منظمة في دول عديدة، وشهدت موارده نموا كبيرا عقب دخوله سوريا من خلال سيطرته على موارد رئيسية تركز معظمها في المنطقة الشرقية، كالنفط، فقد استولى التنظيم على عدة حقول للنفط والغاز في الرقة والحسكة ودير الزور، وعلى قطاع الزراعة، حيث استولى التنظيم على صوامع الحبوب في الحسكة، وهو يتحكم بإدارة المنتجات الزراعية واستثمارها، وتعتبر الفدية من مصادر تمويله التقليدية، فقد اعتقل التنظيم عددا من السوريين والأجانب وأفرج عنهم بعد أخذ فدية مالية.