تبدأ التسجيلات مساء يوم 13 جانفي 2011 زي قبل يوم من تنحي زين العابدين بن علي
نشرت بي بي سي اليوم 14 جانفي ذكرى الثورة التونسية قبل أن يغيرها الرئيس التونسي قيس سعيد بقرار لتصبح 17 ديسمبر تاريخ اندلاع الثورة التونسية تسجيلات هاتفية مثيرة لمكالمات هاتفية أجراها الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي تعود لـ 13 و 14 جانفي أي قبل 48 ساعة من مغادرته البلاد التونسية بتاريخ 14 جانفي 2011. وتظهر تسجيلات كيف انتهى حكمه الذي دام 23 عاما.
والجدير بالذكر أن زين العابدين بن علي توفي في المنفى عام 2019، وحسب المصدر المذكور فإنه تم تحليل التسجيلات من قبل خبراء صوت ولم يعثروا على أي دليل على حدوث أي تلاعب أو عبث فيها.
وإذا كانت التسجيلات حقيقية، فإنها تعطي نظرة مدهشة للتغيير الذي طرأ في مزاج بن علي في آخر 48 ساعة من حكمه، عندما بدأ يتيقن شيئا فشيئا التأثير الحقيقي للاحتجاجات التي كانت تهز دولته البوليسية المخيفة.
وكانت تلك المظاهرات قد اندلعت يوم 17 ديسمبر 2010 أي قبل أسابيع عدة على نطاق واسع نتيجة السخط الشعبي على الظروف المعيشة وعلى عقود من الحكم ما سموه بالاستبداد والفساد ونادوا بحرية كرامة وطنية، وذلك بعد أن أضرم بائع متجول شاب، اسمه “محمد البوعزيزي” النار في نفسه عندما منع من قبل مسؤولون من بيع “سلعه” وتحديدا بولاية سيدي بوزيد التونسية. وفي 13 جانفي 2011، كانت الاحتجاجات والعنف الذي تصدت له السلطات، قد أودت بحياة حوالي 100 شخص في العاصمة التونسية.
حينها خرج بن علي و ألقى، خطابًا متلفزة في محاولة لإخماد المظاهرات الجماهيرية المندلعة في كامل التراب التونسي آنذاك.
تبدأ التسجيلات مساء يوم 13 جانفي 2011
التسجيل الأول هو عبارة عن مكالمة هاتفية بين الرئيس التونسي الأسبق بن علي وصديقه المقرب، يعتقد أنه طارق بن عمار، وكان ثريا إعلاميا ناجحا معروف بتشجيعه للمخرج “جورج لوكاس” على تصوير أول فيلم “سلسلة أفلام حرب النجوم” في تونس.
وحسب المكالمة كان بن علي يبدو مطمئنًا عندما كان بن عمار يثني عليه. و يقول بن عمار في التسجيل: “كنت رائعا، هذا هو بن علي الذي كنا ننتظره!”
أما بن علي، فقد انتقد نفسه، قائلاً “إن خطابه كان يفتقر إلى الطلاقة”. لكن بن عمار طمأنه قائلا: “لا على الإطلاق … إنها عودة تاريخية. أنت رجل الشعب. أنت تتحدث لغتهم”. فيضحك بن علي حينها ويعبر على شيء من الارتياح.
لكن من الواضح أن الخطاب الذي ألقاه بن علي حينها للجمهور التونسي لم يكن كافيا. وفي اليوم التالي الموافق لـ 14 جانفي 2011، اشتدت الاحتجاجات وفي ولايات تونس، وكان المتظاهرون على وشك احتلال مقر وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، عند ذاك، اتخذت الترتيبات الضرورية لنقل عائلة بن علي إلى خارج البلاد حفاظًا على سلامتهم، وفعلا توجهت الأسرة إلى المملكة العربية السعودية، وقد تم اقناع بن علي بمرافقتهم على متن الطائرة.
المقاطع الموالية سجلت عندما كان بن علي يستقل الطائرة
يمكن سماعه وهو يجري سلسلة من المكالمات مع ثلاثة أشخاص – يُعتقد أنهم وزيردفاع الأسبق رضا قريرة، وقائد الجيش رشيد عمار السابق، وأحد المقربين منه رجل الأعمال كمال لطيف.
يبدأ بن علي بسؤال شخص نعرف الآن أنه كان وزير الدفاع رضا قريرة( حول الموقف السائد على الأرض في تونس. فأخبره قريرة بأن رئيسا مؤقتا يتولى زمام الأمور في البلاد ويقصد محمد الغنوشي الوزير الأول الأسبق. وطلب بن علي من قريرة بتكرار هذه المعلومة 3 مرات، قبل أن يرد بأنه سيعود إلى تونس “في غضون ساعات قليلة” الى تونس.
ومن ثمة وفي مرحلة اخرى، اتصل بن علي برجل تعتقد “بي بي سي” أنه صديقه المقرب كمال لطيف. قال بن علي للطيف إن وزير الدفاع طمأنه بأن الأحداث تحت السيطرة.
ولكن لطيف صحح هذا الافتراض بكل صراحة، إذ قال له “لا، لا، لا، الوضع يتغير بسرعة والجيش لا يكفي”.
قاطعه بن علي آنذاك وسأله: “هل تنصحني بالعودة الآن أم لا؟” وكان عليه أن يكرر السؤال 3 مرات قبل أن يجيب لطيف بشكل مفهوم. قائلا : “الأمور ليست جيدة”.
ثم اتصل بن علي بمن نعتقد أنه قائد الجيش، الجنرال رشيد عمار. ولكن يبدو أن عمار لا يتعرف على صوته، مما اضطر لزين العابدين بن علي أن يقول له: “أنا الرئيس”.
طمأنه عمار بأن “كل شيء على ما يرام”.
ومرة أخرى، طرح بن علي، على الجنرال رشيد عمار قائد الجيش نفس السؤال الذي طرحه على صديقه المقرب كمال لطيف قائلا : “هل بإمكاني العودة إلى تونس الآن؟ ليخبره قائد الجيش أنه من الأفضل له “الانتظار بعض الوقت”.
وقال قائد الجيش لبن علي: “عندما نرى أنه يمكنك العودة، سنخبرك، سيدي الرئيس”.
واتصل بن علي بوزير دفاعه رضا قريرة مرة أخرى، وسأله مرة أخرى عما إذا كان يجب أن يعود إلى تونس، ولكن قريرة كان أكثر صراحة هذه المرة، إذ قال لبن علي إنه “لا يمكنه ضمان سلامته” إذا فعل ذلك. كل هذا والرئيس الأسبق ما زال على متن الطائرة.
وأمر الرئيس التونسي الأسبق بن علي الطيار بالاستعداد لرحلة العودة معه الى أرض تونس، ولكن الطيار عصى أوامره هذه المرة، إذ ترك بن علي وعاد أدراجه إلى تونس.
واتصل بين علي بوزير دفاعه رضا قريرة مرة أخرى صباح اليوم الموالي، اعترف له هذا الأخير بأن الحكومة فقدت السيطرة على ما يحدث في الشارع التونسي من احتجاجات ومظاهرات، وأخبر بن علي أن ثمة أقاويل عن حدوث انقلاب، ولكن بن علي رفض ذلك معتبرا هذه الاقاويل من عمل “الإخوان” حسب تعبيره، وذلك قبل أن يعود للحديث عن عودته إلى تونس. وتطرق بن علي مرة أخرى إلى موضوع عودته، ولكن قريرة بدا وكأنه يحاول التحدث مع رئيسه بمنتهى الصراحة هذه المرة، إذ قال له : “يسود الشارع غضب لا أستطيع وصفه”.
وبدا حريصًا على أن يكون صريحا هذه المرة مع الرئيس المخلوع، وأضاف قائلا “أقول لكم ذلك لكي لا تقولوا إني ظللتكم، ولكن القرار لكم “.
حين ذلك حاول بن علي الدفاع عن سمعته بالقول: “ماذا فعلت للشارع ؟ لقد خدمته”.
ولكن قريرة قال له: “أنا أطلعكم على الموقف، وهذا ليس تفسيرا”.
وفي غضون ساعات ، شكلت حكومة جديدة في تونس احتفظ فيها العديد من الوزراء السابقين بمناصبهم، بمن فيهم قريرة.
وامتنع وزير الدفاع الأسبق رضا قريرة وقائد الجيش الأسبق رشيد عمار التعليق على التسجيلات عندما اتصلت بهما “بي بي سي:، حسب تعبيرها. كما نفى كمال لطيف وطارق بن عمار المقربين من بن علي، أن تكون الاتصالات معهما قد حدثت، وأضاف بن عمار أنه لم يحاول طمأنة الرئيس بشأن حكمه.
وهناك تصريحات سابقة لكل من وزير الدفاع رضا قريرة وقائد الجيش رشيد عمار، بأنهما تحدثا إلى الرئيس الأسبق بن علي أثناء وجوده على متن الطائرة، حيث تتطابق ذكريات عمار مع مضمون مكالمته.