أزمة تصريحات ماكرون “المسيئة”
- الرئيس الجزائري حذر من انه لن يقوم “بالخطوة الأولى” لتهدئة التوترات مع فرنسا
- ماكرون اتّهم النظام “السياسي العسكري” الجزائري بانتهاج سياسة “ريع الذاكرة”
بعد ثلاثة أشهر من الغياب، يستأنف السفير الجزائري في باريس مهامه اعتبارا من الخميس، في لفتة من شأنها أن تضع حدا، وفق خبراء، لأزمة دبلوماسية خطرة مع فرنسا، عشية الذكرى الستين لانتهاء الحرب الجزائرية (1954-1962).
وكان السفير الجزائري استُدعي في تشرين الأول/أكتوبر “للتشاور” إثر تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبرتها الجزائر مسيئة.
وقالت الرئاسة في بيان إن الرئيس عبد المجيد تبون استقبل “سفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود، الذي يعود لمواصلة أداء مهامه بباريس ابتداء من الخميس” السادس من كانون الثاني/يناير الجاري.
وكانت الجزائر استدعت في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر سفيرها ردا على تصريحات نقلتها صحيفة “لوموند” عن الرئيس الفرنسي اتّهم فيها النظام “السياسي العسكري” الجزائري بانتهاج سياسة “ريع الذاكرة” حول حرب الجزائر وفرنسا، بعد استقلالها العام 1962.
كذلك، تساءل ماكرون حول وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي اعتبارا من العام 1830، مثيرا ردود فعل غاضبة في المجتمع الجزائري.
وردا على ذلك، منعت الجزائر الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل حيث تنتشر قوة برخان المناهضة للإرهابيين، من التحليق في مجالها الجوي.
وحذّر الرئيس الجزائري مطلع تشرين الثاني/نوفمبر من أنه لن يقوم “بالخطوة الأولى” لتهدئة التوترات مع فرنسا وقال إن ماكرون “أعاد فتح نزاع قديم بطريقة عديمة الجدوى تماما” مؤكدا أن الرئيس الفرنسي “أهان” الجزائريين.
ماكرون: يأسف للمشاحنات وسوء الفهم
في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن ماكرون، عبر أحد مستشاريه، أنه “يأسف للمشاحنات وسوء الفهم” مع الجزائر مؤكدا أنه “يكن أكبر احترام للأمة الجزائرية” و”تاريخها”.
ورحب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بهذه التصريحات “التي تعبر عن احترام” تجاه بلاده، وهو كان قد زار باريس لحضور مؤتمر حول ليبيا يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر.
في مطلع كانون الأول/ديسمبر، زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجزائر بهدف نزع فتيل الأزمة الثنائية النادرة الخطورة.
ودعا لودريان آنذاك إلى “علاقة هادئة” كي يتمكن البلدان من “التطلع إلى المستقبل”.
لكن لم يتمّ التوصل إلى أي اتفاق أثناء هذه الزيارة بشأن استئناف تحليق الطائرات الفرنسية في المجال الجوي الجزائري.
ولطالما شهدت العلاقات بين باريس والجزائر اضطرابات.
وتعود آخر أزمة بين البلدين إلى 23 شباط/فبراير 2005 عندما أقر البرلمان الفرنسي قانونا يقرّ بـ”دور إيجابي للاستعمار”.
“بادرة حسن نية”
وقال حسني عبيدي، مدير مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف (سيرمام)، إن “عودة ماكرون عن تصريحاته” ثم زيارة لودريان “لقيتا استقبالا جيدا في الجزائر وفسرتا على أنهما بادرة حسن نية من جانب السلطات الفرنسية”.
وأضاف عبيدي أنه مع عودة السفير الجزائري إلى باريس، أصبحت “الأزمة وراءنا” لأن هناك “إرادة من جانب الجزائر وباريس خصوصا، عشية الذكرى الستين لاتفاقات إيفيان (لوقف إطلاق النار الموقعة في آذار/مارس 1962)، لتجاوز خلافاتهما وبناء علاقة جديدة تقوم على الاحترام”.
من جانبه، اعتبر منصور قديدير، الباحث في العلوم السياسية والمؤرخ أنها “بداية التهدئة”.
وقال لوكالة فرانس برس إن البلدين “أدركا أنه من مصلحتهما تجاوز الانحرافات الخطابية ودخول حوار مسؤول” لافتا إلى “التحديات الجيوسياسية والتهديدات الأمنية” في المنطقة.
وكان يشير خصوصا إلى الحرب ضد الإرهابيين في مالي وإلى تهديدات بتجدد القتال في ليبيا بعد تأجيل انتخابات رئاسية حاسمة.
وحول استئناف تحليق الطائرات الفرنسية في الأجواء الجزائرية، قدّر عبيدي أن يحصل ذلك بشكل تدريجي وأنه قد يكون هناك “فتح جزئي” بدءا برحلات نقل طبية.
وأشار إلى أن “الجزائر تريد المضي قدما كما جرت العادة من خلال خفض التصعيد وتحسين العلاقات على مراحل”.