مدارس العالم العربي تعاني من ضعف التعليم الخاص
- يحذر تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، من استفحال أوجه عدم المساواة في هذا القطاع التعليمي
- السبب ارتفاع التكاليف، وضعف الأدوات الرقابية
- يركز التقرير على الجهات غير الحكوميّة الفاعلة في نظم التعليم كافة
يحذر تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، من استفحال أوجه عدم المساواة في هذا القطاع التعليمي، جراء ارتفاع التكاليف، وضعف الأدوات الرقابية.
التحذير جاء وسط ارتفاع معدلات انضمام التلاميذ في أكثر من بلد عربي إلى مدارس القطاع الخاص.
يذهب 10.6% من طلاب مصر إلى المدارس الخاصة، وفق تقديرات مؤسسة كوليرز، مع توقعات، بأن تكون البلاد في حاجة إلى 2.1 مليون مقعد جديد بتلك المدارس بحلول العام 2030.
وفي الأردن، تبلغ نسبة الطلاب في المدارس الخاصة نحو 26%، في حين تصل النسبة في لبنان إلى 54%، رغم الأزمة الاقتصادية و جائحة كورونا التي تسببت في نزوح الطلاب من التعليم الخاص إلى الحكومي.
التقرير، الذي تناول أوضاع التعليم في العام 2021، صدر تحت عنوان: “الجهات الفاعلة غير الحكومية في التعليم من يختار؟ من يخسر؟”، متمضناً حزمة توصيات لضمان توفير التعليم الجيد للجميع.
وفق التقرير فإن 40% من تلاميذ مرحلة ما قبل الابتدائي، و20% بالمرحلة الابتدائية، و30% بالمرحلتين الثانوية والجامعة، يتلقون تعليمهم بمؤسسات القطاع الخاص، على مستوى العالم. لكن افتقار العديد من البلدان إلى اللوائح المناسبة بشأن التعليم الخاص، أو القدرة على إنفاذه، يقوض جودة التعليم ويمكن أن يعمق من الفجوة التعليمية القائمة بين الأغنياء والفقراء.
وعن ذلك، يقول عبد اللطيف محمود، أستاذ البحوث التربوية بجامعة سوهاج، في مصر: التوسع في المدارس الخاصة جاء لمواجهة النقص في المدارس الحكومية، لكن عدم وجود رقابة حقيقية على المدارس الخاصة، فيما يتعلق بجودة التعليم، جعل منها وسيلة تجارية هدفها الربح فقط.
ويرى سليمان الطرزي، الخبير التربوي الأردني، أن المشكلة تكمن في عدم وجود نظام تصنيف للمدارس الخاصة على غرار القانون الموجود في الإمارات العربية المتحدة، واقتصار قانون التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994 وتعديلاته على تصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة إلى فئات يحدد لكل منها الحد الأدنى، والأعلى للرسوم والأجور التي تتقاضها من التلاميذ، دون النص على شروط تتعلق بالرقابة على جودة التعليم في هذه المدارس.
بعيداً عن أعين الرقابة
ويركز التقرير على الجهات غير الحكوميّة الفاعلة في نظم التعليم كافة، سواء أكانت مدارس تديرها منظمات دينيّة، أو منظمات غير حكومية، أو مؤسسات خيرية، أو كيانات تجارية ربحية، فضلًا عن جميع مزّودي الخدمات في قطاع التعليم. ويشير إلى أن العديد من البلدان تسمح لهذه المدارس، غير المسجلة في أغلب الأحيان، بالعمل بمنأى عن أي شكل من أشكال الرقابة.
ويفيد التقرير بأن 27% فقط من بلدان العالم تحظر جني الأرباح في المدارس الابتدائية والثانوية، كونه يتعارض مع الرؤية التي تنص على 12 عامًا من التعليم المجاني للجميع.
كما يمنع ما يزيد عن نصف عدد البلدان أي ضوابط على قبول الأطفال في المدارس. ولا تمتلك إلا 7% فقط من الدول حصصاً مخصصة لتعزيز التحاق الطلاب المحرومين بالمدارس.
ويعتقد عبد اللطيف أن التقرير يكشف عن حجم الأزمة في مصر، مضيفاً: “لدينا قواعد ابتكرتها المدارس الخاصة لمنع التحاق الطلاب بها، تتمثل في المقابلات الشخصية للتلميذ والأسر، والتي من خلالها ترفض الطلاب بناءاً على خلفياتهم الاجتماعية أو وظيفة أولياء أمورهم.
وبحسب أستاذ البحوث التربوية، تسعى المدارس الخاصة إلى جني الأرباح ليس فقط عن طريق المصروفات الدراسية، بل عن طريق تسليع الخدمات التعليمية كخدمة النقل والخدمات الإدارية.
وبالمثل، يشكو الطرزي من أن إحدى أهم المشكلات بهذا القطاع في الأردن هي مشكلة الرفع غير المبرر للأقساط المدرسية عامًا بعد عام، خلافاً للنظام، بالإضافة إلى ارتفاع رسوم الزيّ والكتب والمواصلات.
وبحسب التقرير نفسه، تنفق الأسر في أقل البلدان نموًا مبالغ غير متناسبة مع دخلها على تعليم أطفالها، حيث تنفق الأسر أكثر من 39% من دخلها على التعليم في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، مقارنة بـ16% فقط تنفقها الأسر في الدول ذات الدخل المرتفع.
وتقول أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، في التقرير إنه يجب أن تضع الحكومات حدًا أدنى من المعايير للمدارس الحكومية وغير الحكومية، وأن تتأكد من أن الطلاب الذين ينتمون إلى أشد الفئات حرماناً يحظون بفرص متساوية للاستفادة من التعليم الجيد.
ويشير التقرير إلى أن التعليم الحكومي في الدول منخفضة الدخل ينطوي أيضاً على تكاليف خفية كبيرة، حيث يُظهر تحليل استهدف 15 من الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل أن الزي، والرسوم المدرسية تمثل خمسي نفقات الأسر على التعليم، ويُحتّم ذلك على 8% من الأسر في هذه الدول اقتراض المال لتسديد نفقات تعليم أطفالها.
ويوضح محمود عبد اللطيف: “ارتفعت المصاريف الدراسية، بالمدارس الحكومية، خلال آخر عامين دراسيين، بشكل كبير، بنسبة بلغت نحو 100% تقريباً، كما تُشكّل ميزانية الدروس الخصوصية عبئًا على الأسر، فضلًا عن العبء الذي فرضته المدارس التجريبية الحكومية على التلاميذ، مثل التعاقد على الزي المدرسي، والكتب الدراسية مع شركات تتقاضى إدارة المدارس نسبة من أرباحها.
وفيما يقول التقرير إن الدروس الخصوصية أصبحت قاعدة في مصر، يشير إلى وجود مدارس حكومية تعتمد على الرسوم كجزء من مصروفات تشغيلها، حيث التحق 38٪ من طلاب الثانوية العامة في لبنان، بمدارس تلقت 80٪ على الأقل من أموالها من الرسوم في العام 2018، كما التحق حوالي 1 من كل 10 طلاب في الأردن والمغرب بمثل هذه المدارس.
وقد تسببت جائحة كورونا في زيادة انتقال التلاميذ من المدارس الخاصة، إلى التعليم الحكومي، كما أدت إلى انعدام فرص التعليم بالنسبة لآخرين. في الأردن، تم تسجيل انتقال أكبر حصيلة طلاب في تاريخ الانتقالات بواقع 51 ألف طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكوميّة. كما انخفضت النسبة المئوية للاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عامًا، الملتحقين بالتعليم في لبنان، من 67%، في عام 2020، إلى 53% في عام 2021. ومن بين أولئك الذين قدّموا لبرامج التعلم عن بُعد، لم يتمكن 20٪ منهم من الالتحاق بالتعليم.
ويقول مانوس أنتونينيس، مدير تقرير رصد التعليم العالمي: يتعيَّن على 30% من الأسر، في بعض الدول، مثل أوغندا وهايتي والفلبين، أن تقترض كي تستطيع تحمل تكاليف تعليم أطفالها.
وفي ختام التقرير، أوصت اليونسكو، دول العالم بزيادة الجهود الرامية إلى ضمان انتفاع جميع الأطفال والشباب مجاناً، وبتمويل من القطاع العام، بسنة من التعليم و12 سنة من التعليم الابتدائي والثانوي، مع وضع معايير للجودة تُطبق على المؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية، وتعزيز قدرة الحكومة على مراقبة اللوائح وإنفاذها، وتشجيع الابتكار من أجل الصالح العام، والجمع بين جميع الجهات الفاعلة التي تعمل على تطويرها، وكذلك حماية التعليم من المصالح الشخصية الضيقة.