متحف الموصل.. آثار فوق عمرها 2500 عام

  • ينوي الخبراء الفرنسيون التناوب لإجراء زيارات دورية إضافية إلى الموصل
  • دمّرت قاعدة العرش إلى أكثر من 850 قطعة. تم تجميع ثلثيها

 

بعد أن تركه الإرهابيون في حالة خراب، يُمنح متحف الموصل العراقي حياة ثانية بفضل جهود الترميم التي بدأها خبراء عراقيون بمساعدة مرممين فرنسيين؛ يعملون على تجميع المئات من القطع الحجرية الصغيرة، والتي تعد أجزاءً من آثار يفوق عمرها 2500 عام، حطّمت على يد تنظيم داعش الإرهابي.

القطع الأثرية القديمة تم تحطيمها في متحف الموصل إلى قطع صغيرة؛ عندما استولى مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي، على مدينة الموصل الشمالية في عام 2014، وجعلوها مقر سلطتهم لمدة ثلاث سنوات.

مقاتلو تنظيم داعش؛ وبعد سيطرتهم على الموصل، صوروا أنفسهم وهم يأخذون المطارق إلى مخازن متحف الموصل لتكسير الآثار العراقية. ودمروا أكبر وأثقل القطع الأثرية من أجل دعايتهم، ولكن باع التنظيم قطعًا أصغر في الأسواق السوداء في جميع أنحاء العالمن من أجل تمويل حربه.

وتضمّ القطع أسداً مجنّحاً وزنه عدّة أطنان، وثورين مجنحين آشوريين وقاعدة عرش من عهد الملك آشور ناصر بال الثاني، تعود إلى الألف الأوّل قبل الميلاد، وهي قيد الترميم بفضل تمويلات دولية وخبرات من متحف اللوفر في باريس.

في الطابق الأرضي من المتحف، تبرز قضبان حديد من فجوة لا تزال بارزة في الأرضية، لتكشف عن الطابق السفلي.

 

أحجار من كلّ الأحجام مبعثرة على منصات وطاولات وزّعت على قاعات المتحف الحضاري

 

بدأ الخبراء في فصل وتوزيع الأجزاء الخاصة بكلّ قطعة أثرية. تبرز على بعض الحجارة مثلاً أجزاء من مخالب، وأخرى تبدو وكأنّها بقايا أجنحة.

متحف الموصل

عامل في متحف الموصل يحاول إعادة تجميع قطعة أثرية أكبر تحمل نقوشا مسمارية من أجزاء مكسورة (ا ف ب)

تظهر على أجزاء أخرى كتابات بالمسمارية، فيما وزّعت القطع الأصغر على طاولات، ورقّمت.

ويشرح دانييل إيبليد، أحد خبراء الترميم الفرنسيين المبعوثين من متحف اللوفر لدعم الفريق العراقي: “لدينا خمس قطع مهمة في المتحف، وينبغي فصل كلّ الأجزاء”. ويضيف: “الأمر أشبه بأحجية، عليك محاولة إيجاد كل القطع لتكتمل القصة، وشيئاً فشيئاً، تتمكن من إعادة جمع الكلّ”.

وبعد ثلاث مهمات في يونيو، وسبتمبر، وديسمبر، ينوي الخبراء الفرنسيون التناوب لإجراء زيارات دورية إضافية إلى الموصل، كما يشرح إيبليد، مع عشرةٍ من العاملين في متحف الموصل.

تحت الأضواء، تبرز قاعدة العرش، وعليها نقوش مسمارية، مجمّعةً بشكل جزئي. جمعت بعض الأجزاء بأربطة مطاط أو حلقات حديد.

ويشرح شعيب فراس أحد العاملين في المتحف، لوكالة الأنباء الفرنسية: “دمّرت قاعدة العرش إلى أكثر من 850 قطعة. تم تجميع ثلثيها”.

يعمل نحو عشرة من زملائه على إنهاء تجميع هذه التحفة الأثرية المهمة. ويحمل فراس شهادة في الدراسات السومرية وهي خبرات ضرورية جداً في عمليات إعادة الترميم.

متحف الموصل

يقوم العراقيون المدعومون من عمال الترميم الفرنسيين بفرز أجزاء من بقايا عمرها 2500 عام (ا ف ب)

يقول طه ياسين إبراهيم، أحد الخبراء العاملين في الترميم “عملي تجميع القطع المتناثرة وقراءة الكتابات الموجودة عليها، وعلى أساس الكتابات نعيد القطع إلى مكانها”. لكن يتمثل التحدي الآن في إكمال الجزء الداخلي من العرش.

ويضيف “نواجه صعوبة في الحشوات الداخلية التي ليس بها سطح مستوٍ أو كتابات تدل على مكانها. أن نجد مكانها هو من أكثر المهمات صعوبة”.

يأمل مدير المتحف زيد غازي سعدالله الانتهاء من أعمال الترميم خلال خمس سنوات. وبدأ مشروع الترميم في العام 2018 كإجراء عاجل، لكن تأخيرات حصلت بسبب جائحة كوفيد-19.

ويشرح سعدالله “كانت البدايات عبارة عن اجراءات عاجلة قمنا بها في داخل المتحف من أجل الحفاظ على ما تبقى من آثار محطمة”.

ويضمّ المتحف المئات من القطع. ويقول سعدالله، آسفاً، “تعرضت تلك القطع للتدمير أو السرقة”.

ويشرح أن “عدد القطع الأثرية التي كانت موجودة سابقاً حسب الاحصائيات اجتازت المئة قطعة. ومعظم هذه القطع الموجودة تعرضت للتدمير والسرقة قبل التدمير وهذا ما أدخلنا في أرباك تحديد ماهو موجود وليس موجودا”.

لكن يضيف “من خلال أعمال التوثيق السابقة بحوزتنا ومن خلال ما نقوم به من ترميم للقطع الاثرية سنتمكن من تحديد العدد الحقيقي للقطع المسروقة، والقطع الموجودة المدمرة، والقطع المدمرة التي تم فقدانها بعد التحطيم أيضاً، وهي تعود إلى أزمان مختلفة”.

متحف الموصل

بقايا من الآثار العراقية اتي دمرها داعش (ا ف ب)

في بعض قاعات المتحف، كتبت على أوراق بيضاء علّقت على الجدران القطع المفقودة من الآثار التي يجري ترميمها. على أحدها، كتبت عبارة: “محراب مسجد الرحماني حجر المرمر مفقود”.

وتتعرض آثار العراق للنهب منذ عقود لا سيما بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، وفي مرحلة سيطرة الجهاديين. وتشكّل استعادة هذه القطع المنهوبة، واحدةً من التحديات الأساسية للحكومة الحالية.

وتمول مشروع ترميم المتحف الحضاري في الموصل، منظمة “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع” أو “ألِف”.

وتشير مديرة قسم التحف المشرقية في متحف اللوفر أريان توما إلى أن “مشروع متحف الموصل هو المشروع الرئيسي لمنظمّة ألِف”.

متحف الموصل

بقايا من الآثار العراقيةالتي دمرها داع ش

تشارك منظمة سميثونيان الأمريكية أيضاً بالمشروع، عبر تدريب فرق المتحف، فيما يقوم الصندوق العالمي للآثار والتراث بترميم مبنى المتحف الذي دمّر جراء النزاع.

وتضيف توما أنه بالمجمل، يشارك من 20 إلى 25 شخصاً من متحف اللوفر في العملية “معظمهم بدون مقابل”، لا سيما من “خبراء في الخشب والمعادن”.

وتقول إنه يجري التحضير لمعرض عبر الانترنت بالتعاون مع الخبراء العراقيين، للكشف عن التحف حال الانتهاء من ترميمها. وتشرح “أثبتنا أنه بالوقت والمال والخبرات اللازمة نستطيع إحياء التحف الأكثر تضرراً، وها هي القطع التي كانت محطّمةً تماماً، تعود لتكتسب شكلها السابق من جديد”.