الكسكسي وعروس السكر لاحتفالات العائلة النابلية
تتميز مدينة نابل التونسية بطابع خاص خلال الاحتفال برأس السنة الهجرية، تنفرد به عن باقي الولايات في البلاد.
من هذه الخصوصية، استعدادات المرأة النابلية لهذه المناسبة على طريقتها الخاصة، إذ تطبخ الملوخية قبل يوم واحد من رأس السنة الهجرية الجديدة في الأول من شهر محرم، وهو اليوم الذي يشهد إعداد الكسكسي بالقديد والعصبان المجفف في المطبخ النابلي.
أما عرائس السكر، فهي أكثر ما يميز خصوصيات الجهة، وتعتبر ضمن هذا الموروث التقليدي الذي ظل محافظًا على مكانته خاصة لدى أهالي مدينتيّ نابل ودار شعبان الفهري المجاورة لها. وتهدى عروس السكر أو “الدمية السكرية” للفتاة المخطوبة مع حلول رأس الهجرية، فيما يسمى موسم العروسة.
وبشكل عام، تستقبل العائلة النابلية السنة الهجرية بعادة مميزة توارثتها عن أجدادها منذ عقود، إذ يتم إعداد الكسكسي بالقديد مع العصبان “الشايح” المجفف، وكذلك اقتناء عرائس حلوى السكر للأطفال، وهي تتخذ أشكالًا مختلفة، أبرزها في شكل عروس بالنسبة للفتيات، وفي شكل حصان للفتيان.
هذه السنة، ونظرًا للظروف الصحية الحالية بسبب جائحة كورونا، تم إلغاء المهرجان الذي يقام سنويًا بهذه المناسبة، إلا أن مظاهر الاحتفال لم تغب عن الشوارع.
خيرة فالح، أصيلة مدينة نابل، أوضحت لمراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في تونس ليلى بن سعد طريقة احتفالها بهذه المناسبة، والتي لا تختلف عن باقي العائلات النابلية.
قالت خيرة فالح التي التقيناها بالسوق وهي بصدد اقتناء الفواكه الجافة والدمى السكرية، إنها تقوم قبل حلول السنة الهجرية بطبخ الملوخية ويوم رأس السنة الهجرية تقوم بإعداد الكسكسي بالقديد او العصبان المجفف، مبينة أنها تعده بنفسها في المنزل وتزينه بالفواكه الجافة والحلوى. كما تشتري عرائس السكر للأطفال.
تعلم صنع عرائس السكر من الإيطاليين
تتطلب صنعة عرائس السكر الكثير من الاتقان والصبر. هذه العادة التي توارثها أهالي نابل أجيالا عبر أجيال وحافظوا عليها إلى يومنا هذا، تعلمها أجدادهم عن الإيطاليين، واحترفوها حتى صارتموروثًا تقليديًا لديهم.
عن طريقة إعداد عرائس السكر، شرح أشرف بن أحمد لمراسلة “تطبيق خبّر” أن “صنع المثرد أو عروس السكر، يبدأ بوضع خلطة متكونة من الماء والسكر، يضاف إليها روح الليمون، ثم تطبخ، وحين تصل إلى اللزوجة المطلوبة، توضع في قوالب جاهزة، فتتخذ اشكالًا مختلفة، كالصور الكرتونية للأطفال أو أشكال حيوانات.
من جهته، قال الأستاذ الجامعي والمؤرخ أنور مرزوق أن الاحتفال بالعام الهجري له معانٍ كثيرة، فهو ذكرى دينية مقدسة عند المسلمين، وعرائس السكر وأشكال الاحتفال بها والطقوس هي كلها علامات تبرك بهذا الاحتفال الديني، وهي إعطاء قداسة ودلالة عن رمزية الطبق الذي يتمثل في الكسكسي بالقديد والعصبان المجفف والملوخية، لأن الطبق له رموز ودلالات عديدة ومتنوعة.
وبيّن المؤرخ أنور مرزوق أن عرائس السكر قد جاءت من الإيطاليين، وتحديدًا من صقلية، وهذا يدل على الترابط الحضاري بين صقلية والوطن القبلي بصفة عامة، ومدينة نابل بصفة خاصة، مضيفًا أن الإيطاليين تعلموا صناعة عرائس السكر من طائفة المسلمين الشيعة بمصر.
وأوضح أنه عندما انتقل الفاطميون من مدينة المهدية إلى مصر بدأوا بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف بعرائس السكر، فهي إذا عادة شرقية متوسطية أتى بها الإيطاليون وأصبحت من عاداتهم، وحرفيو نابل ودار شعبان الفهري طوروا هذه الصنعة وأبدعوا في استنباط أشكال جديدة من العرائس.
حركية بالأسواق بالرغم من الإقبال الضعيف
تشهد مدينة نابل حركية ونشاطًا بهذه المناسبة، إذ تتزين الأسواق بالحلوى وتباع عرائس السكر بأسعار مختلفة، حسب الحجم. كما يرتفع مبيع الحلوى والفواكه الجافة طيلة الأسبوع الذي يسبق رأس السنة الهجرية. وعادة ما يصطحب الأهل أطفالهم لاختيار الدمى السكرية التي يريدونها، حجمًا وشكلًا.
لم يتخلَ أهالي نابل عن هذه العادة المميزة والفريدة بالرغم من الظروف الصحية الحالية التي أثرت نوعًا ما على نسبة الإقبال على شراء لوازم الاحتفال بهذه المناسبة.
محمد لسعد الباهي، واحد من باعة “الدمى السكرية” والفواكه الجافة، الذي أخبر مراسلة “تطبيق خبّر” أنه تعلم هذه الصنعة عن والده منذ خمسين سنة.
وقال الباهي إن إقبال المواطنين على اقتناء الحلوى هذه السنة ضعيف بالرغم من أن الأسعار تعتبر مناسبة وفي المتناول، معتبرًا أن جائحة كورونا أثرت سلبًا على الاقتصاد، وأدت إلى تردي الظروف المعيشية للمواطن، خصوصًا أن هذه الأزمة الصحية قد أثرت على جل القطاعات.