السوق السوداء للخبز في سوريا ترهق كاهل المواطنين وغالبًا يضطرون إليها
ينتظرون في طوابير الخبز ساعات طويلة، لكن أمام هؤلاء المواطنين السوريين حلّ قد يختصر ساعات وقتهم المهدور، على الرغم من أنه حلّ مكلف وأحيانًا يكون مكلفًا جدًا لهم، إنها سوق الخبز السوداء.
سوق الخبز السوداء التي تعرف كذلك بالسوق الحرة هي عبارة عن شبكة تجارة بالخبز، عملاؤها من كافة الفئات العمرية ممن يحترفون بيع الخبز بأساليب مختلفة.
سوق الخبز السوداء تتبع آلية لبيع الخبز خارج حدود الأفران، تتم عن طريق مجموعة من الأشخاص يشترون الخبز بطرق غير قانونية، قد تكون التفافًا على الطابور أو عن طريق الدفع للحصول عليه بسرعة.
يكلف شراء ربطة الخبز عن طريق باعة السوق السوادء بين ألف إلى ألف و خمسمئة ليرة سورية أي حوالي (0.228 إلى 0.428) دولار امريكي، في حين ان تكلفة ربطة الخبز الواحدة من الأفران مئة ليرة ، أي ما يساوي (0.02) دولار أميركي.
وفي وقت تؤخذ ربطة الخبز من الفرن بشرط وجود البطاقة الذكية التي تعتمدها الحكومة السورية لتوزيع بعض المواد الغذائية والأساسيات، فإن الخبز متوفر بالسوق السوداء لمن رغب ولديه القدرة على دفع عشرة أضعاف سعره الرسمي أو اكثر.
وأسعار السوق السوداء للخبز قابلة للارتفاع بحسب أزمة الخبز، فإن فُقد وتجمعت الحشود على نوافذ بيعه، ارتفع سعره حسب سياسة البيع المتفق عليها بين باعته.
مراسل “تطبيق خبّر” الميداني في سوريا محمد سباعي رصد خلال تغطيته أزمة ربطة الخبز في سوريا، الطفلة “سما” التي تقوم بمهام الربط بين البائع والشاري، وهي تقف في الشارع في أجواء الشتاء القارصة.
أصحاب الأفران ومديرو عملية بيع الخبز في السوق السوداء هم الأكثر ربحًا في هذه الأزمة
بعد محاولات هرب لخوفها من التقاط صورة لوجهها، استطاع مراسل “تطبيق خبّر” طمأنتها وإقناعها بالحديث إليه عن آلية البيع في السوق السوداء وخفاياها، وفق ما تعرفه من عملها.
قالت الطفلة سما إن تجارة الخبز في السوق السوداء تبدأ باتفاق بين من يدير عملية السوق السوداء وباعة في الأفران على نسبة ربح معينة مقابل تمرير الخبز لباعة السوق السوداء دون الاضطرار إلى الوقوف في طابور على دور الخبز.
وأضافت أن مدير هذه العملية يتفق مع الباعة المتجولين على نسبة أخرى تكون لهم والنسبة الأكبر يحصل عليها من يدير عملية البيع. وبيّنت الطفلة سما أن الحصة الأكبر من الربح تعود إلى أصحاب الأفران والمسؤول عن الباعة المتجولين.
وعبّرت عن الغبن الذي يلحق بالباعة المتجولين مثلها من قبل المسؤول عنهم في هذه التجارة غير القانونية للخبز، إذ قالت لمراسل تطبيق خبّر “الوقفة نحن يلي منوقفها، والخبز نحن يلي عم منبيعوو يا ريت كل واحد ياخد عقد تعبو”.
في طوابير الخبز، يتململ الصامدون في وقفتهم فيما يعبّر بعضهم عن غضبه وهو يشاهد باعة السوق السوداء يأخذون الخبز عدة مرات، وهم ما يزالون في بداية دورهم.
“أبو منار” خرج فائزًا من طابور الخبز وأثار النصر ربطة خبز يحملها بحرص بين يديه. قال لمراسل “تطبيق خبّر” ” أي والله متل مالك شايف يا إبني، صارت ربطت الخبز أبسط شي يمكن ناكلو، يضيع عليها عمرنا يلي ما بقي منو شي”.
وردًا على سؤال حول عدم شرائه من السوق السوداء وتوفير وقته وجهده، أجاب أبو منار أن الباعة المتجولين هؤلاء هم سبب كل أزمة الخبز، ويتاجرون به بأسعار مرتفعة ودون رقيب أو حسيب”.
أكمل أبو منار طريقه خاتمًا قوله إنه “لا يسعنا إلا أن نترك عقاب هؤلاء الذين يتاجرون في لقمة الناس للآخرة طالما لا حساب لهم هنا في الدنيا”.
معلمة الرياضيات “أم صلاح” قالت إن حلول أزمة الخبز متوفرة، “لكن هناك مستفيدون من وجودها وهم الباعة ومن يديرهم من رؤوس كبيرة”.
الفساد جعل لكل مادة استهلاكية أزمة يتربح منها الفاسدون
أوضحت أم صلاح أن “القمح و الطحين من خيرات سوريا، لا من المساعدات أو المواد المستوردة، وفي ذروة الحرب لم نكن نعاني مثل هذه الأزمة وغلاء الأسعار”.
وأضافت أنه “حين هدأت الأمور بدأ الفاسدون في استغلال الأوضاع لمصالحهم وصارت هناك سوق سوداء لكل شيء مثل الخبز والمازوت والغاز وغيرها، وصار الفاسدون مثل المثل الشعبي “بيقتل القتيل وبيمشي بجنازته”.
لكن للبائع أيمن العامل في كوة بيع الخبز الخاصة بأفران إبن العميد في حي ركن الدين رأي آخر وهو أن “الباعة المتجولين للخبز قد خففوا من الأزمة، وقلصوا عدد كبير من الناس الواقفة في انتظار دورها للحصول على الخبز”.
وأضاف أيمن أن “كثير من الناس لا وقت لديهم للانتظار، ولديهم القدرة الشرائية لدفع ثمن ربطة الخبز في السوق السوداء، بالتالي نكون هكذا نساهم في تخفيف أعداد الناس في طابور الخبز”.
وردًا على سؤال عن توقعاته للوقت الذي ستنتهي فيه أزمة الخبز، قال أيمن لمراسل “تطبيق خبّر” إنه “نحن كأفران أكثر من يتمنى انتهاء الأزمة، لكن بسبب الأوضاع الحالية فذلك صعب، وهناك ضغط كبير على الأفران بالمدينة بسبب إغلاق بعض الأفران بريف الشام”.
جدير بالذكر أن اتفاقًا أبرم بين الجانبين السوري والتركي بوساطة روسية، نص على نقل مئات الأطنان من القمح من مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية. يأمل الشارع السوري أن ينهي ذلك أزمة الخبز وسوقه السوداء.