رغم تسجيل قفزة غير مسبوقة بإصابات كوفيد-19 وفرض إغلاق مشدد، يواظب عمر قرحاني على فتح محله المتواضع لبيع الخضار في شمال لبنان من أجل تأمين قوت عائلته، كما يقول، مؤكداً أن الفقر يخيفه أكثر بكثير من الوباء.

ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقاً عاماً مشدداً مع حظر تجول على مدار الساعة يعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، لكن الفقر الذي فاقمته أزمة اقتصادية متمادية يدفع كثيرين الى عدم الالتزام سعيا الى الحفاظ على مصدر رزقهم.

ويقول قرحاني (38 عاماً) وهو أب لستة أولاد ويقيم في منطقة الزاهرية في طرابلس لوكالة فرانس برس بانفعال، “لا أخاف من كورونا، إنما تخيفني الحاجة والفقر”.

ويضيف “يخيفني أن يمرض أولادي ولا أجد لهم دواء في الصيدليات” التي تعاني منذ أسابيع من انقطاع عدد من الأدوية.

وفي انتظار الزبائن، يتفقد قرحاني صناديق خضار قليلة يعرضها في محله الذي افتتحه قبل أشهر بعدما كان يعمل في محل لبيع الزهور.

ويقول “نحتاج يومياً لأكثر من 70 ألف ليرة (8 دولارات وفق سعر صرف السوق السوداء) لتأمين طعامنا، بينما لا يؤمن عملي نصف هذا المبلغ”.

وتتشدّد السلطات في تطبيق الإغلاق العام الذي بدأ في 14 من الشهر الحالي ويستمر حتى الثامن من شباط/فبراير. ويستثني الإقفال المرافق الحيوية والصحية والأفران وخدمة التوصيل في محال بيع المواد الغذائية.

وسجّل لبنان منذ مطلع العام معدلات إصابة ووفيات قياسية، بلغت معها غالبية مستشفيات البلاد طاقتها الاستيعابية القصوى.

وبلغ عدد الإصابات منذ بدء تفشي الفيروس أكثر من 282 ألفا، بينها 2404 وفاة. ويبلغ عدد سكان لبنان قرابة ستة ملايين.

وتسطّر قوات الأمن يومياً الآف محاضر الضبط بحق مخالفي الإجراءات. لكن ذلك لا يمنع كثيرين خصوصاً في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية من الخروج لممارسة أعمالهم، خصوصاً في طرابلس حيث كان أكثر من نصف السكان يعيشون منذ سنوات عند أو تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويرجّح أن تكون النسبة ارتفعت على وقع الانهيار الاقتصادي.

مقبل على انفجار
لليوم الثاني على التوالي، شهدت طرابلس مساء الثلاثاء تحركات احتجاجية مع خروج شبان غاضبين رفضاً للاغلاق العام.

وأفادت مراسلة فرانس برس عن مجموعات تضم العشرات توزعت في أنحاء المدينة، حاول بعضها اقتحام السرايا. وألقى ملثمون قنابل مولوتوف ومفرقعات على قوات الأمن في محاولة لافتعال الشغب.

وقال عبدالله البحر (39 عاماً) وهو أب لثلاثة أطفال بغضب لفرانس برس “لا أتمكّن من احضار كيس خبز إلى المنزل.. سنموت إما من الجوع وإما من كورونا”.

وأسفرت احتجاجات تطورت الى مواجهات مع قوات الأمن ليل الإثنين عن إصابة أكثر من ثلاثين شخصاً بجروح، غالبيتها طفيفة.

وأحرق محتجون بعضهم لم يكن يضع حتى كمامة، إطارات في وسط الشوارع، ورشقوا القوى الأمنية بالحجارة، فردّ عناصر الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.

ويشرح محمّد البيروتي (65 عاماً) الناشط في لجان تتولى متابعة شؤون الفقراء في طرابلس لفرانس برس أن “معظم الذين لا يلتزمون بقرار الإقفال هم من المياومين، أي أنّهم في اليوم الذي لا يعملون فيه لا يأكلون”.

ويحذّر من أنّ “الوضع المعيشي مقبل على انفجار شعبي، وما حدث ليلًا ليس إلا مقدمة”.

وجاء تزايد تفشي الوباء ليفاقم تداعيات انهيار اقتصادي في لبنان بدأ منذ أكثر من سنة. وبات أكثر من نصف السكان في لبنان يعيشون تحت خط الفقر وربعهم تقريباً في فقر مدقع، وفق الأمم المتحدة.

وتقدّر وزارة العمل أن المياومين يشكلون نحو 50 في المئة من اليد العاملة اللبنانية. ولا يستفيد هؤلاء من أي تقدمات اجتماعية أو صحية.
وأبدت منظمة “أنقذوا الأطفال” (save the children) قلقها “العميق” من تداعيات الإغلاق التام على العائلات والأطفال الذين يعانون أساساً من أوضاع اقتصادية هشّة، ما لم يتم دعمهم بشكل فوري.

وتحدثت مديرة المنظمة في لبنان جنيفر مورهاد في بيان في منتصف الشهر الحالي، عن “واقع قاتم للغاية”، مشيرة الى أن “البقاء على قيد الحياة بات مهمة يومية لملايين الأطفال وأسرهم” في لبنان.

ويصف النجار اسماعيل أسعد (43 عاماً)، وهو أب لسبعة أولاده عمر أكبرهم 19 عاماً، بدوره الوضع ب”المأسوي”.

و يقول إنه يلازم منزله في قرية عين الذهب في منطقة عكار في أقصى الشمال منذ أسبوعين بسبب الإغلاق، مضيفا “قبل الإقفال كان العمل خفيفا، أما الآن فلم يعد بإمكاننا العمل بالمطلق، ماذا يفعل من لا يقبض راتباً شهرياً؟”.

في برمانا، المنطقة الجبلية المطلة على بيروت، لم يتلق جورج منذ نحو أسبوعين أي اتصال لطلب خدماته في مجال الكهرباء.
ويقول “أفكر يومياً كيف يمكنني أن أتفادى دفع تكاليف أو فواتير.. والأسعار لا ترحم”.

دعم الدولة

ويؤكد جورج أنه لا يعارض قرار الإغلاق للحدّ من تفشي الوباء الذي أنهك القطاع الطبي. لكنه يسأل “كيف يمكن للدولة أن تأخذ قراراً مماثلاً من دون تقديم أي مساعدة مادية” لدعم الأسر على غرار ما يجري في دول عدة.

وتقدم السلطات، وفق وزارة الشؤون الاجتماعية، مساعدات مادية بقيمة 400 ألف ليرة (50 دولاراً) شهرياً لنحو 230 ألف أسرة، وهو مبلغ زهيد جدا ولا يكفي لتأمين حاجات أساسية.

وقال وزير السياحة والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية لقناة “الجديد” التلفزيونية الثلاثاء إن 25 في المئة فقط من اللبنانيين لا يحتاجون إلى مساعدة.

وتطال تداعيات الإغلاق المشدد كذلك مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يعيشون أساساً ظروفاً صعبة.

بين هؤلاء عبد العزيز (35 عاماً)، عامل الطلاء الذي يقيم مع عائلته في منطقة الأشرفية في شرق بيروت. ويقول بأسى “لم أقبض ألف ليرة منذ بدء الاغلاق”.

ويضيف الشاب الذي نزح من شمال سوريا العام 2014، “هربنا من الرقة عندما دخل داعش مناطقنا وتدمرت بيوتنا.. يبدو أننا نجونا من الموت هناك وسنموت هنا جوعاً”.