نبّه البنك الدولي الثلاثاء إلى أن الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان جعلت الاقتصاد عرضة “لكساد شاق”، وصفه بـ”المتعمد” مع إخفاق السلطات في احتواء الانهيار، داعياً إلى تشكيل حكومة تنكبّ على تنفيذ برنامج إصلاح شامل على وجه السرعة.
ويشهد لبنان منذ العام الماضي انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، تزامن مع تدهور قيمة العملة المحلية وتضاؤل احتياط العملات الأجنبية في المصرف المركزي وارتفاع معدلات الفقر الى أكثر من نصف السكان والبطالة.
وجاء تفشي وباء كوفيد-19 ثم انفجار المرفأ المروع في 4 آب/أغسطس ليفاقم الوضع سوءاً.
واعتبر البنك الدولي، وفق ما جاء في النص العربي لتقرير أصدره بعنوان “الكساد المتعمد”، “الافتقار المقصود إلى إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل”.
وحذّر من أنّ لبنان “يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث باتت هجرة العقول تٌمثل خياراً يائساً على نحو متزايد”.
ورأى أنّ “عبء التعديل الجاري في القطاع المالي يتركّز بشكل خاص على صغار المودعين” إضافة الى القوى العاملة المحلية والشركات الصغيرة.
وتفرض المصارف منذ الخريف الماضي قيوداً مشدّدة على عمليات السحب بالدولار، بات معها المودعون عاجزين عن الحصول على أموالهم ومدّخراتهم. وبرزت سوق سوداء سجّل فيها سعر صرف الليرة معدلات قياسية مقابل الدولار بينما لا يزال السعر الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات. وتخلّف لبنان هذا العام للمرة الأولى عن سداد ديونه الخارجية.
ورجّح البنك الدولي تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد إلى -19,2 في المئة عام 2020، بعد انكماشه بنسبة -6,7 في المئة عام 2019. وقال إنّ انهيار العملة أدى إلى “معدلات تضخم تجاوزت حد المئة في المئة”.
وقال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه “غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعيق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل”.
وشدّد على أنّه “يتعيّن على الحكومة الجديدة أن تنفّذ على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، فضلاً عن اتخاذ تدابير متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية”.
ورغم الضغوط الدولية التي تقودها فرنسا، لا تزال القوى السياسية جراء الانقسامات والخلاف على الحصص عاجزة عن تشكيل حكومة تنكب على تنفيذ إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لمساعدة لبنان.
واستقالت الحكومة الأخيرة في العاشر من آب/أغسطس تحت ضغط الشارع وبسبب عجزها عن اتخاذ قرارات فعلية نتيجة تحكم القوى السياسية بها.
وجاءت الاستقالة بعد انفجار المرفأ الذي تسبّب بمقتل أكثر من مئتي شخص وبتدمير المرفق الحيوي وأجزاء كبيرة من العاصمة. ويرجح أنه نتج عن الإهمال والفساد وتخزين كمية ضخمة من نيترات الأمونيوم في أحد عنابره من دون أي إجراءات وقاية.
ورجّح البنك الدولي أن تكون الأزمة الاقتصادية “أعمق وأطول من معظم الأزمات الاقتصادية”، موضحاً أن “المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة الإعمار الشاملين”.
وينظّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الأمم المتحدة الأربعاء مؤتمراً جديداً عبر الفيديو لمساعدة لبنان مالياً، بمشاركة نحو 30 شخصية من رؤساء دول وحكومات ووزراء ومؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية.