أخبار الآن | بيروت – لبنان (متابعات)
يواجه حزب الله داخل لبنان أحد أكبر تحدياته الداخلية حتى الآن، حيث أدى الانفجار الهائل في ميناء بيروت في وقت سابق من هذا الشهر إلى وضع الحزب تحت مجهر اللبنانيين، بعد ازدياد الحديث عن أن ضخامة الانفجار سببها تخزين أسلحة للحزب داخل المرفأ، أو كون شحنة نترات الأمونيوم التي أدت إلى تدمير أكثر من نصف العاصمة اللبنانية تخص الحزب.
ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، فإنه حتى الساعة لا يوجد أي دليل حاسم على أن هذه المواد استخدمها حزب الله، أو أنه يملكها، وهي التي أدى انفجارها في 4 أغسطس، إلى مقتل ما لا يقل عن 177 شخصًا وجرح أكثر من 6000 آخرين، ولكن لكونه الأقوى عسكريا في لبنان، فإن ذلك وضعه في قلب موجة الغضب العارم الذي اجتاح لبنان اعتراضا على الطبقة السياسية الحاكمة وعلى السلاح غير الشرعي.
موجة الغضب هذه وصلت إلى بيئة حزب الله، بحسب الصحيفة، حيث تزايد أعداد الشيعة ضمن الاحتجاجات التي شهدتها عدة مناطق، وقام المتظاهرون الغاضبون ضد الفساد والإهمال بشنق دمى السياسيين بينهم زعيم حزب الله حسن نصر الله في ساحة الشهداء بوسط بيروت، وهي المرة الأولى التي يتعرض فيها لهذا السب علنا في الميادين.
وقال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت: “حزب الله في مأزق، والخناق يضيق حوله”، مضيفا: “إنها معضلة. إنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. إنهم يعرفون أن المزاج السائد في لبنان لا يدعمهم حقًا”.
غضب الشيعة
وتطرق نصر الله في كلمة ألقاها يوم الجمعة إلى ما أسماه “الكلمات الجارحة والممارسات المؤذية” ووجه تهديدات مبطنة لمنتقديه، وسأل أنصاره إذا كانوا غاضبين، ثم قال لهم: “تمسكوا بهذا الغضب. سنحتاج إلى هذا الغضب يومًا ما، لإنهاء محاولات جر البلاد إلى حرب أهلية مرة واحدة وإلى الأبد”، ما فسر بإنه عودة إلى زمن الاغتيالات التي شهدها لبنان، واتهم الحزب بتنفيذ معظمها.
وبحسب الصحيفة، هذه المرة لا يقتصر الأمر على المسيحيين والسنة الذين طالما غضبوا من الحزب ودوره في تهديدهم واستخدام مناصريه للسلاح في مناطقهم، بل امتد هذا الغضب إلى الشيعة أيضا، وهم يشكلون بيئة الحزب ومركز ثقله، ولطالما لعب الحزب على وتر هذه الطائفة.
وتحدثت الصحيفة مع سيدة من الطائفة الشيعية تعيش في بلدة النبطية الجنوبية، تدعى نينا، حيث قالت: “أنا أم تتألم بسببهم”، وتحدثت عن الصعوبات التي تعانيها لإطعام أسرتها ورعاية أفرادها وسط الظروف الاقتصادية الصعبة، وقالت: “غسل الدماغ بالحديث عن مقاومة إسرائيل لن يطعمنا أو يؤمن مستقبل أطفالنا. إنهم سبب كل ما يحدث في بلدنا”.
لقد أثار الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد بالفعل مستوى غير مسبوق، وإن كان صامتًا، من السخط بين الشيعة اللبنانيين، وفقًا لداعم قوي سابق للجماعة الذي يعيش في الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله في بيروت ولا تزال تربطه بها علاقات وثيقة.
دولة موازية
حتى قبل الانفجار، كان ثلثا الناس غاضبين، وذكر رجل أنهم جائعون وليس لديهم نقود ليأكلوا أو يشتروا الدواء، مشيراً إلى أنه لا يستطيع أحد أن يتذمر لأنهم “يُحكمون بالحديد والنار”.
وأكد محللون ودبلوماسيون أن حزب الله يكافح الآن للحفاظ على النفوذ الذي كونه منذ تشكيله في الثمانينيات، ومنذ ذلك الحين، بنت الجماعة المسلحة المدعومة من إيران ما يرقى إلى مستوى دولة موازية قوية لها جيشها الخاص وترسانتها المستقلة، وكثيرًا ما يتباهى نصر الله بأن حزب الله وسع نفوذه ليشمل اليمن والعراق وسوريا، حيث لعب مقاتلوه دورًا أساسيًا في ضمان بقاء الرئيس بشار الأسد.
في الوقت نفسه، أدخل حزب الله نفسه في السياسة اللبنانية إلى حد أن الرئاسة والبرلمان والحكومة، التي أجبرت على الاستقالة الأسبوع الماضي وسط غضب شعبي، كلها تقبع تحت سيطرته بالتعاون مع حلفائه.
لا يزال حزب الله يحكم ولاءات عدد كبير من الشيعة، مدعوماً بشبكات المحسوبية الواسعة التي يحظى بها وتقديم الخدمات الاجتماعية التي تفوق تلك التي تقدمها الحكومة، كما تمويل هذه الشبكات والدفع لمقاتليه بالدولار، وهي سلعة نادرة في لبنان هذه الأيام، على حد قول ربيع طليس، الناشط الشيعي والصحفي من سهل البقاع، الذي تلقى تهديدات بالقتل لانتقاده الصريح للتنظيم.
وأشار إلى أن “الشقاق الطبقي” ينشأ بشكل متزايد بين من يتقاضون رواتبهم بالدولار من حزب الله وبين الشيعة العاديين الذين انهارت مكاسبهم بالليرة اللبنانية بسبب انهيار قيمة العملة المحلية، وقال: “هناك ارتفاع ملحوظ في الانتقادات للحزب. يقول الناس إن حزب الله شريك في عملية الفساد وهو أيضًا حامي الفاسدين”.
وضع صعب للغاية
وصرح خشان أن المأساة أعادت تركيز الاهتمام الدولي على لبنان بعد فترة طويلة من الإهمال، مما ساهم في إدراك العديد من اللبنانيين أن حزب الله أصبح عائقاً أمام تلقي البلاد للمساعدة الدولية اللازمة لدرء المزيد من الانهيار الاقتصادي، وأضاف: “هذا يضع حزب الله في موقف صعب للغاية لأن الجميع يعلم أن لبنان معلق حتى يتم التعامل مع قضية الحزب مرة واحدة وإلى الأبد”.
وأوضحت العديد من الدول في جميع أنحاء العالم التي سارعت بتقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان أن المبالغ الأكبر بكثير من المساعدات المالية المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد المفلس لن يتم تقديمها حتى يشرع البلد في إصلاحات سياسية جادة.
بدروه، ذكر فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، أن “حزب الله يحاول الحفاظ على الوضع الراهن وليس استبداله”.
وأوضحت كيم غطاس من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن المنافسين الدوليين والمحليين للحزب يرون هذه اللحظة التي يمكنهم اغتنامها للضغط عليه للتسوية.
أما عماد سلامي، الأستاذ في الجامعة اللبنانية الأميركية، فقد أكد أن الديناميكيات مختلفة الآن، وحزب الله في وضع أضعف بكثير، وقال: “لا أحد يشك في قدرة حزب الله على السيطرة على البلاد عسكريا، لكن الأمر مختلف أن تكون قادرا على حكم البلاد والحفاظ على الانقلاب العسكري، لبنان متنوع للغاية، واقتصاده مرتبط بشدة بالغرب والدول العربية”.
وأضاف سلامة أن استقالة رئيس الوزراء حسان دياب وحكومته الأسبوع الماضي، وهي أول حكومة مؤلفة بالكامل من حلفاء حزب الله، أظهرت أنه لا يمكن لإيران وحدها إنقاذ لبنان.