أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (محمد سلهب)

خلال خمس سنوات من عمر الثورة السورية، تنوعت أساليب التغييب من قِبل قوات نظام الاسد وشبيحته. تنوعت الأساليب بين قتل مباشر أو اعتقال، لكن الفئة التي قلما نسمع عنها هي "المفقودين"، الذين لم يُعرف مصيرهم أهم على قيد الحياة أم فارقوها.

الاختفاء في ريف إدلب

لا تزال "أم محمد" تنتظر ابنها "أحمد" الذي غادرها منذ ما يقارب الستة أشهر، ساعياً خلف قوت يومه، تلك كانت المرة الأخيرة التي ترى فيها ملامح ابنها التي غابت عن ناظريها، "أحمد" 23 عاماً يعمل كبائع متجول على دراجته النارية، يحمل العطور من الأسواق الرئيسية ليعرضها على المحلات في القرى الصغيرة بريف إدلب.

تقول "أم محمد": "غادرني ولدي منذ ستة أشهر، لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أفقده بهذه الطريقة، فأحمد خرج كعادته للعمل لكنه لم يعد ذلك النهار ولم يعتد على النوم خارج المنزل، بدأت الأفكار المريبة تتسلل إلى قلبي، أرسلت أخيه الأكبر "محمد" صباحاً ليتواصل مع رفاقه إن كان قد اضطر للنوم عند أحدهم، لكن محمد عاد دونما خبر حتى أننا ذهبنا إلى جميع رفاقه سواء بالبلدة أو خارجها أيضا دون أن نجد له أي أثر".

وتكمل "أم محمد" قصتها: "ثلاثة أيام مضت على غياب أحمد ونحن نبحث عنه في كل مكان، نتوقع بأنه ذهب إليه بمساعدة من أصدقائه والاقارب، وإلى الآن لا أخبار عنه، وما يؤلمني أنني لا أعرف إن كان حياً أم ميتا. وكانت تسيطر عليَّ فكرة أن أحمد قد استشهد في قصف على إحدى المناطق التي زارها، وفي اليوم الرابع بدأنا البحث في النقاط الطبية المنشرة على طول الطرق المفترض أنّه قد مرّ بها وصولا إلى مشفى باب الهوى، لكن البحث عنه كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، خلال سؤالنا داخل النقاط الطبية أُخبرونا في نقطتين أن هناك صورا لشهداء مجهولي الهوية قضوا بالقصف، وكان محمد يمنعني من رؤيتها ولا يكاد محمد يلقي نظره على الصورة إلا وأشعر بأن قلبي قد توقف، أنتظر أن يقول أنه ليس أحمد، وبنفس الوقت، كان ينتابني شعور أنه إذ ما عثر عليه بين الصور سيخفي ذلك عني".

استمر البحث عن أحمد لعدة شهور متواصلة لم يتركوا فيها مكاناً ولا وسيلةً للبحث إلا واستخدموها، وإلى الآن لا تدري أم محمد أكان ابنها حياً أم لا، فالأسئلة كثيرة ولا جواب عليها.

مفقودون بين داعش والمناطق المحررة

تتنوع حالات الاختفاء وفقدان الأشخاص بين منطقة وأخرى، بين مناطق النظام، ومناطق سيطرة داعش، وأحياناً المناطق المحررة الخاضعة للثوار نتيجة بعض الأعمال أو الظروف، مثل قصة "أم مصطفى" التي فقدت أيضاً ولدها الأكبر وهو المعيل الوحيد لأسرته بعد وفاة والده.

كان مصطفى ورفاقه يعملون في نقل المحروقات من مناطق سيطرة داعش إلى المناطق المحررة، حالهم كحال الكثير ممن يعملون في هذا المجال ولم تكن تواجههم أي صعوبات ولم تمر عليهم حوادث غير اعتيادية، إلى أن فُقد مصطفى واثنين من رفاقه في طريقهم إلى "جبل الزاوية" بسيارتهم الخاصّة، وقد أخفى رفاقه الخبر عن ذويهم ريثما يتم العثور عليهم أو معرفة مكانهم.

"نهاد" أحد أصدقاء مصطفى، يقول: "نحن نعمل على سيارتين لنقل المحروقات وأخرى للتنقل الحر، وكالعادة نركن الصهاريج بحسب أرقام متسلسلة في طابور طويل ونتناوب إلى أن يتم تزويدنا بالمحروقات وقد تطول مدة الانتظار لأيام، وفي المرة التي ذهب مصطفى ومعه اثنين تفاجأنا أنهم لم يتواصلوا معنا وقد مرّ على سفرهم يوم كامل، وبدورنا اتصلنا بأقاربنا في البلدة دون أن نتلقى الخبر اليقين عنهم، وبدأنا بالبحث عنهم هنا لعدة أيام وكتمنا الخبر عن أهاليهم علّنا نحصل على أي معلومة تقودنا إليهم ولكننا لم نستطع كتم الخبر طويلاً".

أما "أم مصطفى" فتقول: "أخبرني أصدقاء مصطفى أنهم فقدوه مع اثنين من رفاقه دون أن يجدوا لهم أثرا، وقيل لهم أن داعش هو من خطفهم، ورغم البحث والوساطات التي كنا نرسلها لأمراء في داعش بمساعدة أهالي المنطقة، إلا أننا لم نحصل على نتيجة وفي كل مرة يأتينا أحدهم ويذكر لنا أن مصطفى على قيد الحياة ويحدد مكانه، وأخبار أخرى تقول أنه تمت تصفيته مع رفاقه".

حالات التغيب القسري هي كثيرة منذ بداية الثورة، بدأها النظام ويبدو أنها لن تنتهي مع ظهور تشكيلات عسكرية مشبوهة تعمل لأجندات خاصة.