أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
باتت أخبار غلاء الأسعار في دمشق تمّر كغيرها من الأخبار البائسة على ساكنيّ ما تبقى من مدينة دمشق؛ التي باتت الحياة فيها أشبه بمعاناة شاقة، فمن بقي فيها على قيد الحياة ولم يعتقله الأمن ولم يطرد من عمله، أصبح مختنقاً تحت رحمة التجار والمتلاعبين بالأسعار، أمام صمت حكومي مستفز عن كل ما يجري للمواطنين، خصوصاً الطلاب والموظفين وأصحاب الدخل المتوسط من الشباب تحت سن الأربعين الذين كانوا وقوداً لحرب الأسد على شعبه، وأكثر المتضررين من استمرار مجازره الفعلية والنفسية.
ما معنى أن يستمر ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني؟
يتساءل "عادل" 35 عاما، ويشكو من انعدام الموارد المالية التي تقيك الموت جوعاً أضعف الإيمان، فهذا لا يخدم إلا الأغنياء الذين لم يسافروا بعد من التجار والضباط ورجال الأعمال، والذين يفضلون استمرار الحرب لأنها تزيد مكاسبهم.
ولا يعرف "أبو محمد" 38 عاما، أب لثلاثة أطفال، ماذا سيطعم أولاده غداً، وكيف سيكون رده في حال بدأوا يتذمرون من شح المواد الغذائية وصعوبة تأمينها. فيقول: "أحاول كل يوم ايجاد عمل يُقيني أنا وعائلتي من الجوع، بعد أن طُردت من عملي كمدرس سابق في إحدى مدارس دمشق بتهمة الخيانة والتآمر. ولم يتوقف الأمر هنا فقد طردوني دون تعويض وأصبحت اليوم بلا راتب".
وما يزيد الأمر سوءاً كما يقول "هاني" 25 عاما، الذي ترك دراسته في كلية الآداب لإعالة أسرته الكبيرة: "العمل يكاد يكون معدوما هنا، حتى إن أردت أن تعمل عتالا لن تجد هذه الفرصة"، ويكمل: أعمل بدوام جزئي كحارس لمدرسة يقطن فيها النازحون براتب بسيط.
ما من طريقة لحل أزمة غلاء الأسعار كما تقول "هدى" 40 عاما، طبيبة أطفال في مشفى دمشق: "اضطررت لبيع عيادتي والعمل طوال النهار وأحياناً بمناوبات طويلة خلال الليل حتى أغطي مصاريف عائلتي. أصبحت الحياة في دمشق غاية في الصعوبة. عند الشراء نحاسب على سعر صرف الدولار وبالقبض نحاسب بالليرة السورية، وعلى ذلك فأسعار السلع والمستلزمات أصبحت أكثر بعشرة أضعاف. هذا يذبح المواطن ويُصعب عليه الحياة".
أمّا "عمر" فلديه تحليل آخر، يقول بأن ارتفاع الأسعار مرتبط بدخول الأموال واستيرادها من الخارج، وأولها شراء الدولار بحالة انخفاض أسعاره وبيعه عندما يرتفع، زد على ذلك فقد أصبح كل الناس يتعامل بالدولار الفقير والغني والميسور، الأمر الذي يؤثر على الأسواق ويجعلها بحالة متوترة.
ويناقضه "حسام" طالب ماجستير في كلية الاقتصاد، فيشرح كيف أثّر التاجر وتلاعبه بالأسعار على حالة السوق التي أصبحت مرتفعة دائمة وغير متواترة، وأكد على دور الحكومة السيئة بإدارة البلاد وخصوصاً في وضعها الاقتصادي الذي وصفه بالتعيس، في ظل ارتفاع مستوى البطالة وخصوصاً عند الشباب.
فرص عمل غير مواتية
تقول "هلا" 20 عاما: "لا أستطيع دخول الجامعة، فأنا مضطرة لمساعدة والدتي بالصرف على أخوتي الأربعة بعد أن توفى والدنا العام الماضي"، وعن عملها قالت هلا أنها تعمل في صالون تجميل للسيدات براتب عشرة آلاف ليرة سورية في الشهر أيّ ما يعادل 20 دولارا.
"علياء" 30 عاما، تعمل في غسيل الأواني في احد المطاعم الرخيصة في مدينة دمشق، تقول: أنا محظوظة لأني وجدت مثل هذا العمل، غيري يسعى كل النهار باحثاً عن عمل أقل من هذا.
وعن راتبها الشهري قالت بأنها تتقاضى ما يقارب 20 ألف ليرة سورية في الشهر.
ويعلق "أحمد" على عمله البسيط كمستخدم في إحدى الشركات الحكومية: "هذا ما لم يكن متوقعا، لم أفكر من قبل بأنني سأضطر للتخلي عن دراستي والعمل في هذا المكان". وبالسؤال عن دراسته أجاب بأنه كان طالب دراسات عليا في قسم الآثار.
هذا غيض من فيض، يقول دكتور علم الاجتماع "سيف. أ" في تحليله لظاهرة البطالة عند الشباب التي ترافقها خيبة أمل كبيرة: تؤدي أغلب الأحيان للإصابة بالاكتئاب، والتي يسببها الوضع المعيشي المتردي ابتداءً من غلاء الأسعار وانتهاءً بقلة الفرص أو انعدامها. ويكمل: فئة الشباب تحمل ثقلاً كبيراً في المجتمع، فهي الفئة التي يقع على عاتقها التغيير والتطوير، ومرحلة الشباب أكثر المراحل تأثيراً في عمر الإنسان، وما يحدث اليوم في سوريا هو تعطيل لهذه الفئة لإشغالها عن حقوق وواجبات أهم كان من المفترض أن تنشغل بها، أمّا أن يترك الطالب جامعته أو علمه فهو أمرٌ خطير، إلى جانب بحثهم المضني عن عمل غير متوافر أساساً، ما يجعل الكارثة أكبر. فهذا الطالب لن يستطع العودة للدراسة ولم يتمكن من إيجاد عملا مناسبا له.
وتعقيباً على هذا الأمر تقول الدكتورة "حنان" أخصائية نفسية: "إن غالب الشباب السوري يعاني من أزمات نفسية كالاكتئاب، وإذا كان الشاب يحمل حلماً كبيراً ويراه مستحيلاً سيكون من الصعب عليه أن يرى الحياة سهلة وأن يكون متفائلاً، خصوصاً وأن أغلب من يتخلى عن دراسته أو عمله الذي يحبه يفقد الرغبة بمتابعة أي شيء آخر، أمّا البعض فهم مضطرون بسبب الفقر والحاجة، فيصل الشاب لمكان تنعدم فيه خياراته ويصبح غير قادر على العيش ويفكر بالانتحار".