أخبار الآن | خاص – غازي عينتاب (عماد كركص)
بعد محطة لم يعلن عنها سابقا بزيارته إلى العاصمة الأردنية عمان، يصل المبعوث الأممي "ستيفان دي ميستوار" اليوم إلى دمشق ليلتقي وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم وعدد من مسؤولي وزارة خارجية النظام، وسيلتقي أيضاً السفير الروسي المعتمد لدى دمشق، فيما لم يعلن حتى الآن عن الأجندة التي سيتم بحثها من قبل دي ميستوار مع المسؤولين في دمشق، لكن يبدو أن المبعوث الدولي يحاول من خلال هذه الزيارة الضغط على النظام لإعطاء التعليمات لوفده التفاوضي إلى جنيف من أجل الدخول في مباحثات جدية ومباشرة مع "الهيئة العليا" للخروج من الأزمة على أساس "وثيقة المبادئ الأساسية" ذات 12 بنداً والتي قدمها دي ميستوار في نهاية الجولة الماضية، ومن المؤكد أن زيارته لن تتضمن أي لقاء رسمي أو حتى لقاءات مع المعارضة التي تتخذ من دمشق مقراً لها "معارضة الداخل".
يأتي ذلك قبل يومين من انطلاق الجولة الثالثة من مباحثات جنيف لحل الأزمة السورية، المقررة في 13 من نيسان / إبريل الحالي، والتي تتمسك المعارضة خلالها ببحث آلية واضحة لتشكيل "هيئة الحكم الانتقالي" ومستقبل رأس النظام بشار الأسد، فيما يرفض النظام التطرق لهذين الأمرين مدعوماً بالموقف الروسي الذي يبدو أنه أقنع الأمريكيين في تأجيل بحث سبيل مصير بشار الأسد خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" إلى موسكو في 24 من آذار / مارس الماضي.
من جهتها، قالت المعارضة السورية وعلى لسان المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات "سالم المسلط": "أن المعارضة لن توافق على أي دور للرئيس السوري بشار الأسد في هيئة الحكم الانتقالي في المستقبل". وأضاف في تصريح لوكالة رويترز: "بالنسبة لنا من المهم الذهاب إلى جنيف والبدء في التفاوض على هيئة الحكم الانتقالي بحيث لا يكون هناك دور للأسد فيها. إنه قرار الشعب السوري بأنه لا يريد أن يرى الأسد في السلطة أكثر من هذا".
"الهيئة العليا للمفاوضات" ومشروع "إعلان دستوري مؤقت"
وتسعى "الهيئة العليا للمفاوضات" خلال الجولة القادمة أيضاً، لتكريس فكرة إعلان دستوري مؤقت ريثما يتم صياغة دستور جديد للبلاد أو العودة لدستور عام 1950 الذي ينص في مواده على أن انتخاب الرئيس في البرلمان، وأن فترة حكم الرئيس مدتها 5 سنوات يحق له الترشح لولاية ثانية فقط، وتتمسك الهيئة بمطلب حل البرلمان قبل إجراء أي انتخابات من شأنها اختيار الرئيس القادم لسوريا، بالإضافة لتشكيل "هيئة حكم انتقالية" بصلاحيات كاملة على أن تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية إليها بالكامل.
لكن النظام ومعه مسؤولون روس، على رأسهم نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" يشددون على أن تشكيل "هيئة حكم انتقالي" ليس له أساس في الدستور السوري الحالي، وأن مسألة تحديد مصير الأسد غير مطروحة في الجولات التفاوضية القادمة، كون اجتماعات "المجموعة الدولية لدعم سورية" في فيينا لم تتطرق لمسألة رحيل الأسد وأن هذا الأمر من المستبعد طرحه في الفترة الحالية بحسب ما نقلته وسائل إعلام روسية عن "بوغدانوف".
ويتمسك النظام بالدستور الحالي الذي تم إقراره وإجراء الاستفتاء عليه في عام 2012 والذي ترفضه المعارضة شكلاً ومضموناً.
"بوغدانوف" الذي حاول الضغط على المعارضة لتوسيع مشاركتها في الجولة المقبلة في مسعى لضم إليها شخصيات من خارج الائتلاف والهيئة العليا، اجتمع في هذا الإطار مع شخصيات من "إعلان القاهرة" من بينهم جمال سليمان وخالد المحاميد في مصر، والسيد معاذ الخطيب "الرئيس السابق للائتلاف الوطني" في قطر، وتم توجيه دعوات على هذا الأساس لمجموعة "إعلان القاهرة" لحضور الجولة القادمة من المفاوضات.
وعن ذلك قال الدكتور رياض نعسان آغا المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات في تصريح لـ "أخبار الآن": "وفد "الهيئة العليا" وحده المفاوض ولا شأن لنا بمن سيدعو دي ميستورا من مستشارين له".
أما عن رؤية "الهيئة العليا" لشكل "هيئة الحكم الانتقالية"، وردها على النظام بأن "هيئة الحكم " بالأساس ليس له أساس دستوري بالنسبة لدستور 2012، وعن إمكانية قبول الهيئة بطرح النظام بتشكيل حكومة توافقية تضم موالين ومعارضين ومستقلين ومن ثم الانتقال لدستور جديد، أضاف الأغا: "الموضوع الوحيد الذي سنناقشه هو تشكيل هيئة حكم انتقالية وهذا ما حدده قرار مجلس الامن 2254، وما دعانا اليه دي ميستورا و"هيئة حكم انتقالية" يعني انتقال الحكم من عهد الأسد الى عهد الديموقراطية الجديد".
وكان دي ميستورا قد سلم لوفدي المعارضة والنظام وثيقتين تتضمن الأولى "المبادئ الأساسية للحل" من 12 بنداً، وأخرى تتضمن 29 سؤالاً مشتركاً لكل من وفدي النظام والمعارضة تتعلق بنظرة الطرفين لشكل "الحكم" وفق القرار الدولي 2254 لعام 2015 وصلاحيات الحاكم وعلاقات الحكم مع المؤسسات التنفيذية "برلمان-قضاء- بلديات- مستوى محلي"، وكيف سيتم تمثيل الطوائف والعرقيات ضمن الحكم الجديد، على أن يجيب الطرفان على الأسئلة في بداية الجولة القادمة.
"الهيئة العليا للمفاوضات" والمقترح الروسي
وكانت وسائل إعلام قد تناقلت يوم الأمس نقاطاً على شكل مسودة لأجوبة الهيئة العليا على أسئلة دي ميستورا، لكن كبير المفاوضين لدى الوفد المفاوض التابع للهيئة العليا للمفاوضات "محمد علوش" نفى ذلك جملةً وتفصيلاً، قائلاً في تصريح لـ"أخبار الآن": "أن الأسئلة التي وجهها دي ميستوار تحتوي على تفاصيل من السابق بحثها قبل التوافق على تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، وأن أي مرحلة قادمة لن يكون للأسد ونظامه بكافة الرموز أي دور فيها على الإطلاق، وهذا ما لم يتم بحثه إلى حد الآن مع دي ميستوار، ولذلك موضوع الإجابات غير وارد، ولا يمكن أن نعطي إجابات قبل أن نبحث هاتين النقطتين الأساسيتين بالنسبة لنا".
وسربت مصادر دبلوماسية عربية معلومات عن خطة روسية عرضتها موسكو على المعارضة والنظام، بتشكيل "حكومة عسكرية" تقود البلاد لمرحلة انتقالية حتى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وتأتي هذه الخطة كحل بديل في حال فشل التوصل إلى حل في جنيف يفضي بتشكيل "هيئة حكم انتقالية"، على أن يتألف مجلس الحكم العسكري من 40 ضابطاً يضم شخصيات تمثل فصائل من المعارضة والنظام ويعمل المجلس على تشكيل حكومة عسكرية مقرها دمشق بحماية وضمانة من الأمم المتحدة والدول الفاعلة، على أن تكون شخصيات المجلس بعيدة عن واجهة المعارك وتتمتع بقبول الأطراف الدولية. إلا أن المصادر أكدت بأن موسكو نفسها تتوقع عدم تعاون عائلة الأسد والعائلات المتحالفة معها بالخروج من الحكم وتسهيل دخول شخصيات علوية سياسية وعسكرية في الدخول في المجلس الانتقالي المراد الاتفاق عليه في جنيف.
وتقول الخطة أيضاً أن المجلس سيسعى لدمج الجيش الحر وفصائل معتدلة تابعة للمعارضة مع جيش النظام وقوات الدفاع الوطني، في "جيش سوريا الوطني" وعلى الفصائل الأخرى حل نفسها وتسليم سلاحها لمجلس الحكم العسكري خلال مدة أقصاها 3 أشهر وإلا ستعتبر فصائل إرهابية.
وفي هذا السياق قال العميد أسعد الزعبي رئيس وفد المعارضة المفاوض إلى جنيف في تصريح سابق لـ "أخبار الآن" : "أي حديث عن أي خطة أو برنامج قبل رحيل النظام وعلى رأسه بشار الأسد وكافة المجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين، يعتبر عرقلة أمام حل سياسي حقيقي".
وأضاف: "لدينا ضمن خطة هيئة الحكم الانتقالي، تشكيل مجلس عسكري مؤقت، كما هو الحال بالنسبة لتشكيل مجلس قضائي مؤقت، بالإضافة إلى صياغة دستور مؤقت، لكن كل ذلك يتم بحثه بعد الانتقال السياسي، وبالتالي بعد رحيل النظام وكافة رموزه الذي شاركوا بقتل السوريين طيلة خمسة أعوام".
وختم الزعبي: "عندما سيكون هناك أي مجلس عسكري ضمن هيئة حكم انتقالية، تضم موالين ومعارضين ومستقلين، من الطبيعي أنه سيكون هناك ضباط من لا يزالون ضمن المؤسسة العسكرية للنظام، لكن هناك معايير ليقبلهم السوريين وأن لا تكون أيديهم ملطخة بالدماء، وأنهم لم يشاركوا في الأعمال العدائية بتجاه الشعب السوري، ونحن عندما نطرح ذلك لأننا لا نريد وجود ثارات مستقبلية، وبالتالي على أي شخصية ستشارك يجب أن تلقى قبول السوريين".
كل ذلك يأتي بالتزامن مع انهيار " هدنة وقف الأعمال العدائية والقتالية" في العديد من المناطق التي تشملها الهدنة، ودائما ما كان النظام هو المبادر في خرق الهدنة من خلال قصفه للمدنيين في مناطق آمنة بعيدة عن دائرة المواجهات ما أوقع العشرات من الضحايا المدنيين.
وسيكون أمام دي ميستوار تحدّ فيما إذا كان سينج بالخروج بنتائج مرضية بعد الجولة القادمة من المفاوضات، التي سيتضمن جدول أعمالها إقامة حكم ذي صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية، وجدول زمني لانتقال سياسي وصياغة دستور جديد خلال 6 أشهر، واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال مدة أقصاها 18 شهراً تجري وفق الدستور الجديد تحت إشراف أممي.