أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)
أعدت منظمة "أطباء عبر القارات" دراسة ميدانية في الداخل السوري، أكدت أن عدد المشافي التي تقدم العناية الطبية المشددة قليلة قياسا لما تشهده البلاد من حرب شعواء وما يرافقها من استهداف للمراكز الطبية في المناطق المحررة على وجه التحديد. هذا ما دفع بالمنظمة لإطلاق مشاريعها الطبية في الداخل السوري في بداية عام 2012 وتحديدا في المناطق الشمالية من سوريا في إدلب وحلب وريفهما والمناطق المحاصرة في ريف حمص، الغوطة الشرقية والغربية وجنوب دمشق، إضافة إلى دول اللجوء تحت مسمى البعثة الأغاثية الطبية في سوريا.
منظمة أطباء عبر القارات انطلقت كمبادرة عام 2003 في مدينة الرياض السعودية من قبل مجموعة كبيرة من المتخصصين "أطباء وغير أطباء" من مختلف البلدان الإسلامية بهدف تأسيس مجموعة عمل في المناطق المنكوبة في العالم والتي تطورت فيما بعد لتصبح منظمة مسجلة ضمن منظمات العالم الإنسانية.
نشاطات المنظمة
عن هذه المنظمة يتحدث الدكتور "محمد زاهد المصري" 40 عاما، رئيس بعثة أطباء عبر القارات في سوريا: "في بداية عملنا بالملف السوري استهدفنا اللاجئين في الأردن وتركيا ولبنان، وبعد أشهر قررنا إدخال مشاريعنا إلى الداخل السوري حيث أصبحت استراتيجية البعثة الطبية الإغاثية في سوريا تقديم الخدمات داخل سوريا كأولوية أولى، ثم اللاجئين في دول اللجوء كأولوية ثانية".
مراكز طبية عديدة ومشاريع مبتكرة أطلقتها البعثة في الداخل السوري ودول اللجوء، يبدأ المصري بالحديث عنها قائلا: "مراكز الرعاية الصحية الأولية هي إحدى مشاريع المنظمة وتعتبر أفضل طريقة لتقديم خدمات متساوية للمتضررين في حال وجود نقص في الموارد، انطلق هذا المشروع في نهاية عام 2013، الهدف منه توسيع الجغرافيا التي تستطيع فيه البعثة تقديم خدماتها ضمن ذات الميزانية والموارد المتوافرة"، وينوه المصري أن ميزة الرعاية الصحية الأولية من الناحية الإستراتيجية هي منع الأمراض وبالتالي الإنفاق على القطاع الصحي يصبح أكثر ترشيدا، أما بالنسبة للمواطن الذي يستخدم هذه الخدمة فيكون قد تجنب المرض.
حتى عام 2015 كان هناك سبعة مراكز رعاية صحية أولية في الداخل السوري، خمسة في المناطق الشمالية "أرياف حلب وإدلب" ومركزين في المناطق المحاصرة، يتابع المصري مؤكدا بأن كل مركز يخدم بين 3000 و4000 مواطن في الشهر الواحد وبشكل مجاني، ذلك أن جميع خدمات أطباء عبر القارات هي مجانية حيث وفرت هذه المراكز خدمات التشخيص والعلاج لأهم الأمراض إضافة لخدمات الولادة الطبيعية، التثقيف الصحي، مراقبة تغذية الأطفال.
"أبو عمر" 39 عاما، أحد النازحين من حماه إلى ريف إدلب الجنوبي، كانت زوجته على وشك ولادة مولودها الثاني، فقصد إحدى مراكز الرعاية الصحية الأولية الذي تكفل بمساعدة زوجته التي خرجت من المركز بصحة جيدة مع مولودهما؛ الذي أجريت له التحاليل اللازمة للتأكد صحته وخلوه من الأمراض، يقول أبو عمر مبتهجا: "كم بتنا بحاجه لهذه المراكز في ظل ما نعيشه من أوضاع صعبة وحالة مادية متردية، فلم نعد نستطيع تأمين السكن والطعام، فكيف نستطيع تأمين أجور العمليات والرعاية الصحية وثمن الأدوية وسط هذا الغلاء الفاحش".
الحاجة "صباح" أيضا قصدت إحدى مراكز الرعاية الصحية الأولية أيضا في ريف إدلب وقامت بإصلاح أسنانها بشكل مجاني، فقد كانت تعاني من آلام أسنانها طوال الليل.
حملات مختلفة
يتطرق "المصري" لبرنامج لقاحات الأطفال الذي اعتمدته منظمة أطباء عبر القارات في سوريا مع منظمات أخرى، فيقول: "أطلقنا أكثر من 12 حملة لقاح ضد شلل الأطفال في سوريا حتى الآن، وقد بلغ عدد الأطفال المستفيدين في كل حملة 1300000 طفلا، حتى المناطق ذات التعقيدات المروية كعين العرب قامت المنظمة بإدخال اللقاحات إليها بالتنسيق مع اليونيسيف منظمة الصحة العالمية".
وفي هذا السياق تقول "أم عابد" 30 عاما: "انتشر مرض شلل الأطفال في مناطقنا مؤخرا، وخشيت على أطفالي الثلاثة من العدوى، ولكن حملات اللقاح التي أطلقتها البعثة الطبية الإغاثية قد أزالت مخاوفي، خاصة وأن هذه البعثة كانت تتردد على المنطقة بين الحين والآخر لإطلاق حملات التقليح".
في منطقة حلب كان لأطباء عبر القارات العديد من المنشآت وأهمها "مشفى اعزاز" الذي تعرض مؤخرا لقصف عنيف تسبب في إلحاق أذى كبير بالمبنى، فقامت المنظمة بإعادة ترتيب كافة المنظومة الصحية التي من المفترض تقديم خدماتها في المشفى بعد تأهيله لكي يتم تقديمها من خلال منشآت بديلة في منطقة اعزاز بطريقة تكون أكثر أمانا للكوادر وللمرضى الذين يقصدون هذه المنشآت، يعبر عن ذلك المصري قائلا "نحن لا نتمسك بالقشرة الخارجية للمنشأة وإنما باستمرار الخدمة الطبية من خلال مراكز بديلة".
أيضا في "تل رفعت" كان هناك مركزين للمنظمة أحدهما لغسيل الكلى والآخر للنساء والأطفال، وقد تم إخلاء المركزين نتيجة القصف ونقلهما إلى الريف الشمالي، وخلال منتصف شهر أبريل سيعودان للعمل، بحسب المصري. فيما يوضح بأن هنالك في المنظمة ما يسمى مجموعة الحماية، مهمتها القيام بتوثيق جميع الانتهاكات ضد القطاع الطبي في سوريا من قصف للمشافي والمنشآت حيث وثقت منذ عام 2011 أكثر من 346 هجوما على المنشآت الطبية، ووفاة أكثر من 705 من أفراد الكوادر الطبية داخل سوريا، وكان للمنظمة مؤخرا وقفة احتجاجية في جنيف بالمشاركة مع العديد من المنظمات الدولية لمناصرة السوريين و بهدف حماية المشافي والمنشآت والطواقم الطبية السورية،
اعتمدت المنظمة في مساعدتها للمناطق المحاصرة في كل من الغوطة الشرقية والغربية وحمص على فرق من الأطباء المحليين عن طريق إدخال المساعدات لهم عبر الأنفاق أو عبر التفاوض مع المحاصرين.
لم تقتصر مشاريع المنظمة على الداخل السوري وإنما أطلقت أيضا العديد من المشاريع في تركيا وكان أهمها مشروع "خطوة أمل" في مدينة كلس والذي استهدف قطاعين، الأول المصابين السوريين الذين فقدوا اطرافهم أو إحدى اطرافهم في الحرب الدائرة في سوريا حيث قامت المنظمة بتركيب أكثر من 1200 طرف صناعي منذ نهاية عام 2013 حتى الآن، بالإضافة لخدمات أخرى للمرضى الذين يعانون من حالات شلل فتقدم لهم ما يسمى بالجبائر والتي تساعدهم على الحركة.
أما الهدف الثاني من المشروع فهو تدريب الكوادر على كيفية صناعة الأطراف الصناعية بحيث يمكن للمنظمة مستقبلا أن تنتج مشاريع أخرى وبذلك تكون الكوادر متوافرة، وحول هذا الموضوع يقول الطبيب "أحمد" المشرف على هذا المشروع "إلى الآن تم تخريج 15 شابا وشابة سورية، ونحن بصدد تخريج دفعة ثانية خلال عام 2016"، من جهته "وائل" 25 عاما، أعرب عن رضاه وتفاؤله بحصوله على طرف علوي اصطناعي مجاني من المركز بعد تعرضه لشظية تسببت في بتر يده اليمنى، وهو الآن يحاول التأقلم والاعتياد على طرفه الجديد فيقول: "صحيح أن لا شيء يمكن أن يحل مكان العضو الطبيعي، ولكن تركيب هذه الأطراف يعتبر أفضل بكثير من البقاء بدونها شكلا ومضمونا".
برنامج "أمل سوريا"
برنامج "أمل سوريا" هو أيضا أحد برامج ومشاريع المنظمة في تركيا، وهو برنامج دعم نفسي- اجتماعي يستهدف الأطفال الأيتام في المرحلة الأولى والأطفال السوريين بشكل عام، الهدف منه هو تقديم أساليب مبتكرة وليست تقليدية وتكون أكثر فاعلية عن طريق تسخير برمجة الروبوت كحصة تعليمية ترفيهية ضمن الدوام الرسمي الروتيني، يتم خلالها تدريب الأطفال على برمجة الروبوت وبالوقت ذاته مراقبتهم من ناحية احتياجاتهم إلى الدعم النفسي- الاجتماعي، المشروع في مرحلته الأولى وسينتهي في شهر تموز القادم، وهو يطبق حاليا في مدارس الأيتام في كل من غازي عينتاب ومدينة كلس، ونظرا لأن النتائج كانت جيدة جدا "كما وصفها المصري" فقد تم نقل المشروع إلى الداخل السوري مع بداية عام 2016.
"علا" 12 عاما، إحدى بنات الشهداء والمستفيدات من المشروع، تقول: "إن برمجة الروبوت على المواد التعليمية كان أمرا إيجابيا دفعني لحب الدراسة والإقبال عليها من جديد بعد أن تركتها لفترة بسبب النزوح والتشرد".
أما بالنسبة لأهم ما يميز منظمة أطباء عبر القارات فهو كفالتها لعائلات شهداء الكوادر الطبية على وجه التحديد، ويشرح المصري الهدف من هذه المبادرة قائلا: "هو نوع من الالتزام تجاه عائلات زملائنا الذين قضوا أثناء عملهم في القطاع الطبي، حيث نقوم بمنح أسرهم ذات المرتب الذي من الممكن إعطائه للوالد في حال استمراره على رأس عمله".
ويختتم المصري حديثه لافتا لشراكات منظمة أطباء عبر القارات فيقول "هي عضو مؤسس ضمن اتحاد أكثر من 17 منظمة سورية غير حكومية، إضافة لشراكاتها في حملة اللقاح وما يسمى مجموعة ميثاق الشرف وغيرها، نحن نكمل بعضنا بعضا ولا تتعارض أهدافنا فهي ذات الرؤيا والرسالة في تخفيف الأعباء عن كاهل السوريين الصامدين".