أخبار الآن | الحسكة – سوريا (عبد الرحيم سعيد)
تغيّب المجتمع المدني ومفاهيمه عن سورية لعقود خلال حكم الأسد وعائلته، هذه المفاهيم وممارساتها العملية اقتصرت على النقابات المرتبطة بالنظام كنقابة المعلمين ونقابة الفلاحين وبعض الجمعيات الخيرية كالهلال الأحمر، أما على المستوى الشعبي فكان الحصول على الترخيص لجمعية أو ناد ثقافي من الفروع الأمنية حلماً لا يحلم به السوري آنذاك، وأدّى هذا خلال سنوات حكم الأسد إلى غياب هذه المفاهيم في سوريا.
تأسيس المركز
الجمعيات الخيرية كانت أولى المؤسسات المدنية التي تأسست خارج سيطرة النظام في سوريا، فما إن بدأت الثورة وخلال الشهور الأولى ونتيجة للحاجة بدأ النشطاء وبعض الوجهاء بتأسيس جمعيات خيرية لسدّ الفراغ في بعض النواحي "كنقص الأدوية والمواد الغذائية" التي سببها إهمال النظام للمناطق التي طالبت بإسقاطه، أمّا المراكز والجمعيات المهتمة بالسِلم ومحاربة الطائفية ونشر الديمقراطية والاهتمام بالطفولة، فقد تأخرت عن الجمعيات الخيرية بسبب غياب هكذا نشاطات لدى غالبية الشعب السوري ما قبل الثورة.
"أسسنا المركز لأنّنا أحسسنا بحاجة المجتمع إلى مراكز تنشر أفكار المجتمع المدني وتشجع على ممارستها التي غابت أثناء عقود حكم النظام"، بهذه الكلمات بدأ "عمر حاج نوري" الإداري في "مركز نوروز" حديثه مع أخبار الآن عن تأسيس أول مركز مجتمع مدني في محافظة الحسكة باسم "مركز نوروز لإحياء المجتمع المدني"، هذا المركز قد لا نجد ناشطاً في الحسكة إلا ويعرفه لأنّه إما حضر ندوة أو تلقّى فيه ورشة تدريبية أو حضر أمسية ثقافية، فمنذ بدايات عام 2013 والمركز ينشط في هذه المجالات.
السلم الأهلي ورفض الطائفية والكراهية، هدف يعمل المركز على ترسيخ دعائمه في محافظة تشهد تنوعا في مكوناتها القومية والدينية، في وقتٍ كثر استغلال هذه الاختلافات لأهداف سياسية وعسكرية وتوسعية. إضافة إلى ذلك يعمل مركز نوروز على نشر مفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية وتقبل الآخر لدى نشطاء وأحزاب وسكان الحسكة، لهذا الهدف أقيمت في المركز الكثير من الورشات التدريبية عن هذه المفاهيم لتعريف المتدربين عليها، وكذلك العديد من المناظرات واللقاءات الحوارية والندوات الجماهيرية، يقول: "أسسنا المركز بعدما بدأنا بالمظاهرات بعامين تقريباً، لأنّنا رأينا أنّ المظاهرات قد تغير الأنظمة ولكنّها لا تغير الشعوب، وأنشطتنا تتعدد بين دعم السلم الاهلي ونشر مفاهيم الديمقراطية والمجتمع المدني في مناطقنا، فتقبل الآخر كان في وقت النظام مشكلة عند الكثيرين ممّن تأثروا به، كنّا وما زلنا أحياناً نرى الخلافات الفكرية غير مقبولة عند التنظيمات السياسية والأفراد، فمجتمعنا بحاجة إلى التعريف بهذه المفاهيم وتطبيقاتها مع التعريف بتجارب الشعوب الأخرى للاستفادة منهم وعدم ارتكاب أخطاء ارتكبت سابقاً"، ويكمل: إضافة إلى نشاطاتنا فمركزنا مفتوح أمام أيّة نشاطات لأشخاص لديهم مبادرات فردية أو لمراكز ليست لها قاعات مؤهلة، ولا يخلو أسبوع دون استضافة المركز لأكثر من نشاط لجمعيات ولمراكز أخرى".
فعالية وتأثير المركز في الظرف الراهن
الورشات التدريبية التي تحصل في تركيا وإقليم كردستان العراق كثيرة، ولكنّ الوصول إلى تلك الدول لها مخاطر، وكذلك فإنّ اختيار المتدربين يخضع لفوضى ومحسوبيات، لذلك آثر مركز نوروز أن يؤهل كوادره ليقوم بعملية التدريب داخل سوريا كبديل عن مخاطر السفر ومحسوبيات الاختيار، فكوادر المركز منوعون ومؤهلون ويمتلكون الخبرة لتسيير أمور المركز، وغالبهم تلقّى تدريباً في تركيا أو إقليم كردستان العراق بالإضافة للجهود الشخصية لتطوير الخبرات الذاتية عند كوادر المركز، ولكنّهم لا يخفون علينا حاجتهم للمزيد من الكوادر وللمزيد من الخبرات المتعلقة بنشر أهداف مركزهم .
يقول "مصطفى رمضان" مدير مركز نوروز: "كوادر المركز تمتلك خبرات عملية ونظرية في مجالات تخصصنا، تلقينا العديد من الورش التدريبية ونظمنا نحن أيضاً عدداً من الورش لكوادرنا لنصل إلى مستوى يؤهلنا للقيام بعملية التدريب. والمركز كغيره يعاني مما يعانيه الناس في سوريا، فالكهرباء والانترنت والاتصالات حاجة لا بديل عنها وغير مستقرة قد تنقطع في أية لحظة فتغيب عدة أشهر وكثيراً ما حصل هذا، كما عانى المركز من هجرة عدد من كوادره خارج البلاد إمّا هرباً من الملاحقات أو وراء الرزق من أجل هذا تسعى إدارة المركز إلى تأهيل كوادر جديدة لتعويض من هاجروا".
ساهم "مركز نوروز" من نشاطات لخدمة المنطقة في مجال نشر مفاهيم كانت غريبة عن المنطقة سابقاً، وكذلك المساهمة في تطوير الهياكل الإدارية للمراكز الحديثة النشوء في الحسكة وتقديم مساعدات لوجستية لنشاطاتها، فمعظمهم المنظمات والمراكز والجمعيات المدنية في المنطقة تعرف هذا المركز، فغالباً ما تتردد إليه إما لإقامة نشاط لها في قاعة المركز، أو لحضور نشاط أو ورشة تدريبية، وحسب ما يرون فإنّه مركز متميز بنشاطاته وكوادره.
"دجوار توفيق" عضو منظمة "اتحاد الطلبة" يقول لأخبار الآن: "مركز نوروز يقدم مساعدة جيدة لكافة المراكز والمنظمات، وحتى فروعنا في المدن الأخرى حضروا ورش الإدارة في المركز لتطوير العملية الإدارية عندنا، تعرفنا في المركز على مفاهيم جديدة كالعدالة الانتقالية ومفاهيم متعلقة بالمجتمع المدني من خلال تلقينا ورش تدريبية وحلقات حوارية".
مركز نوروز وغيره من منظمات المجتمع المدني، تحاول أن يكون صوت السلم أقوى من صوت الرصاص، وصوت الحب أقوى من صوت البغض والطائفية، وأن تنشر التعايش بين مكونات المحافظة، وتسعى جاهدة ليكون مستقبل الحكم في سوريا مدنياً ديمقراطياً بعيداً عن دكتاتورية عانوا منها سنوات كثيرة، وطائفية هم بغنى عنها وعن نتائجها.