أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا (هيام النشار)
لا تزال قصص المعتقلات السوريات تثير من الشجن والحنق الكثير، وربما لا يصل خيال المرء إلى ما يمكن أن يقوم به النظام السوري من تعسف وقمع وإجرام منقطع النظير.
هنا، في مدينة "غازي عنتاب" التركية، تعيش الشابة "سمية" القادمة من جنوب دمشق، وهي تحمل معها حكايات من الألم والمعاناة لا تنتهي.
الثورة التي حررتني
"كنت أتساءل قبل قيام الثورة عن طموحي في هذه الحياة، أردت أن أكون حرة"، من هنا بدأت الحكاية؛ من هنا أي من تلك اللحظة التي سبقت شرارة ثورة الكرامة السورية. فسمية ذات الـ 17 عاما حينها كانت تستعد للتقدم لامتحانات الشهادة الثانوية وهي تحلم بنجاح يضمن لها دخول الجامعة وحصولها على شهادة تعمل من خلالها لتريح أمها، التي ما انفكت تذوب من أجلها هي وأخويها الصغيرين.
سمية، يتيمة الأب، لم تصدق حناجر الشعب وهي تهتف بالحرية، فهي القادمة من ريف حمص المهمش والقابعة في حي "التضامن" جنوب دمشق، حيث العشوائيات في السكن والتجاوزات في مقدرات الحياة اليومية.
"لم أصدق أن أمي المحافظة قد عملت مع الثوار منذ اللحظة الأولى"، هكذا بدأت حكاية القهر لهذه الأسرة الصغيرة، إذ مع تواتر الأحداث لم تستطع الأم "مريم" البقاء مكتوفة الأيدي وهي ترى إلى حياة الشباب وهي تقمع في ظل نظام انتهك حتى تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة.
تقول سمية: "أمي كانت مستخدمة في إحدى رياض الأطفال الخاصة في التضامن، كان بيتنا الصغير يضم أحلامنا بالخروج من مستنقع الفقر والظلم، أتت الثورة، لم أعرف ما أصاب أمي، فقد اندفعت دون حسبان في تقديم المساعدة بكافة الطرق للثوار بعد أن بات جنوب دمشق شبه محرر".
"تربينا على رفض الخطأ" تقول، ومن غير النظام قد كرّس أخطاء الحياة بحقنا من خلال عناصر الأمن والمحسوبيات وغياب العدالة والتكافؤ في كل شيء.
التشبيح حولنا والاعتقال مصيرنا
"كانت أمي توصيني بأخوي الصغيرين، أنتي قوية مهما حصل"، وكأنها كانت تعرف أنهم لن يتركوها، فمحيطنا التشبيحي في حي "التضامن" قد انتبه إليها لاسيما في ظل معلومات خاصة كانت تنقلها لبعض الكتائب الثورية هناك.
اعتقلت أمي في الشهر الثامن عام 2012، لا أتذكر سوى قبضة قد لكمتني وأغمي علي، منذ ذلك الوقت، أبحث عنها حتى يأست من بقاءها على قيد الحياة.
"لا أعرف تفاصيل الاعتقال، كل ما أعرفه أن ذلك فتح بابا للتحرش بنا بكل ما يخطر لك"، حينها قررت "سمية" الخروج من المنطقة لدى أقارب لها في منطقة "الزاهرة".
"لم أكن أعرف ماذا أفعل، تركت الدراسة وعملت في التطريز لمساعدة الصغيرين على إكمال دراستهما".
تركت سمية التدريس، وبقيت في عملها الخاص إلى أن تقدم لخطبتها شاب من حي "القاعة" المجاور، وتم الزواج شريطة وجود أخويها معها، ظنت وقتها أنها وجدت ضالتها، وفرصة لتواصل البحث عن الأم "مريم".
رحلة من الخسارة والأمل
اعتقل زوجها وهي لم تل في شهرها الرابع من الحمل، كان نصيب شباب تلك المنطقة هي إما التشبيح أو السكوت أو الانضمام للثورة، ولأن حي "الجورة" الشيعي المجاور للقاعة قد مارس تشبيحه بشكل لا يصدق، فقد كان نصيب الزوج الشاب الاعتقال بتهم لا تعرف ما هي حتى الآن.
"أجهضت لحظة اعتقاله، ليس من الخوف وإنما من ضربات متلاحقة من قبل شبيحة الحي المجاور"، تقول سمية. بعد ذلك بعدة أشهر بات فقدان الأم والزوج مقدمة لاعتقال يطالها وتشرد يصيب أخويها.
"قررت الخروج من دمشق، وصلت بأعجوبة في نهاية عام 2014 إلى ريف إدلب، ومن هناك واصلت طريقي مع الصغيرين إلى تركيا".
لم تكن البداية وردية بالطبع، حاولت طرق العديد من الأبواب، وأنا لا أحمل سوى الشهادة الإعدادية، انتظرت المساعدات التي لم تصل، إلى أن وجدت عملا في مدينة "كلّس" الحدودية، لكنه لم يكن يكفي.
"انتقلت إلى مدينة عنتاب لأعمل في التطريز في ورشة تركية ولأدخل الصغيرين إلى المدرسة"، بالكاد تعيش سمية اليوم في منطقة شعبية في غازي عنتاب وهي رغم كل الآلام والخسارات التي تجشمتها تراها مفعمة بأمل لحظة الثورة الأولى، تقول: خسارتي كانت كخسائر كافة السوريين، لكني أضحك من حلمي القديم، ربما الحصول على شهادة والعمل بشكل محترم يعد جيدا، لكن الحرية لها ثمن، أنا اليوم أنتظر تحرير سوريا التي أحب والتي علمتني أمي حروفها لتلحقها كلمة حرية .. أنا الآن حرة وأريد العودة إلى دمشق".