أخبار الآن | القنيطرة – سوريا (خطاب النميري)
استقبلني بالضرب واللكمات العنيفة، وأدخلني إلى زنزانة منفردة وقال لي: "أنت السجين رقم تسعة، وكل من يناديك بغير هذا الاسم لا ترد عليه، حتى اسمك واسم ابيك وامك عليك أن تنساهما".
هكذا بدأ "محمد" ابن الـ 24 عاماً يسرد لنا قصته التي وصفها بأسوأ ما مر في حياته، في معتقل للنظام السوري، ثم صمت بعد أن خرجت دمعة من عينيه عنوةً وبغفلة من وعيه.
قبل أن يتبدل اسم "محمد" إلى السجين رقم تسعة، كان طالباً في كلية العلوم بجامعة دمشق وكان لديه أهل وأصدقاء، قبل أن يتم اعتقاله أثناء عودته من جامعته إلى قريته، دخل وخرج من المعتقل ولم يدر ماهي تهمته، ليبدأ الفصل الأسود في حياته عند اعتقاله على أحد الحواجز في الطريق السريع بين محافظتي القنيطرة وريف دمشق "أوتوستراد السلام".
فالاعتقال صورة من أفظع الصور التي يتعرض لها السوريون لدرجة فاقت حدودها وفظائعها حد القتل، يتابع "محمد": "بدأوا بضربي منذ اللحظة الأولى التي وضعت فيها بالسيارة، وجن جنونهم عندما وجدوا بحوزتي ثلاثة هواتف نقالة متهمين إياي بالعمل في تصوير المظاهرات التي تخرج في الجامعة"، هكذا وصف محمد اللحظات الأولى لاعتقاله، التي انتهت به إلى فرع المخابرات الجوية في دمشق.
بدأ المحقق باستجوابه وهدده منذ اللحظة الأولى التي رآه فيها رافعاً عصاه "الخيزرانة": "احكي من الأول أحسنلك وإلا!"، ولم يكمل جملته إذ قامت العصا بمهمة إكمال التهديد. وتتالت الخطوات المتعارف عليها والتي يسمع بها كل السوريين، من ركل وضرب وصولاً إلى غرفة تحت الأرض، ومن ثم حلاقة الشعر بآلة حلاقة غير صالحة للاستعمال البشري، ما يترك الكثير من الندوب والجروح وألم اعتقده محمد ضخماً، ولكنه اكتشف أنه لا شيء مقارنة بما سيراه بعد بضع دقائق من ضرب وشتائم وإهانات.
تركوه من الصباح حتى المساء دون أن يُسأل أي سؤال أو أن يتعرض له أحد منهم، ليدخل عنصر ويأمره بخلع ثيابه كلها والبقاء بالثياب الداخلية فقط، وأدخلوه إلى غرفة رأى فيها ستة أشخاص، كل واحد منهم يمسك بهاتف جوال، وآخر يفتش في أغراضه التي أخذوها منه.
حفلة الضرب بحق محمد بدأت بسرعة ودون أية أسئلة أو انتظار للأجوبة: "دفعني أحدهم إلى الأرض وربطوا قدمي وتم رفعهما "للدولاب" وبدأ الضرب بالكرباج، وكنت كلما صرخت زادوا الضرب".
عندما شعروا بالملل كمموا فمه بلاصق عريض لمنع صوته من الوصول إليهم، وما إن توقفوا حتى طلب منهم المحقق "شبحه"، فثبتوا يديه بالسقف، وتم رفعه ليبقى طرف إصبعه ملامساً الأرض، والضرب يأتي من كل الجهات وبكل الأشكال سواء باللكم أو باليد أو حتى بالكرباج: "بقيت مصلوباً الليل بكامله وفي الصباح رموني في زنزانة جماعية، ليمسك بي جار لي في السجن، الذي غطاني فوراً، ووضع في فمي قطعة من الخبز، ومباشرة بدأ بتدليك قدمي وكأنه يعرف الطقوس كلها".
بعد خمسة أيام قرر المحقق أن يشرف على تعذيب محمد بنفسه، يقول محمد: "بعد صلبي في تلك الليلة، جلس المحقق أمامي وقال لي: غنّي، وعندما ارتبكت سألته بنظراتي عن مدى جديته، أخبرني أنه سيشغل المسجل على أغنية وعلي أن أحفظها وأغنيها".
لم يستطع محمد أن يغني، لأنه وعلى رغم محاولاته الجدية حفظ الأغنية إلا أنها كانت تختفي من ذهنه بمجرد أن يتم إطفاء المسجل، والأغاني كانت مخصصة للأسد. عندما طلع عليهم نهار اليوم الثاني جاءه أحد العناصر وهمس في أذنه: "المحقق جن جنانو، اليوم مات أخوه".
علم بعدها "محمد" أن ذلك اليوم هو يوم مجزرة الحولة 25 أيار 2012: "لم أصدق عنصر الأمن طبعاً، ولكنني سرعان ما ندمت على عدم تصديقي عندما رأيت وجه المحقق وتأكدت أنه سيقتلني لا محالة. قبل أن يضعوني في الزنزانة قال لي المحقق بصوت لن أنساه ما حييت "أنت رقمك تسعة مين ما ناداك بغير تسعة ما بترد، بتنسى اسم أمك وأبوك، كلن صاروا تسعة".
الاحتيال على عائلات المعتقلين
"فوق السجن سرقونا عينك كنت عينك" كلمات نطقتها ام عقاب بحرقتها على ابنها المسجون وعلى الضابط الذي وعدها أن يخرج لها ابنها مقابل مليون ونصف مليون ليرة، على أن تعطيه نصف المبلغ قبل خروجه من السجن والنصف الآخر بعد خروجه.
تقول "أم عقاب": "اتفقت مع أحد الضباط في جيش النظام وهو محقق ومسؤول أمني في فرع المخابرات الجوية، على أن يخرج ابني لكن ما إن دفعت له نصف المبلغ الأول حتى بدأ يماطل وبقي هكذا لمدة ستة أشهر حتى صدرت على أحد مواقع الانترنت صور وبيانات 11000 معتقلا كان ابني من بينهم".