أخبار الآن | طرطوس – سوريا (سمارة علي)
لا يخفى على أحد أن مناطق الساحل السوري تشكل خزاناً بشريا رئيسياً لإمداد جيش الأسد بالمقاتلين منذ بداية الثورة السورية، وبرز ذلك في عدة مواقف ومحطات .. ومجازر كذلك، كان مرتكبوها من المدن الساحلية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظام ومنذ بداية الاحتجاجات لعب على "الوتر الطائفي" لتشويه صورة المعارضين وبث الإشاعات، وقتل جنود الجيش بطرق بشعة واتهام "الإرهابيين" الذين لم يكونوا موجودين آنذاك، ليكسب تأييداً شعبياً يمكّنه من إقناع مواليه للقتال إلى جانبه.
نجح نظام الأسد خلال السنوات الماضية بذلك، وشحذ همم الكثير من أبناء الأقليات وساقهم إلى حرب لا ناقةَ لهم فيها ولا جمل، لكن الحقيقة بدأت تتكشف لدى مؤيدي النظام بأنهم يقاتلون فقط من أجل الأسد، لا من أجل الوطن أو وحدة سورية.
موظفون على الحواجز ثم الجبهات
مع تفاقم هجرة الشباب السوريين والتهرب من الخدمة الإلزامية، لجأ النظام لتجنيد الموظفين الحكوميين في المؤسسات والدوائر والمراكز، و ما دفعه لذلك هو النقص البشري في صفوفه، حيث راح قادة "الدفاع الوطني" يسعون لإقناع الموظفين بأن الوقوف على الحواجز الأمنية بات واجبا وطنياً، خاصة بعد مضاعفة الراتب للمتقدم، الذي ظن أن مهمته تتجلى في المناوبة بضع ساعات على حواجز المدينة الرئيسية مقابل راتب إضافي، فكان الجواب: "نعم، لا مانع من ذلك".
الخطوة الأولى كانت سحب عناصر الحواجز للجبهات واستبدالهم بموظفي الدوائر، فكان ذلك مع نهاية عام 2015، وبقي هؤلاء يداومون على الحواجز لفترة لم تتجاوز الشهرين، بعدها بدأ النظام بسحب الموظفين إلى الجبهات القتالية المباشرة بعد مضاعفة الراتب، ووضع مدة زمنية للتواجد على الجبهة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً من الشهر.
ولربما يكون تدني قيمة الليرة السورية سبباً في لجوء هؤلاء لزيادة مصدر الدخل، إلا أن العواقب كانت كبيرة، حيث قُتِلَ كثير من هؤلاء على الجبهات بسبب قلة خبرتهم العسكرية أو بسبب ترك عناصر الجيش لهم، كما حصل مع "صالح حبيب" الذي أسرته كتائب المعارضة في حاجز "تل عثمان" بحماة حيث تفاجئ ذوو صالح بتواجده هناك.
النظام يتاجر بمناصريه وموجة استياء
"محمد" شخص مقرب من صالح، يقول: "نحن نعلم أن صالح يعمل مستخدما في إحدى دوائر المدينة، ولم نفاجأ بتواجده على حاجز مدخل "طرطوس-كرتو"، لكن ما صعق الجميع أنه وقع أسيراً بيد المعارضة في حماة، ما الذي قاد صالح إلى هناك؟ و كيف لعناصر الجيش أن يتركوا
زميلاً لهم؟ أليس هذا إجراماً أو خيانة؟".
أما "عمار" موظف البريد في حي المشروع السادس، فيعرفه الجميع حيث كان بشكل يومي يجوب الحي، وبعد قبوله بعرض قائد الدفاع المدني بالقتال على الجبهات تحت وطأة الحاجة المادية، انتقل إلى جبهة "جبل التركمان"، وبعد أسبوع جاءت جثة عمار قتيلا في معارك الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، وهنا بدأت الأسئلة تدور في ذهن أهالي الحي والمدينة بشكل عام، كيف لموظف مدني أن يقتل على الجبهات؟ ومن السبب؟.
"عتاب" زوجة عمار تقول في حديث منقول: "عمار كان يمضي وقت فراغه في بيع الفول ليسد حاجتنا، ولم نعتد عليه إلا أبا حنونا، علمت مؤخراً منه أنه سيعمل في الدفاع الوطني على أحد الحواجز على أطراف طرطوس، تناقشنا كثيراً و كان يقول لي "لقد أتعبني سحب عربة الفول، سأقف أسبوعا واحدا وسيتضاعف راتبي"، فجعت بنبأ مقتله في ريف اللاذقية، لن أسامح بدمه، لن أصفح، لقد بقيت أنا وطفلتاي وحدنا".
وبعد تكرار مقتلهم، استبق موظفو الدوائر الحكومية الحدث وذهب بعضهم ليقدم استقالته من تلك المهمة، لكن الجواب كان من قبل قائد الدفاع الوطني: "الخروج من الحمام ليس كدخوله" في لهجة ساخرة منه وتحت ذريعة أن العقد مدته سنتين.
مما سبق، نستنتج أن النظام يعيش في حالة تصدع دفعته للاستعانة بموظفي الدوائر الخدمية لتغطية النقص البشري، مستغلاً ضعف الحال المادي عند هؤلاء، خاصة في ظل صعوبة الحياة في مناطق النظام، وهو ما تنبَّهّ إليه هؤلاء متأخرين.