أخبار الآن | دمشق – سوريا (يمنى الدمشقي)

 

أفرزت الثورة السورية مجموعة من المواهب التي ربما كانت مكبوتة ولم يكتب لها القدر أن تفك قيودها إلا بتجرع شتى أنواع الأسى وتذوق صنوف الموت والدم، حتى باتت كل قدرة نسمع عنها أو نراها مرهونة باعتقال منتفض أو بموت عزيز أو فقد قريب أو اختفاء صديق.

ولأن كل هذه الأجواء لم تكن بعيدة عنها، ولأن الاعتقال كان له نصيب من حياتها لمدة شهرين مرّت وكأنها عامين، خرجت الشابة والكاتبة السورية "ختام بنيان" من معتقلات النظام محملة بعشرات القصص والمآسي، التي إن لم يسمع عنها الإعلام يوماً فسيكون هناك عيون باكية عاشت معها لتخرج وتوثقها.

"ختام بنيان" شابة سورية من دمشق، عاشت كل حياتها خارج سوريا، لكنها التحقت بجامعة دمشق كلية الحقوق لتبدأ مشوارها الجامعي فيها، الأمر الذي تزامن مع انطلاق شرارة الثورة السورية، ورغم أن ختام لم تكن تتذوق صنوف الذل التي كان يحياها السوريون في سوريا إلا أنها في النهاية كانت جزءاً من شعب فرض عليه الموت ألف مرة، فأبت إلا أن تشارك بانتزاع حريته، وبدأت مشوارها في النضال السلمي بشتى أشكاله، وفي دمشق إحدى أخطر المناطق التي كان المتظاهرون يخرجون فيها، حتى اعتقلت يوم 22/11/2012 من باب السريجة إثر مظاهرة انطلقت من هناك، واقتيدت ختام إلى أحد الفروع الأمنية ولم تخرج إلا بموجب صفقة تبادل أسرى إيرانية مع الجيش الحر مقابل ألفي معتقل كانت منهم.

تضحك ختام وتقول: "عندما تلى عليّ المحقق تهمتي لم أستطع تمالك نفسي، فكانت التهمة دعم الجيش الحر نفسياً بما أني أتظاهر وأحيي الجيش الحر، وعدم الالتفات لخطاب الرئيس يومها وتجاهله".

توثيق قصص المعتقلات

بعد خروجها من المعتقل وسماعها ومعايشتها عشرات القصص عكفت ختام على توثيقها جميعها لكن بشكل مختلف، أن تتناول فيه نضال المرأة في الثورة السورية وتحديها الظروف المجتمعية والأمنية لتكون اسماً بارزاً في سجل البطولات ووثقت كل تلك القصص بكتاب "بنات البلد".

تقول ختام في حديث خاص لأخبار الآن: "راودتني فكرة الكتاب من خلال مشاركتي بالكثير من المظاهر السلمية والتقائي ومعايشتي للكثير من القصص وخاصة للنساء، وبما أني أملك موهبة الكتاب آثرت استخدامها بما يفيد ثورتي، حتى وأنا داخل المعتقل كنت أحاول أن أكتب القصة بذهني وأحفظها، وبدأت بالكتاب في 2014 وأنهيته في 2015، وجميع القصص التي في الكتاب واقعية، التقيت مع جميع أبطالها، بعض القصص كنت أكتبها باكية، وبعضها كنت أخشى أن أكتبها بل أخاف، وأخرى كانت تبدو ممزوجة بالفكاهة والمرح، إحدى تلك القصص التي طالما خشيت توثيقها، هي قصة فتاة كان والدها ضابطاً في الجيش الحر واختطفت إثر ذلك، وتعرضت لتعذيب نفسي وجسدي كبير انتهى باغتصابها، وأكمل القصة بتناول كيف أمضت هذه الفتاة ثورتها، كما تناولت قصة فتاة أخرى لم تتجاوز 16 التقيت بها في قيادة الشرطة وكانت من ضمن المفرج عنهم في الصفقة التي خرجت بها، نظرت إليها وقد بدت علامات التعذيب واضحة على جسدها، سألتها لماذا يديك ممتلئة بالجروح؟! أجابت متثاقلة: أنا أحب أجرح نفسي! كان واضحاً أنها تخفي شيئاً، شيئاً لا يمكن لأحد أن يتصور قساوته إلا أنثى مثلها، كان واضحاً أن الفتاة قد تعرضت لاغتصاب عنيف ومتتابع".

وتضيف ختام: كان الملاحظ في المعتقل أن فتيات المحافظات الأخرى يتعرضن للتعذيب أكثر من فتيات دمشق، ربما يعود الأمر من أنها تمر على أكثر من فرع أمني حتى تصل إلى دمشق.

قصص تختزل عنف النظام بحق النساء

أما "حجة حلاوة" فلقصتها حلاوة لا تختلف عن الحلاوة التي كانت تقدمها للمتظاهرين، حيث كانت السيدة تنتظر خروج الشباب في المظاهرات لتقدم لهم "سندويش الحلاوة" حتى بات الجميع يلقبها ب "حجة حلاوة" وتتنقل ختام في مراحل السيدة حتى تصل إلى حين توقف السيدة عن نشاطها اللطيف، وغياب الشباب بين شهيد ومعتقل وغائب ومهاجر ومفقود، لكن حجة حلاوة لا زالت تنتظرهم ليعودوا مهما كانت الأيام مرة عليها.

"ياسمين وطن" قصة لمجموعة من فتيات الثورة نعتتهم الكاتبة بالياسمينات، لأن الياسمين أبهى شيء يرمز لدمشق، أبيض ورشيق، وهكذا كنَّ أيضاً يتكاتفن مثله رغم اختلاف بيئة كل منهن عن الأخرى، فتلك التي تخرج في المظاهرات بعلم أهلها، وتلك التي تعيش مع أهل مؤيدين للنظام لكنها تشارك دون علمهم في النشاطات السلمية، وتلك التي تنزل إلى المظاهرة مع والدتها، وأخرى يمنعها أهلها من النزول فتتذرع بأية حيلة لتخرج من المنزل وتشارك بالمظاهرة، فشكلوا جميعاً عقداً من الياسمين وفسيفساء سورية نادراً ما تكون بهذا البهاء في لوحة الوطن، وصار لكل واحدة من تلك الياسمينات قصة تحكيها لأطفالها عند انتصار الثورة.

"لم أملك حينها جواباً لأدافع به عن نفسي سوى أنه "ابن بلدي" فقط لا شيء إلى اليوم غير ذلك".

العبارة السابقة مقتبسة من إحدى قصص الناشطات التي هرع إليها أحد الشباب الفارين من ملاحقة قوات الأمن واختبأ عندها، وهي لا شعورياً أدخلته منزلها وخبأته دون أن تعرف حتى اسمه، وعندما سئلت عن السبب الذي دفعها لذلك أجابت "بأنه ابن بلدها" ورغم مداهمة الأمن للمنزل بعدها واعتقالهم كل من فيه إلا أن ذلك لم يمنع الفتاة من متابعة نشاطها السلمي حتى اليوم.

وقصص الحب المؤلمة أيضا

ولم يغب الحب متنفس الثورة الوحيد، عن صفحات الكتاب فتناولت الكاتبة قصص لشابات وشبان كان للثورة الفضل الأكبر بأنها جمعتهم، وكيف تحدوا كل الظروف القاهرة ليكون سوية، فاستشهد بعضهم وأكمل الآخر المشوار، بينما بقي آخرون على نفس العهد الذي تعاهدوا عليه.

يقع الكتاب في 150 صفحة، موثقة في 20 قصة، صادر عن "دار الفكر الحر" لكنه حتى الآن لم ينتشر بالشكل المطلوب بسبب غياب الدعم عنه، ولم ينتشر إلا في تركيا والأردن، حتى أن السعودية منعت دخوله غير موضحة الأسباب وراء ذلك رغم محاولة دار النشر مرات عديدة إدخاله، وتحاول الكاتبة جاهدة أن تنشره بشكل أكبر بمساعدة أصدقائها، أما عن تمويل الكتاب فتحدثت بنيان أن دار النشر هي من تكفلت بذلك على أن يعود الربح على دار النشر بنسبة ثلاثة أرباع بينما يذهب الربع الأخير لمساعدة حالات إنسانية طارئة في الثورة بناء على طلب الكاتبة.