أخبار الآن | حماة – سوريا (نجوى بارودي)
بدأت الثورة السورية في مدرسة، حين كتب طلابها على حائط مدرستهم في درعا شعارات تنادي بالحرية وإسقاط النظام؛ النظام ذاته الذي حول آلاف المدارس في سورية إلى معتقلات للمعارضين وهدم الباقي جراء القصف، وحوّل المعلم والذي يحتفلون بعيده بكل صفاقة ومن خلال إهماله وتهميشه، إلى معدم فقير يضطر للعمل بعد انتهاء دوام مدرسته إما كأجير أو كلاهث وراء الدروس الخصوصية. ولم يتوانَ عن اعتقاله وتعذيبه وقتله، حتى اضطر كثير منهم لحمل السلاح والانخراط بالعمل المسلح ضده.
المعلمون والمعلمات في مهن خارج الدوام
المعلم "اسماعيل" أفاد بأنه يعمل بعد الدوام المدرسي في محل لبيع الموبايلات، يمتلكه قريب له، ليحسن دخله، خصوصاً أنه يتقاضى راتباً من المدرسة قدره 40 دولارا، ولديه زوجة وطفلان. وأكد "ناصر" أن دخله من العمل المسائي يتساوى مع راتب المدرسة، لذلك فهو لا يفكر في ترك هذه الوظيفة، وفي حال تعارضها مع عمله معلماً سيستقيل ويزاول مهنة البائع طوال اليوم.
وقالت معلمة حموية "فضّلت عدم ذكر اسمها"، أن زميلة لها في المدرسة تعمل في تزيين النساء بمنازلهن، مقابل أجر أقل بكثير من أسعار مراكز التجميل، مشيرة إلى أن معظم معلمات المدرسة يتعاملن معها لمهارتها، وتقاضيها مقابلاً مالياً منخفضاً، مقارنة بأسعار مراكز التجميل.
وأكدت أن هذه المعلمة أنه أصبح الآن لديها عشرات الزبائن، سواء من المعلمات أو أمهات الطالبات، خصوصاً المقيمات، من أصحاب الدخول المتوسطة، وأن زبونة لديها عرضت عليها الاستقالة من المدرسة، ومشاركتها في مركز تجميل بنسبة مقابل العمل والإدارة، وأنها تفكر في الأمر حالياً.
وتقول "غيثاء" المعلمة منذ عشرين عاماً، أن راتبها لم يتغير إلا بنسبة قليلة منذ بداية عملها حتى الآن، الجميع يعلم تدني رواتب المعلمين وانخفاضها وعدم تناسبها مع عدد سنوات الخبرة التي يقضيها المعلم داخل المدرسة، وأكدت أن ذلك الراتب لا يكفي لسد احتياجاتها هي وأسرتها وخاصة أن غالبية نساء محافظة حماة أصبحن بلا معيل بسبب استشهاد أزواج البعض أو الاعتقال أو الهجرة، فضلاً عن استئجار أغلب المعلمين والمعلمات لمنازل قريبة من المدارس لأن القانون التعليمي في حكومة النظام ينصّ على أن المعلم يجب أن يكون بعيداً عن منطقته أثناء ممارسة عمله.
وعرضة للاعتقال والتشبيح
ما زال "مصطفى" الطالب في المدرسة الإعدادية في حماة يذكر كيف دخل رجال الأمن واعتقلوا معلمهم أثناء الحصة التدريسية، يقول: "وقفنا عاجزين عن القيام بأية حركة ونحن نرى أستاذنا والذي كنا نكن له كل الاحترام ومازلنا ممدد على الأرض ويرفسونه بأقدامهم ومن ثم اعتقلوه ومن حينها لم نعرف عنه شيئاً".
المئات من المعلمين في محافظة حماة وأريافها تعرضوا للاعتقال والتعذيب في معتقلات النظام تحت تهمة تحريض طلابهم للخروج في مظاهرات، تلك الفئة التي تبذل كثيرا من الجهد والوقت تحت ظروف قاسية، لم تقف نقابتها الهزيلة يوماً للمطالبة بأدنى حق من حقوقهم سواء كانوا في المعتقلات أم خارجها، بل يغيب دورها كلياً.
وربما لم تكن تلك المعاناة للمعلمين إلا تحصيل حاصل لنظام تعليمي سادت به البيروقراطية لأربعين عاماً وسوء إدارته التي تتحكم بوضع المعلمين في محافظة حماة، يؤكد "سليمان" معلم في المرحلة الإعدادية: "لم يعد للمعلم هيبته كالسابق يدخل أحد أولياء الطلبة من لجان الدفاع الوطني أو الشبيحة وقد يقوم بإهانتي أمام طلابي لأنني لم أقم بإعطاء الأسئلة الامتحانية لابنه وأنا أقف عاجزاً لأنني أدرك أن مصيري تحت الأقبية كما حدث مع الكثير من زملائي".
تعقيدات أثناء تعيين المعلمين ودراسات أمنية قد تستمر لأشهر حتى يقوم المدرس بإعطاء القليل من الساعات في المدارس التي تعج صفوفها بالطلاب، ونقابة المعلمين تقوم بالتهريج في اجتماعاتها لتتحدث عن المعلم بأسلوب شعري رخيص متناسية أن التعليم في سورية أخذ طريقه نحو الكارثة، وأن مئات المدارس في حماة أصبحت عبارة عن أنقاض بفعل القصف إلى جانب تسرب الطلاب وتخلفهم دراسياً، وتسرب المعلمين المحرومين من التعليم إما بسبب نزوحهم أو اعتقالهم أو منعهم من العمل لأسباب تتعلق بالتعبير عن الرأي، وتفيد بعض الدراسات أنه حوالي 100 معلم في حماة فقط قضى تحت التعذيب هذا العام فقط ليكون المعلم والمتعلم ضحايا لمهزلة النظام .