اخبار الآن | إسطنبول – تركيا (جابر المر)
خمس سنوات من العناد والإصرار، قوبلت بدمار وحقد أعمى وقتل وتهجير، اختلطت كل الأوراق وغام المشهد في سوريا سوادا لم يعد لأحد أن يتابع تفاصيله ويحيط بها كاملة، مما سهل الموضوع أكثر على الأسد وصعبه على الثوار، لكن اليوم ومع دخول الثورة السورية عامها السادس توضحت عناصر فرزها الشهر الأخير من السنة، هذه العناصر جعلت طريق الثورة أوضح وأكثر بياضا.
عودة المظاهرات السلمية .. المتطرفون خارج الثورة
يعتبر تسليح الثورة "الاضطراري" أحد أهم العوامل التي عقّدت الصراع في سوريا، وحولت ثورة السوريين السلمية إلى حرب أهلية من وجهة نظر المجتمع الدولي، وأمام نقص إمكانات الثوار وزيادة الدعم للأسد من قبل أصدقائه، بات الجيش الحر مِللا وكتائب تناضل من أجل العيش والبقاء أكثر مما تناضل من أجل الحرية، اختفت المظاهرات وكادت أن تضيع البوصلة من أيدي السوريين، وأتى من خارج البلاد من ادّعى أنه ناصر للثورة، فشارك الجيش الحر جبهاته قبل أن ينقض عليه ويسلب منه البلاد ويضغط عليه فكي الكماشة التي تشكلت من النظام ومن متطرفي جبهة النصرة وداعش، وفي أحيان كثيرة بعض الميليشيات الكردية. ومع نقص إمكاناته تبعثر الجيش الحر إلى كتائب كل منها مشغول بالصراع مع طرف ما وعين الجميع على الإطاحة بالأسد.
في أواخر العام الخامس للثورة عادت لها وبشكل مفاجئ روحها الأولى عبر انتشار لافت للمظاهرات السلمية في كل البلاد وبالهتافات ذاتها التي خرجت تندد بالأسد وتطالب برحيله عام 2011، وعلى امتداد قرابة العشرين يوما، اندلعت المظاهرات في كل مكان كما كان الحال في بداية الثورة، وعرف الشعب السوري أعدائه بدقة، إذ لم يبق له من صديق إلا جيشه الحر الذي لا هدف ولا أجندة له إلا إسقاط النظام. الناشط "محمود مرادلي" يقول: "كانت جبهة النصرة تحارب معنا جنبا إلى جنب، وكنا نحذر من أجنداتها التي ستحتم عليها تصويب البندقية إلى صدورنا بعد الأسد، لكن جبهة النصرة وغيرها لم تنتظر سقوط الأسد لتدير البندقية نحونا، إنما قبل سقوطه هزت أركانها هتافات الحرية فأطلقت النار على المتظاهرين في معرة النعمان، الأمر الذي مهما بدا سواده معتما، إلا أنه من الضروري أن دخل عامنا السادس على بياض ووضوح، وأن نعرف أعدائنا من أصحابنا".
الانسحاب الروسي والمفاوضات رغما عن الأسد
بين ليلة وضحاها أعلن الكرملين الانسحاب من سوريا، وجاء القرار مع وصول الوفود إلى المفاوضات بشأن الحل السياسي في سوريا، هكذا انقلبت الموازين بلحظة واحدة، فقد أعطى التدخل الروسي العسكري بشار الأسد أملا باسترجاع البلاد كافة بعد أن وقف إلى جانبه غداة انهيار جيشه، مما خلق وهما لدى الأسد بأنه قاب قوسين أو أدنى من النصر على الشعب، وأنه يلامس نهاية الثورة واندثارها، ترافق كل هذا مع عودة اندلاع المظاهرات السلمية، ليعود الرعب للأسد اليوم، ويدخل المفاوضات صاغرا بعد يوم واحد من تصريحات وزير خارجيته أن الأسد خارج النقاش وبقاؤه في السلطة أمر محتوم.
وفي سؤالنا للمحلل السياسي "عمار مقدسي" عن تصورات الوضع ومآلات الأمور في الشهر الأخير من العام الخامس للثورة أجاب: "مع عدم تصديقي للمفاوضات ومدى جديتها، إلا أن العام السادس للثورة السورية سيكون مختلفا عن كل ما مضى، فعودة المظاهرات واتفاق الشارع الثوري على أعداء اليوم، والانسحاب الروسي الذي غير موازين القوى على الأرض وتركه لجيش الأسد المنهك، كل هذا يدفع معنويات السوريين للأمام ويترك النظام ومؤيديه في أشد لحظاتهم يأسا وإحباطا، في أول أشهر العام السادس ستحدث تغييرات كثيرة، فالعالم برمته لم يعد يحتمل وجود الأسد فيه".
مهما مر من وقت، ولو تستحيل الخمسة أعوام الماضية إلى ستين، سينهزم الأسد ولن تعود سوريا إلى ما كانت عليه من استعباد، بعد أن أشعرت الثورة السورية العالم كله بصغره وانحطاطه أمام عظيم تضحياتها، هذا لسان حال السوريين أينما كانوا، ويعرفون أنهم مستمرون.