أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
بعد تدمير الكثير من الأحياء السكنية في مدينة دمشق وريفها، إثر القصف العنيف والمستمر من قبل قوات النظام عليها، وبعد أن شهدت دمشق وصول عدد من النازحين إليها من الريف والمحافظات الأخرى، باتت تعاني اليوم من أزمة سكن حقيقية كمكان يضيق على من فيه. وعلى ذلك تحولت وظيفة معظم الفنادق من تقديم الخدمات السياحية إلى مهمة إيواء النازحين، على اعتبار أنه لم يعد هناك سياح ولا زائرين جدد للبلاد، فقد باتت تأوي أغلب النازحين من مناطق اشتد عليها القصف والتدمير في ريف دمشق.
فنادق للإقامة الدائمة
بعد أن "ماتت" الحركة السياحية في البلاد وانحسر هذا القطاع تماماً، قرر أصحاب الفنادق ممن ما زال منهم مقيما في دمشق أن يستفيد من مصائب غيره، ففتحت هذه الفنادق أبوابها لإقامة الكثير من العائلات النازحة. وهي طريقة أخرى لضمان استمرار العمل والاستفادة من الأزمة وحلها بطريقة تعوضهم عما لحق بهم من خسارة.
يقول "أبو سليمان" صاحب أحد الفنادق "درجة ثالثة": "غالبية الفنادق في دمشق اليوم ممتلئة، على عكس ما نتوقع، فقد أصبح اليوم من الصعب أن تجد غرفة شاغرة، كلها محجوزة بالكامل ولوقت طويل للعائلات النازحة والذين هربوا من الحرب المشتعلة في ريف دمشق أو في غيرها من المحافظات".
ويكمل "فريد" موظف استقبال في الفندق نفسه: "منذ اشتداد الحرب وخلال حركة النزوح الكبيرة التي شهدها ريف دمشق وقبلها بعض المحافظات مثل حمص ودرعا، امتلأت فنادق الدرجة الثالثة أو ما تسمى الثلاثة نجوم، والفنادق التي كانت تعتبر متوسطة الجودة والخدمة، وازداد الإقبال عليها بسبب رخص أجرة الغرف وقرب بعضها من وسط المدينة الذي كان هادئاً وما زال".
خلال موجة نزوح السوريين فضّل الكثير منهم استئجار غرفة في فندق على أن يستأجروا منزلا، خصوصاً إذا كانوا عائلة كبيرة ولديها أطفال، فمن الممكن أن يكون إيجار عدة غرف بنصف سعر إيجار منزل في مناطق معينة من دمشق لم تشهد صراعات ونزوح، والتي أصبحت لاحقاً مكتظة بالسكن وارتفع الإيجار فيها بشكل كبير.
رحلة طويلة
غالبية النازحين كانوا يعتقدون بأن رحلتهم مؤقتة وأنهم سيعودون قريباً إلى بيوتهم، هذا ما جعلهم يلجأون للفنادق ريثما يتبين أمرهم، ولكن ما لم يكن متوقعا أنهم سيقضون فيها أكثر من ثلاث سنوات، هذا حال عائلة "أبو أحمد" إحدى العوائل الهاربة من مخيم اليرموك، والتي تسكن في إحدى فنادق منطقة المرجة. حيث إن شروط الحياة في غرف الفنادق ليست مثالية ولا تناسب الاستقرار، لاسيما في حال تواجد الأولاد، لكن الحاجة والضرورة هي التي دفعت هذه العائلات للإقامة.
وهذا ما يؤكده "محمد" أحد النزلاء الذي أشار إلى أنه اضطر للإقامة في أحد الفنادق بعد أن تهدم منزله في منطقة داريا، وهو اليوم لا يملك أي حل آخر فشراء منزل أصبح مستحيلاً وكذلك الأمر مع الاستئجار.
وهذا حال عائلة "عُمر" المؤلفة من خمسة أشخاص "أب موظف وأم مدّرسة وثلاثة أطفال" في المدارس، يعيشون الآن في فندق وسط دمشق، ترى العائلة في إقامة الفندق الكثير من الإيجابيات. يقول عمر: "نفكر كل يوم بضرورة الانتقال لبيت أكبر، ولكن ريثما نعدل عن الفكرة بسبب ارتفاع إيجار البيوت والاختناق المروري الذي تشهده دمشق، والذي لا نشعر به نحن، فخلال تواجدنا في الفندق لا نضطر للتنقل كثيراً ولا نستخدم المواصلات العامة، حتى أننا لا نمر على الكثير من الحواجز العسكرية كل شيء قريب وموجود".
ازدحام المستأجرين
بات الجميع يبحث عن سكن في دمشق، بعد التدهور الكبير الذي لحق بالبنية التحتية في مناطق كثيرة كانت قبل ذلك تأوي أعدادا كبيرة، هي اليوم لا تصلح للعيش، وإلى جانب ذلك تعرضت الكثير من المعاهد والجامعات في ريف دمشق ومحافظات أخرى للتدمير مما أجبر الطلاب على الانتقال إلى دمشق، الأمر الذي زاد من أزمتها، وأصبح البديل عن استئجار المنازل هي الفنادق. وقد تحولت بعض صالات الفنادق لقاعات دراسية، مثل قاعات فندق الفردوس في دمشق، كما تم التعاقد مع بعض الفنادق وتحويلها إلى سكن جامعي.
كل ذلك يزيد على مدينة دمشق اختناقاً غير الاختناق الذي أراده النظام لها، فبين تقسيمها العشوائي بالحواجز العسكرية وأزماتها المرورية التي لا نهاية لها، تقف أزمة تأمين السكن المناسب شوكة في حلق الجميع في ظل الغلاء المتزايد والعطالة، إلى جانب التشديد الأمني الذي أصبح يشكل رعباً دائماً للمدنيين.