أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (إبراهيم الإسماعيل)

مرّ التعليم في المناطق المحررة بعدد من المراحل التي أثرت على عملية التعليم، كما أثرت على الطالب السوري الذي عانى وبشدة من هذه الآثار السلبية التي أدت إلى الكثير من حالات التراجع العلمي وانتشار الجهل بين العديد من الأطفال حديثي العهد التعليمي.

في بداية الثورة السورية وانتشار جيش النظام في المناطق الريفية، تحولت المدارس إلى سكن له وحول العديد منها إلى ثكنات عسكرية، أجبرت الطلاب والمعلمين على إيقاف العمل بها حتى فترات طويلة.

كما استمرت المعاناة مع دخول الطيران الحربي والمروحي حيز العمل، والذي جعل من المدارس هدفه الأول على قائمة التدمير الخاصة به؛ الأمر الذي سبب سقوط الكثير من الأطفال قتلى على أبواب مدارسهم وانتشار رهاب الخوف من المدارس في وسط الأطفال الصغار.

المدارس المنتشرة في المناطق المحررة عانت الكثير من هذه الحالات، ولكنها استمرت بتقديم ما استطاعت من أجل تقديم العلم للطلاب.

تبعت المدارس في عملها ومنهاج الدراسة إلى النظام السوري، فمع استمرار المعلمين أخذ رواتبهم من وزارة التربية السورية، كان من المفروض عليهم أن يبقوا في المدارس ومتابعة الدوام الرسمي خلال الفصول الدراسية من أجل ضمان الراتب في نهاية الشهر.

مرحلة تحرير محافظة إدلب وانقطاع رواتب المعلمين

بعد تحرير محافظة إدلب من سيطرة النظام وانتقالها إلى باقي المناطق المحررة في المحافظة، كان أول عمل يقوم به النظام إصدار بيان يقضي بضرورة ذهاب المعلمين إلى مدينة جسر الشغور للحصول على رواتبهم الشهرية، كما قام النظام بالتخلي عن كل المدرسين غير القادرين على الانتقال إلى أماكن سيطرته وحرمانهم من الرواتب الشهرية.

ومع تحرير باقي النقاط الرئيسية في المحافظة وضمان انتقالها إلى سيطرة المعارضة، لم يبق للنظام أي تواجد رسمي في المحافظة، وكان على المدرس الذهاب إلى محافظة حماة لضمان الحصول على راتبه الشهري والذي لا يتجاوز الـ 25 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 65 دولاراً أمريكياً.

البعض من المدرسين انتقل للعيش في مناطق سيطرة النظام، لمتابعة عمله وضمان الحصول على الراتب الشهري، أما البعض الآخر فقد خاطر بحياته للحصول على الراتب بذهابه الى محافظة حماة والتي تغص بالأمن والشبيحة والحواجز العسكرية التابعة لقوات النظام.

"حسن" مدرس يبلغ من العمر 32 عاماً يقول: "بسبب الحاجة الماسة للمال اضطررت للذهاب إلى حماة، ولكن تبين لي بأن الحصول عليه ليس بالسهولة التي توقعتها، عليك الحصول على موافقة من المحافظ وعدة فروع أمنية أخرى".

يقوم أغلب المدرسين بدفع نصف رواتبهم للحواجز المنتشرة على أبواب المدينة، الرجال الذين تتراوح مواليدهم بين 1994 و1972 مطلوبون للخدمة الإلزامية، ويحق للحواجز العسكرية اعتقالهم، إلا أن مبلغ 20 ألف ليرة سورية تكون كفيلة برشوة ضباط الحواجز.

"عبد الملك" معلم في أحد مدارس ريف إدلب، يذهب في كل شهرين ليحصل على الراتب، يقول: "في كل شهرين أذهب إلى حماة للحصول على راتبي عن الشهرين السابقين لذهابي، وبحسب القانون الجديد عليّ أن ألتحق بصفوف الجيش ملزماً، الأمر الذي استلزم التخلي عن نصف راتبي من أجل السماح لي بالعودة إلى بيتي".

الموافقات الأمنية تحول دون الحصول على الرواتب لهذا الشهر، الأمر الذي يلزم المعلمين مراجعة الدوائر الأمنية، وقد تلفق لهم تهمٌ غير شرعية تغيبهم في غياهب السجون لفترات طويلة.

الواقع التعليمي الحالي في المناطق المحررة

يختلف الواقع التعليمي بين منطقة وأخرى في المناطق المحررة، فبعض المدارس التي تنتشر في أماكن ساخنة ومستهدفة بشكل كبير، توقفت فيها المدارس منذ مدة، مع حضور خفيف لبعض المعلمين من أجل استمرارية الحصول على الرواتب.

وفي مناطق أخرى كالمناطق الشمالية، تستمر فيها عملية التعليم بشكل جيد يتخللها فترات انقطاع متفرقة في حال حدوث غارات جوية قريبة أو محتملة، إضافة إلى امتناع عدد من المدرسين عن متابعة تدريس الطلاب بسبب عدم قدرتهم على الحصول على رواتبهم لعدة شهور.

الحلول المطروحة لتحسين الواقع التعليمي

تعمل بعض منظمات المجتمع المدني على حل مشكلات التعليم في المناطق المحررة، حيث قامت العديد من المنظمات برعاية مدارس عدة في ريف إدلب، فقدمت الرواتب الشهرية الكافية، واهتمت بتقديم القرطاسية والاحتياجات الخاصة بالمدارس.

"أبو أحمد" أحد أعضاء لجنة "تمكين" في بلدة معرة حرمة يخبرنا عن المساعدة التي قدمت للمدارس في منطقته: "قدمنا القرطاسية والمحروقات للتدفئة خلال العام الدراسي لعددٍ من المدارس في المنطقة، كما ندرس حالياً خطة تزويد المعلمين برواتب للشهور القادمة من أجل حثهم على متابعة العمل وعدم حرمان الطلاب من حق التعلم المشروع".

في الشمال السوري وفي مخيمات اللجوء تحديداً تم إحداث مدارس تتبع لمنظمات أجنبية وعربية تستقبل الطلاب المتواجدين في المخيمات، حيث تتبع هذه المدارس بعملها للمعارضة السورية دون الحاجة لوزارات النظام وتضييقه الكبير على عملية التعليم،  في خطوة تعتبر لبنة بناءٍ للدولة الحرة التي نادى بها أبناؤها خلال خمس سنوات من عمر الثورة السورية.