أخبار الآن | خاص – سوريا (نعمة العلواني)
تزامناً مع المفاوضات في مؤتمر "جنيف 3"، ومع مطالبة مبادرة "نساء سوريات من أجل السلام والديمقراطية" بمشاركة النساء الكاملة في المفاوضات وفي مستقبل سوريا، والتي نصّت بدورها أيضاً على إخراج المعتقلين من السجون السورية، ومع اقتراب اليوم الدولي للمرأة في الثامن من شهر مارس/ آذار؛ تبدو هذه المطالب لا تطال النساء اللواتي ما زلن يقبعن داخل سجون الأطراف المتنازعة على الأرض السورية.
داءٌ أنجاني مِن بلاء
"الفطريات التي أصبت بها في "الأماكن الحساسة" منعته من التحرش والاعتداء عليّ"، تقول إحدى الناجيات من فرع أمني تابع للنظام السوري، تقول السيدة أن المحقق وخلال عملية التفتيش حاول الاقتراب منها كي يتأكد أنها ليست عذراء، ولم يقف عند تلك المحاولات بل حاول اغتصابها مستغلا وضعية القرفصاء، ولكن الفطريات النسائية التي أُصيبت بها بسبب سوء النظافة داخل الأفرع التي تنقلت بها، كانت سبباً لكي يتوقف عن عملية اغتصابها والتراجع عن انتهاك جسدها.
تتعرض أغلب المحتجزات السياسيات فور وصولهنّ إلى المراكز الأمنية إلى تفتيش جسدي مُهين ينطوي تحت مسمى "حركات الأمان"، بحسب التقرير الذي صدر عن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهذا التفتيش يشمل حركات القرفصاء عدة مرات صعوداً ونزولاً كي يتأكد المفتش من أن المحتجزة لا تُخفي شيئاً في بطنها.
تتابع السيدة أن المحقق لم يكتفِ بـ "حركات الأمان" تلك، بل هددها بأنه سوف يغتصب ابنتها إن لم تستجب لما يطلبه منها، ونتيجة لتلك التهديدات رضخت السيدة لطلبات المحقق الذي أجبرها على الإتيان بفعل "فاحش" في غرف التحقيق المظلمة، ومن ثم الظهور على وسائل الإعلام والاعتراف بتهمة استدراج العساكر و"ممارسة الفحش" معهم.
تقول الناجية أن عمليات "اغتصاب العذارى" لا تتم بصورة جريئة وواضحة في الأفرع التابعة لأمن الدولة، حيث أن المحقق يخشى بطريقة أو بأخرى من العقاب الذي قد يقع عليه من رئيس الفرع، ولكن لا ينطبق هذا مع التحرش الجنسي من خلال اللمس المقصود خلال عمليات التفتيش والمداهمات، بالإضافة للألفاظ والتعابير السيئة والدنيئة.
جهاد نكاح
تهمة تمسّ بكرامة وخصوصية جسد الأنثى وتشكك بكونها امرأة محترمة، وقد تُلصق تهمة جهاد النكاح بأية محتجزة بحال لم يجد لها المحقق تهمة معينة توضّح سبب اعتقالها، وهذا ما يمس بالموروث الاجتماعي ويؤذي بشكل كبير نفسية المحتجزة، كما تذكر أغلب الناجيات من الاعتقال واللاتي ألصقت بهن هذه التهمة.
تروي لنا ناجية احتجزت في أحد الفروع الأمنية عن كيفية تعامل الشرطة والمحققين مع تهمة جهاد النكاح، حيث تصبح المحتجزة وسيلة سهلة للتحرش اللفظي والاستهزاء بسمعة المحتجزة ونعتها بألفاظ نابية.
تشير الكثير من الشهادات المجمّعة إلى أن التعذيب والمعاملة السيئة، تكون أكثر إهانة على كرامةّ المرأة، ويمثل التعذيب الجنسي والاغتصاب مثاليَن رئيسيين عن أساليب التعذيب التي تستهدف خصوصية النساء استهدافاً مباشراً والتي يترتب عنها أثر شديد عليهن لفترات طويلة، كما تقول الناشطة الاجتماعية "سيما نصّار".
تروي الناجية أنواع الأوامر التي كان يطلبها المحقق، حيث كان يأمرهن بأن يتحرشنّ ببعضهن البعض أمامه، وتتابع: "لم تسلم السيدات الحوامل من التحرش الجسدي، حيث أن هنالك بعض السيدات اللاتي فقدن أجنّتهن داخل السجون بسبب الاعتداء الجنسي عليهن بطريقة عنيفة جداً، والمترافقة مع الضرب المبرح والذي تسبب بنزيف حاد داخل الرحم وفقدان الطفل".
داعش وتعذيب النساء
على اختلاف مناطق النزاع في الاراضي السورية، لا تجد الكثير من الاختلاف بالتعامل مع النساء كضحايا للحرب ووسيلة للضغط على الطرف الآخر، وهذا ما يشمل تعنيفها جسدياً ولفظياً وجنسياً، تذكر العديد من التقارير الدورية الصادرة عن جمعية العفو الدولية عن وجود انتهاكات جسيمة بحق النساء في مناطق سيطرة داعش، حيث تُستعمل النساء كوسيلة ابتزاز للرجل حتى يسلّم نفسه ووسيلة ضغط لتنفيذ رغبات وأوامر الطرف المسيطر.
تروي لنا ناجية اُعتقلت داخل مناطق داعش، على أن العنف عليها كان يمارَس من خلال محاولة اغتصابها وتعنيفها لفظياً وجسدياً والضرب في حال رفضت الانصياع للأوامر الموجهة لها، حيث كانت تًستخدم كوسيلة للترفيه وتفريغ الكبت الجنسي، وكان يتناوب على اغتصابها العديد من العناصر وبطرق مختلفة أيضاً مثل استخدام الزجاجات الفارغة وأدوات حادة ضد المحتجزات.
قانون مسجون
ينص القانون السوري في قانون أصول المحاكم الجزائية، على أنه لا يجوز احتجاز أحد دون توجيه تهمة إليه، وإلا كان ذلك حجز حرية غير مشروع يعاقب عليه الشخص المسؤول عن هذا الفعل، وهذا أمر ينافي تقاريرHuman Rights Watch من السجون السورية التابعة للدولة، حيث أن أغلب من تقبعن داخل السجون هنّ من النساء اللواتي لا تملكن أية فكرة عن تهمتهنّ التي اقُتيدوا من أجلها، وينص نظام السجون السورية أيضاً على تأهيل المساجين نفسياً وحمايتهم جسدياً، وذلك بتوفير أماكن للمراجعة الطبية الدورية، وهذا ما لا تلتزم به حكومة النظام، حيث تذكر ناجية أنها لم تكن تستطع الحصول على حاجاتها الصحية في أيام "الدورة الشهرية" التي تكون بالنسبة للمحتجزة هي الأسوأ وتكون فرصة لكي يخترق السجّان جميع الحواجز الشخصية والجسدية للأنثى، وممهداً للتحرش الجنسي.
حالات الرفض المجتمعي للناجيات
تقول الخبيرة النفسية والاجتماعية "منار تيزيني" أن معاناة الناجيات لا تقف عن حد الإفراج عن المعتقلة، فلأنهن عايشن حالات تحرش أو اغتصاب داخل السجن، أو حتى مجرد افتراض وقوعه، يجبرهن التماس المأوى خارج البلاد بعد الإفراج عنهن، هرباً من الواقع المفروض، وهذا يؤدي للعديد من الآثار النفسية والصحية الناجمة عن سوء تقدير لمعاناتها، ويكون من الصعب عليها الخروج من تلك الحالة السيئة، وقد تختلف ردود الفعل في المجتمعات السورية مقارنة مع العمر والبيئة المحيطة وهذا يعود إلى درجة الوعي والاحتواء الذي تقدمه الأسرة للناجية.
ومن جهة أخرى، تذكر منار تيزيني أن الناجيات المتزوجات قد تواجهن صعوبة في استئناف حياتهنّ الزوجية، وقد تكون هنالك حالات طلاق على شبّاك الزيارات داخل السجون المركزية في أول زيارة للزوج.
وأخيراً، مع غياب حماية القانون ورفض الاعتراف بحقوق المرأة بالحماية، تبقى المسؤولية متأرجحة بين متهم ونافٍ لدوره، وتبقى مسؤولية المجتمع والبيئة احتواء الناجيات من الاعتقال التعسفي، من خلال مساعدتهن على تجاوز محنتهنّ النفسية حتى يعدنّ كشخصيات فاعلة في محيطهن والارتقاء معهن لغد أفضل يتساوى فيه الجميع.