أخبار الآن | الحسكة – سوريا (عبد الرحيم سعيد)
شهدت محافظة الحسكة كغيرها من المحافظات السورية تغييرات كثيرة منذ بدء الثورة وحتى اليوم من النواحي الأمنية والسياسية والاجتماعية والتعليمية. حيث بدأ النظام تدريجيا مع بدء الثورة بتسليم المقرات الحكومية لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" ضمن صفقات سرية لم يتم الإعلان عنها. ومنذ بدايات عام 2013 كان قد تمّ تسليم كافة المدن الشمالية من المحافظة للحزب باستثناء المطار والمربع الأمني في القامشلي، وبدأت المؤسسات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بإجراء تغييرات في النظام الأمني والخدمي والتعليمي بما يناسب الوضع الجديد وبما يخدم مصالحه.
المناهج التعليمية الجديدة وتراجع مستوى الطلاب
المناهج التعليمية كانت من بين أمور كثيرة قام الحزب ومؤسساته بتغييرها، حيث بدأ مناصروه بتشكيل لجان تعليمية في كافة المدن، وأصبحت تتدخل تدريجياً بشؤون المدارس وكيفية التدريس. والخطوة الأولى كانت بجعل اللغة الكردية مادة أساسية في كافة المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، هذه الخطوة في البداية لقيت رفضا ظاهريا من قبل مديرية التربية التابعة للنظام والتي أمرت بإغلاق المدارس لمدة شهرين تقريبا عام 2014، ولكن سرعان ما اتفق الطرفان وعادت المدارس إلى طبيعتها لتكون اللغة الكردية ضمن منهاج الطلاب ويقوم بتدريسها معلمين تابعين لما تسمى بالإدارة الذاتية.
وفي عام 2015 قامت هيئة التربية "وزارة التربية" التابعة للإدارة الذاتية بزيادة عدد ساعات تعليم الكردية في المدارس الابتدائية على حساب ساعات مادة التربية القومية واللغة العربية لتصل إلى ست ساعات أسبوعياً. ولم تكن هناك مشكلة عند الأهل والطلاب في البداية، ولكن المشكلة بدأت في عام 2016 عندما قامت هيئة التربية بتغيير كافة كتب منهاج الصفوف "الثلاثة الأولى" من المرحلة الابتدائية لتكون باللغة الكردية فقط بعد إلغاء مادة اللغة العربية واللغة الإنكليزية. هذه الأمر الذي أثار استهجان الكثير من الأهالي ودفعهم إلى وقف إرسال أبنائهم إلى المدارس خوفا عليهم من أفكار إيديولوجية قد تزرع في أذهانهم عن طريق المناهج التدريسية والتأثير عليهم واستغلالهم، وبسبب عدم ثقتهم بالمنهاج والكادر التدريسي الذي سيقوم بالتدريس.
يقول "محمد حوجك" لأخبار الآن وهو والد لطالبتين "الصف الرابع والصف الثاني": "لم أرسل أولادي إلى المدرسة لأن المنهاج الجديد لا يلبي حاجات الأطفال الرئيسية من المعلومات، كما أن الكادر التدريسي غير مؤهل علميا وتربويا كما كان الكادر السابق"، ويكمل: "أصبحت أفكر بمستقبل أولادي التعليمي، فابنتي كانت من المتفوقين حتى وصولها إلى الصف الرابع أما الآن فأصبحت غير مهتمة كما كانت وابنتي التي في الصف الثاني لم تعد تعرف التحدث بالعربية وأنا خائف كثيرا على مستقبلهم".
خطط تعليمية غير مدروسة وكادر غير مؤهل
المناهج الدراسية الجديدة تم وضعها وتأليفها في مخيم "مخمور" في إقليم كردستان العراق، وهو مخيم خاضع لسيطرة "حزب العمال الكردستاني"، وتم اختزال المناهج بثلاث كتب فقط لكل صف دراسي "كتاب واحد للمواد العلمية وكتاب للغة الكردية والقراءة وكتاب للعوم الاجتماعية" دون وجود لغات أجنبية مثل الإنكليزية أو غيرها.
"أسامة داري" وهو مدرّس لمادة العلوم يحدثنا عن المنهاج الجديد قائلا: "تغيير المنهاج قرار خاطئ فالمنهاج فيه أخطاء كثيرة، ولم يكتب بأياد خبيرة في هذا المجال، والكادر غير مؤهل تعليميا وتربوياً، وأصبحنا نسمع عن حوادث تربوية مؤسفة في المدارس الابتدائية بسبب ضعف الكادر غير المؤهل".
أيضا من جهتها مديرية التربية في محافظة الحسكة أمرت المعلمين التابعين لها بعدم التدريس في المدارس التي تدرس فيها المناهج باللغة الكردية، وكذلك أصبحت كافة المدارس الابتدائية في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي بدون معلمين. الكثير من الأهالي لم يرسل أبنائه لتلك المدارس خوفا عليهم، ولكن بقاء الأطفال في المنازل والشوارع لم يكن حلاً، الأمر الذي دفع ببعض الأهالي الى إرسال أطفالهم مجددا إلى مدارسهم بعد شهرين أو أكثر من انقطاعهم، هذا ما قاله لنا "محمد حوجك": "لم أبعث أولادي لمدة شهرين ونصف إلى المدرسة على أمل أن يتراجعوا عن قرارهم بتغيير المنهاج، ولكن بقاء أطفالي في البيت كان يخلق لي المشاكل، ولم أجده حلا مناسبا فأعدتهم مرة أخرى الى المدرسة، و لكنني غير مرتاح لهذا التعليم ومجبر على ذلك".
الطلاب بين الشارع ومدرسون غير كفؤ
ومع انتهاء امتحانات الفصل الأول قبل عدة أيام، ما زال الأهالي مترددين في إرسال أبنائهم إلى مدارس لا يثقون بمناهجها وبكادرها التعليمي، وهم أمام مصير مجهول للمدارس والمؤسسات الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، وهم يقفون اليوم بين سندان المناهج الجديدة ومطرقة الشارع الذي أصبح هو الوحيد حاضناً لأولادهم بعد أن تركوا المدرسة، يقول لنا "أحمد حسين": "لم أرسل أطفالي إلى المدرسة حتى اليوم، ولن أرسلهم لأنني غير واثق بالمناهج الجديدة وبالكادر التدريسي، ولا أريد لأولادي أن يتلقوا هذه المناهج"، ويضيف أنه على أمل أن تعود المناهج القديمة للمدارس ليعود بإرسال أطفاله من جديد.
تجدر الإشارة إلى أنه يسمح فقط للعرب بالدراسة باللغة العربية، حيث يتم تخصيص صفوف خاصة بهم في المدارس مما يزيد المخاوف لدى الأوساط الشعبية والاجتماعية في المحافظة من زيادة الهوة بين الأكراد والعرب بسبب هذه الإجراءات، والتفريق بين الأطفال في نفس المدارس التي يدرسون فيها.
ويذكر أنّ الادارة الذاتية قامت بتأهيل ما يقارب 1500 معلم تلقوا التدريب على المناهج الكردية الجديدة لمدة ثلاثة أشهر فقط في معاهد تابعة لهم، وهم من يقومون الآن بتدريس المنهاج الجديد في المدارس، كما تقوم بمنح راتب شهري لكل مدرس يقارب 25000 ليرة سورية.