أخبار الآن | جنوب دمشق – سوريا (آية الحسن)
تتالى المصائب على هذه الرقعة الصغيرة من دمشق، وكحال العديد من المناطق السورية المنكوبة والمنسية لا أمل قريب يُرجى ولا وجود لأيّ دعم يلوح في الأفق.
هذا ما هو عليه الحال في مخيم اليرموك أكبر مخيم للشتات الفلسطيني والذاكرة المتبقية للجيل الثاني والثالث من فلسطيني سورية.
تاريخ لا يُنسى
اضطر أغلب سكان مخيم اليرموك لهجره والالتجاء لمناطق أخرى قريبة وأقل ضرراً، وقسم آخر إلى أماكن أخرى من العالم كالسويد وألمانيا حيث يحق لهم الحصول على أوراق ثبوتية تؤمن مستقبلهم ومستقبل أولادهم ورغبةً منهم بإنهاء المأساة الفلسطينية التي تاجر بها النظام طوال أعوام، باعتبار أنه يستخدم التواجد الفلسطيني في سورية كورقة تثبت ممانعته الكاذبة.
تعاقبت على "اليرموك" الأزمات، فمن الحصار المفروض عليه من قبل ما يعرف بفرع فلسطين إلى جانب الفصائل الفلسطينية التي ساندت النظام ووقفت معه بوجه الأهالي المتواجدين في المخيم في الأعوام الثلاثة الماضية، وكان دورها سيئاً بتمزيق المخيم وإرهاق أهله بالاعتقالات وإغلاق الممرات المؤدية إلى دمشق ومنع الدخول والخروج منه وإليه.
بعدها ازداد الحصار تشديداً، ففرغ المخيم من المواد الغذائية ووصل الحال بالسكان فيه لأكل الأعشاب والحشائش، حتى لقي العديد من المحاصرين حتفهم بسبب الجوع ونقص التغذية، هذا النهج الذي انتهجه النظام مع بقية المدن السورية في محاولة لإخضاعها وإسقاطها عن طريق التجويع، واستمرار هذا الأمر أدى إلى استمرار الموت. إثر ذلك فشلت كل محاولة لفك الحصار وإدخال المعونات للمتضررين والمحاصرين، وما كانت النداءات تصل إلا بعد أن وقع أكثر من مائة حالة موت جوعاً.
وقد شهد العام الماضي اقتحام داعش للمخيم ما أدى لوقوع اشتباكات حادة ونزوح العديد من المدنيين إلى مناطق مجاورة مثل يلدا وببيلا. وما زاد الوضع العسكري والمدني تعقيداً هو براميل النظام التي كانت تنهال بمعدل اثنين كل يوم على المخيم.
الآن وبعد ازدياد الوضع سوءاً وسيطرة داعش على أجزاء منه وأخرى تحت سيطرة جبهة النصرة، بات الأمر معقداً جداً وصعباً خصوصاً على المدنيين الذين ما زالوا عالقين بين حصار متعدد.
كيف يراه أهله؟
"أحمد" 25 عاما، ما زال يعيش في مخيم اليرموك يقول: "أنا الآن أنتظر فرصة للخروج من المخيم إلى أيّ مكان بعيد عن كل هذا الدمار والخراب، المخيم ليس إلاّ بيوتاً مدمرة وذكرى أصدقاء منهم من استشهد ومنهم من رحل".
يضيف "رشاد" 40 عاما: "هذا المكان أصبح اسمه أثقل من أن يُحمل، لم نعد نحلم بشيء ولم نعد بانتظار شيء، خيبة الأمل هي السمة التي الوحيدة لما نمر به".
"أم عمار" تقول أنها لا تريد الخروج من المخيم مهما طال الحصار، وتكمل بأنها تعيش في غرفة أشبه بالقبو وتعتاد كل يوم على الذهاب إلى المقبرة لزيارة زوجها وولديها الذين لقيا حتفهما إثر سقوط إحدى البراميل على المخيم في العام الفائت.
"يامن" 16 عاما، يقول أن المخيم ما زال المكان الجميل والمفضل عنده، ويضيف بأنه يحسد نفسه لأن صديقه المقرّب ما زال على قيد الحياة وهما معاً دائماً، هذا ما يُجمّل اليرموك أكثر في عينيه.
"مروة" 20 عاما، تقول: "أكره المخيم لأني أريد الذهاب إلى الجامعة، وبهذا الحصار لا يمكن أن نعيش بشكل طبيعي".
أم عمر تقول: لولا شح مياه وانقطاع الكهرباء المتواصل، لما رغبت بالخروج من المخيم.
وتقول "لمى" 30 عاما، أن المخيم أصبح بيتا كبيرا، وكأن من بقي فيه عائلة واحدة مؤلفة من الكثير من الأفراد، هذا يزيده جمالاً ويزيدنا تعلقاً به، وتضيف: أنا أُحضر لزواجي وأُهيئ بيتي الجديد، الجميع بانتظار العرس وكأنها فرحة للجميع، هناك أشخاص لم أعرفهم من قبل جاءوا للتهنئة والمساعدة.
أما "جميلة" 26 عاما فتقول: "وكأن العالم قد نسينا، هذا الموت الطويل الذي نعيشه لن ينتهي بهذا الصمت، على الجميع أن يطالب بإنهاء هذا الحصار الخانق الطويل".
حال اليرموك اليوم
المتمعن في حال مخيم اليرموك اليوم يجد أن هذا الاسم الذي وصل في السنوات الفائتة لأكثر من نصف العالم بسبب التغطية الإعلامية والمتابعة له ولأوضاعه في ظل الحصار، بات اليوم هامشاً بالنسبة لأخبار سورية، شأنه شأن كل المدن السورية مثل داريا والمعضمية، الزبداني ومؤخراً مضايا، ومناطق أخرى تعرضت وما زالت للتضييق والحصار والموت جوعاً ومن ثم النسيان لتحل محلها اسم مدن ومناطق أخرى.
هذا الحصار الكابوسي كما وصفه الناشط "أبو محمد" من داخل المخيم لم يعد يطاق بتاتاً، فهو لم يحل لوحده بل دائماً يسحب معه الويلات. ويضيف إن المخيم يعاني من انقطاع دائم في المياه، بالإضافة لأن المصادر البديلة كالآبار الارتوازية لم تعد صالحة للشرب والاستخدام لأنها باتت ملوثة بسبب القصف والإهمال.
يخبرنا الناشط "ناجي" أحد أعضاء الفريق الطبي في اليرموك، بوجود شح كبير في الأدوية الطبية الموجودة حالياً، كما أنها لا تغطي كافة احتياجات المحاصرين، ويكمل: "نحن بحاجة لدعم طبي كبير، بالأدوية الإسعافية وأدوية الأمراض المزمنة، ويجب تعويض الكوادر الطبية التي تناقص عددها بشكل كبير بسبب سوء الأوضاع المعيشية واستشهاد عدد كبير من الشباب الطبي المتطوع منذ عام 2013 إلى اليوم"، وأشار إلى أهمية وجود رعاية طبية ونقاط طبية موزعة بكل أنحاء المخيم لأن تدهور الوضع الصحي من شأن أن يحصد أرواح الكثير ممن بقي داخل المخيم، إضافةً لأن أغلبهم من الشيوخ والأطفال.
إلى جانب كل هذا وفي الشتاء القارس الذي يحل على البلاد لا وسيلة تدفئة تُرجى في ظل انقطاع الكهرباء شبه الدائم، ولا وجود لمادة المازوت إلاّ عند تجار الحرب والمقاتلين على حدّ قول "أبو خليل" أحد سكان المخيم، شارحاً وسائل التدفئة المتبعة، حيث باتوا يلجئون لاستخدام النايلون والمواد البلاستكية وذلك بعد أن قطعوا جميع الأشجار الموجودة في المخيم. ويشير "أبو خليل" إلى أن هناك وسيلة تدفئة تستخدم حديثاً وهي إحراق الإطارات التالفة للسيارات، حيث يتم تقطيعها إلى قطع صغيرة ومن ثم توضع داخل مدافئ خاصة، ولكنها خطيرة جداً فقد تسبب حالات اختناق في بعض الأحيان.
ما من شيء يخفف من وطأة الحصار، الأيام تمر والأوضاع المعيشية تزداد سوءاً، والأصعب من ذلك هو التناسي الذي وقع فيه اليرموك بعد كل هذا الموت.
تقول أم أحمد: "ربما يعود اليرموك إذا عاد الشهداء، تضع يدها على خدها وتنتظر مثل الآلاف عودة ما باتت أبعد من الحلم".